العلامة السيد الكشميري يعزي العالم الإسلامي بذكرى وفاة النبي المصطفى (ص) ويقول: لخاتم الأنبياء محمد (ص) أربعة أوسمة ذكرها القرآن لم تكن لغيره من الأنبياء (ع): (سمو الذكر) و(حوض الكوثر) و(الشفاعة الكبرى) وأنه (الوسيلة لأمته)
    
العلامة السيد الكشميري يعزي العالم الإسلامي بذكرى وفاة النبي المصطفى (ص) ويقول: 
• لخاتم الأنبياء محمد (ص) أربعة أوسمة ذكرها القرآن لم تكن لغيره من الأنبياء (ع): 
(سمو الذكر) و(حوض الكوثر) و(الشفاعة الكبرى) وأنه (الوسيلة لأمته)

 

جاء حديثه هذا بمناسبة ذكرى شهادة النبي (ص) التي تصادف يوم السبت 28 من شهر صفر قائلا: 

منذ أن فتح النبي محمد (ص) عينه في هذه الدنيا والكتاب يكتبون والباحثون يحللون والمحققون يحققون والخطباء يتحدثون دون توقف، وما يزالون يكتشفون المزيد من أسرار عظمة هذه الشخصية التي هي السبب لهذا الوجود: (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك..). 

وحتى لا نسلك مسلك الإفراط والمغالاة في شخصيته، ولئلا نغالي فيه كما غالت اليهود والنصارى في نبي الله موسى وعيسى (ع) علينا أن نرى ما هو تقييم القرآن لمقام النبوة؟ ومن خلال جوابه تتهاوى كل الشبهات والافتراءات التي يثيرها المستشرقون وغيرهم ضده (ص)، وتتحطم آمالهم وآمال الامويين ومن سار على نهجهم في اختلاق الأحاديث والروايات لتشويه هذه الشخصية العظيمة.. فلنستمع إلى ما يقوله القرآن حول شخصية النبي(ص): 

1- يصفه بـ(البشر) وبـ(العبد) لقوله ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) و((تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً )) و((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ)). 
ومن هذه الخصوصية نعرف أن الله خص نبيه (ص) بالعبودية المطلقة لذاته المقدسة، ولذا أوحى اليه ما أوحى: ((فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى))، ولو لم يكن واصلاً لمرتبة العبودية لما ارتقى إلى رتبة الرسالة، ولذا نحن المسلمين نشهد له بالعبودية ثم نشهد له بالرسالة فنقول: (أشهد أن محمداً عبده ورسوله). 

2- العلم المطلق: ((وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)) 
هذا العلم الذي لا يمكن أن تحد أغواره وتعرف حقيقته، علم مصدره الله سبحانه وتعالى، علم لا يتسرب إليه الشك والخطأ والسهو والنسيان والاشتباه، علم مصدره اليقين والقطع، لا كما يذهب اليه البعض حيث يقول: إن النبي كان يبعث السرايا عن اجتهاد، ولا ضير في أن يخالفه من يخالفه. 

وهذا العلم في حقيقته وجوهره انتقل من بعده إلى علي بن ابي طالب (ع) الذي قال: (علمني رسول الله (ص) ألف باب، كل باب يفتح ألف باب) وقال (ع): (سلوني قبل أن تفقدوني)، وهذا العلم انتقل إلى أولاده (ع) من بعده: (نحن نرث العلم صاغر عن كابر). 

3- الطهارة من كل رجس ودنس، لقوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)). 
ونعني بالطهارة أنه مطهر من دنس الفكر والسلوك ومن كل رجس وشرك، فهو معصوم عن كل ذلك: (اَشهَدُ اَنَّكَ طُهرٌ طاهِرٌ مُطَهَّرٌ مِن طُهر طاهِر مُطَهَّر, طَهُرتَ وَطَهُرَت بِكَ البِلادُ وَطَهُرَت اَرضٌ اَنتَ بِها وَطَهُرَ حَرَمُكَ...)؛ لأن الشرك لا يجري في عروق الأنبياء، لذا فالقرآن يشهد ببراءته من كل خيانة وفحشاء وظلم، وأنه مصون من الاستجابة لشهواته الهابطة ونزواته العابرة، ومثله كان اهل بيته (ع). 
وأي شهادة أرقى من هذه الشهادة؟ إنها شهادة الله له ولأهل بيته بالإرادة التكوينية بإذهاب كل سوء ورجس عنهم؛ ولذا نرى القرآن لم يكتفِ بقوله ويطهركم، بل قال: ((تطهيرا))، فذكر المفعول المطلق ليؤكد طهارة رسول الله وأهل بيته (ع)، وأنهم مطهرون في الفكر والسلوك وحتى في النوايا، فلا يفكرون بالسوء والرجس بكل أنواعه من الرذيلة والخيانة والفحشاء والظلم، حيث لا يقترب الرجس من ساحة محمد وآل محمد (ص). 

4- العبادة، لقوله تعالى ((إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ))
حيث كان (ص) هو الشخصية الكاملة في العبادة ، حتى أن المؤرخين يقولون عنه: (صَلَّى حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ). وقوله تعالى: ((طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)). 
وهكذا شابهه أهل بيته في العبادة وفي مقدمتهم علي (ع) حليف المحراب، وذلك بما تركه من الآثار الناصعة في أدعيته المباركة كدعاء كميل ودعاء الصباح والصحيفة العلوية، وكذلك ما تركه ولده الامام زين العابدين (ع) في صحيفته السجادية. 

5- الأخلاق، لقوله تعالى: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) وقال (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق).. لم يقل: (لأؤسس الأخلاق)، لأن الأخلاق فطرية موجودة عند البشر، وإنما قال (ص): (لأتمم)، أي جاء ليكمل الاخلاق الفطرية الموجودة في صميم الانسان. 
إن أهم عنصر لنجاح رسول الله (ص) في دعوته هي الأخلاق، رغم أنه كان يملك (القران المعجزة الخالدة)، وكونه (المعصوم) و(الانسان المثالي).. فبرغم كل هذا فإن أهم عنصر لنجاح دعوته (ص) هو عنصر الأخلاق، بشهادة القران: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ))، فخشونة الصحراء كانت يجب أن تقابل بنعومة النبي ومرونته، وأخلاقه (ص) كانت هي المعجزة. 

مضافا إلى ما ذكرناه فقد منح الله نبيه (ص) أربعة أوسمة ذكرها القرآن لم تكن لمائة و أربعة و عشرين ألف نبي من قبله: 

1- أنه الشفيع الاكبر يوم الجزاء، قال تعالى: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)). فقد دخل النبي (ص) على فاطمة عليها كساء من ثلة الابل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله (ص) لما أبصرها فقال: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الاخرة فقد أنزل الله تعالى علي: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى))، يقول الامام الصادق (ع): (رضا جدي أن لا يدخل النار موحد) ، فالنبي هو الشفيع الاكبر. 

2- ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)). فقد وعد الله نبيه (ص) بامتداد وجوده المادي، حيث قال: ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ))، فأبناؤه اليوم الذين يتجاوز عددهم الملايين في الدنيا هم المصداق الأمثل لقوله: ((إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)). 

3- أنه وسيلتنا إلى الله ، قال عز وجل:((وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً)). 
فالمسلمون من البدء وحتى اليوم كانوا يزورون قبر النبي (ص) ويتوسلون بقبره إلى الله لتقضى حوائجهم للدنيا والآخرة، ولا يهمنا قول من قال خلاف ذلك. 

4- سمو الذكر، قال تعالى: ((وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)). فرغم كيد الاعداء بقي وسيبقى اسم محمد يتألق في الدنيا، وقد حاول الأمويون وأتباعهم من المستشرقين والمرتدين أن يحطوا من قدر النبي (ص) ومن شخصيته، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، فقال: ((وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)). 

هذه بعض الومضات القرآنية عن شخصية النبي المصطفى (ص)، وللتاريخ عن مقامه الكريم حديث لا يسعنا حتى الإشارة إليه، غير أن الحكمة الإلهية اقتضت في مثل هذه الأيام أن يرحل هذا النبي الرؤوف بأمته والعطوف عليهم إلى رضوان الله ولطفه (محفوفاً بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار)، قد ترك الأمة في حزن ولوعة وحسرة ودمعة (فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم وفي ممساكم ومصبحكم يهتف في أفنيتكم هتافا وصراخا وتلاوة وألحانا ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم) فيا لها من خسارة لا تعوض! فوداعاً لك يا رسول الإنسانية والمحبة الذي كنت بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً وعلى الكافرين عذابا صباً وسلام عليك يوم كنت نوراً في الأصلاب الشامخة و الأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك المدلهمات من ثيابها، وسلام عليك يوم ولدت ويوم عشت ويوم تبعث حياً.

هذا و نحن حينما نودع رسول الله (ص) في هذه الأيام الحزينة علينا أن نتذكر بأنه قد ترك فينا الثقلين: الكتاب و العترة الطاهرة لنسير على نهجهما و نتبع تعاليمهما حتى نحظى بسعادة الدارين .

لكن و من المؤسف و المؤلم أن الأمة لم تلتزم بوصية نبيها فركضت خلف أهوائها و شهواتها و حبها للدنيا تاركة ما أوصى به النبي (ص) أمته فكانت عاقبة أمرهم كما يقول القرآن :(( وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ وَلكِن كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِما كانوا يَكسِبونَ)) وأي عذاب أشد من هذا أن أصبحوا يتوددون للأعداء و يعادون و يحاربون الأولياء أشداء على إخوانهم رحماء بأعدائهم (( مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الكُفّارِ رُحَماءُ بَينَهُم تَراهُم رُكَّعًا سُجَّدًا يَبتَغونَ فَضلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضوانًا سيماهُم في وُجوهِهِم مِن أَثَرِ السُّجودِ ذلِكَ مَثَلُهُم فِي التَّوراةِ وَمَثَلُهُم فِي الإِنجيلِ كَزَرعٍ أَخرَجَ شَطأَهُ فَآزَرَهُ فَاستَغلَظَ فَاستَوى عَلى سوقِهِ يُعجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظيمًا)).

نسأل من الله سبحانه و تعالى أن يثبت أقدامنا و يحسن عواقب أمورنا و ينصرنا على أعدائنا إنه سميع مجيب

محرر الموقع : 2017 - 11 - 16