ما تبقى مِن اللُحّمة الوطنية..!
    
أثير الشرع
بلدٌ ولِدت فيه أولى الحضارات، بلدُ الأنبياء والأوصياء والأئمة الأطهار، بلدٌ متعددْ الأعراق والإنتماءات، تعرض إلى أبشع المؤامرات والحروب، ولم يزل كذلك، خِلافٌ وإختلاف في كُلِّ صوابٍ وخطيئة؛ سياسة وأدت فرحة التغيير، وحولته إلى صدمة وكابوس، البلد يسير نحو طريقٍ لا يعلمُ أحداً أين سينتهي.
أهم الأسباب التي أدت الى إنهيار الأوضاع وخاصة الأمنية، كان أولها : إعتماد مبدأ الولاءات، وتهميش الكفاءات وحرمانهم من خدمة وطنهم، وأيضاً المرحلة الإنتقالية من جمهورية الخوف والرعب والحروب المستمرة، إلى جمهورية تبنت الفساد والظلم وقساوة التعامل مع المواطن، يقيناً.. إن التأريخ سيُثبّت بأن المرحلة التي أسموها بـ "الديمقراطية" كانت الأكثر فساداً والأكثر ظلماً، كما أثبت إجرام الطاغية بقمعه شعبه وقتله بدمٍ بارد.
عانى الشعب الأمرّين من النظام السابق؛ وتعرض على أيدي جلاوزة البعث وجيوشه المارقة، إلى أبشع الجرائم كذلك حال المواطن العراقي، بعد عام  2003.
لقد إستمر النظام الحالي بممارسة الظلم، وأكمل مسيرة النظام السابق بتنفيذ أجندات خارجية، غايتها تدمير المجتمع العراقي خاصة والعربي عامة؛ وإذلاله وتركيعه للقبول بما تمليه أمريكا وأعوانها، والرضوخ لمطالبها والعودة إلى الإنتداب.
لم تنجح الحكومات التي تسلمت زِمام الأمور والسُلطة في العراق الحديث؛ إلى تكريس الوحدة الوطنية، وتوزيع ثروات العراق وإرضاء جميع الطوائف والأديان والمذاهب، التي يتكون منها الشعب العراقي، بل شعر المواطن العراقي ككل، بالغُبن والإجحاف؛ ويعتقد إن النظام الجمهوري في العراق، لم ينجح بإستثناء الزعيم عبدالكريم قاسم، الذي حكم العراق في الفترة الذهبية، وحقق للعراق ولشعب العراق الشيء الكثير، أن إعتماد  نظام جمهوري- شمولي، في عهد النظام السابق، وجمهوري- ثيوقراطي في العهد الحالي، كلاهما لم يأتي بمنفعة للعراق؛ وسار به نحو الهاوية.
نجح النظام البعثي السابق، بتأجيج الفتنة الطائفية الخجولة، التي كانت كامنة آنذاك، وأُعلِنَت بِغباءاً سياسياً في العهد الحالي، والطائفية كانت من الأسباب الرئيسة لسقوط مدينة الموصل، من خلال سياسات خاطئة يتحمل المتطرفين من السياسيين السنة، أوزراها الفادحة، التي بسببها مُنيت العملية السياسية بالإنهيار دون إعلان ذلك صراحةً، الصِراعات الداخلية.. بين الأحزاب المنضوية تحت كتلٍ كبيرة، من الشيعة والسنة والكورد، كانت أحد الأسباب المهمة بفشل معظم الحكومات المتعاقبة، لإدارة جميع الملفات الخدمية والأمنية، فما يحدث من صِراع داخلي، كان نتيجة تحريض خارجي، وتحاول بعض الأطراف تأزيم المواقف، من خلال بث تصريحات علنية أو سرية، لخلق أزمات وتأجيج خلافات.
إن دافع الأنتقام أدى إلى إنهيار أغلب المحافظات العراقية، فمازال الإنتقام سائداً، ودماء الأبرياء تسيل بغزارة، والمشهد السياسي يميل إلى التعقيد؛ بسبب غياب مبدأ التسامح ونبذ الفرقة، وتجاهل ونسيان رعونة النظام البعثي وما أتى بعده من جهل سياسي، لم يتبقى من الهوية الوطنية، إلاّ ثُلة قليلة؛ تحاول إعادة عقارب الساعة إلى وراء؛ لتصحيح المسار السياسي، وتعديل السياسات الخاطئة التي أنتهجت، وبناء جيش وطني قوي.
 يؤسفنا القول.. إن الثقة ما بين مكونات الشعب العراقي، قد هُدمت؛ بسبب السياسات الطائفية السابقة والحالية، وذلك يُهدد البلاد بالتقسيم الى أقاليم ودويلات، ليعبث القاصي والداني بثرواتها وخيراتها، وفعلاً بدأت بعض المحافظات العراقية بالمطالبة الجادة للإنفصال، على أساس عرقي طائفي.
نُطالب هنا.. ذوي العقول النيرة والحِكمة، بالإسراع بنزع  فتيل السياسات الخاطئة الطائفية الممزوجة بروح الانتقام، وتعديل القوانين المشبوهة، وسَن قوانين بديلة تتيح لجميع أبناء الوطن الواحد للعيش في مجتمع مسالم، خالٍ من العداء، وهذا ما سيحافظ على ما تبقى من اللحمة الوطنية، ومنع التدخلات الخارجية وإفشال الإستراتيجيات الدولية، التي تهدف الى إخفاء الدولة العراقية نهائياً، وطمس الهوية العراقية، ودفع البلد نحو الإنهيار الكامل، والذي لا يرغبه كل عراقي بالتأكيد.
 
محرر الموقع : 2015 - 07 - 29