أطفال {داعش} قنابل متنقلة قد تنفجر في أي زمان ومكان
    

 أصيب المواطنون الاستراليون بالصدمة والذهول مع صدور صحفهم اليومية، في الحادي عشر من آب الماضي، بعد ان نشرت تلك الصحف صورة "داعشية" الطراز لطفل عمره 7 سنوات وهو يحمل رأس واحد ممن جز التنظيم رؤوسهم في سوريا، وكانت الصورة  لأحد أبناء خالد شروف اللبناني الأصل المولود قبل 31 سنة في أستراليا، والذي ذاع صيته الدموي في تموز الماضي لكثرة ما ظهر في صور بحسابه في مواقع التواصل وهو يحمل رؤوسا مقطوعة. وفيما أوهم رجل سعودي، طليقته بأنه سيسافر مع طفليه في رحلة سياحية، بينما كان متوجها عبر تركيا، في طريقه لينضم مع طفليه إلى تنظيم "داعش"، كشف جهادي سابق عن قيام "داعش" بتجنيد الأطفال لتنفيذ عمليات انتحارية وإرهابية، وقال نبيل نعيم، مؤسس تنظيم الجهاد سابقاك"إن تنظيم "داعش"يقوم بتجنيد الأطفال لتنفيذ عمليات انتحارية وإرهابية" مستشهدا بفضائية "طيور الجنة" التي تبث أفكارا تخدم هذا التنظيم.

وأضاف نعيم، خلال لقائه ببرنامج "مباشر من العاصمة" على فضائية "أون تي في لايف"، أن "داعش" هي خطة أميركية إسرائيلية لتقسيم الشرق الأوسط. وأشار إلى أن بعض المخابرات الأجنبية تجند أفرادا للعمل مع تنظيم "داعش" الإرهابي، مؤكدا أن الحل الوحيد للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي هو مواجهته بجيش منظم وغير عشوائي. وكانت تقارير قد كشفت في أيار الماضي النقاب عن عمليات تأسيس معسكر "أشبال الزرقاوي" خلال الأشهر الماضية في مدينة الرقة السورية لتدريب الأطفال على القتال.

أطفال الدم

وكان خالد شروف، اللبناني الأصل المولود في أستراليا قد بث صورة ثانية، نشرتهما صحيفة "ذي أستراليان" وانتقلت الصورتان منها إلى بقية وسائل الإعلام الأسترالية التي راجعت "العربية نت" بعضها أيضا، وفي المهمة منهما يبدو ابن شروف حاملا رأس أحدى ضحايا أبيه التي بثها في "تويتر" مرفقة بتغريدة قال فيها: "هذا هو ابني" من دون أن يذكر اسمه، حيث بدا الابن ببلوزة صيفية وشورت وعلى رأسه قبعة خضراء، كما وكأنه في نزهة  عائلية.

وشرح شروف الذي كان مقيماً مع عائلته في ضاحية بمدينة سيدني الأسترالية، وغادرها مع زوجته وأبنائه للقتال مع "داعش" في سوريا والعراق العام الماضي، أن الصورة تم التقاطها لابنه في مدينة الرقة بالشمال السوري، فيما كانت صورته الثانية مع اثنين مسلحين من أبنائه الثلاثة، وعمر كل منهما تحت الثامنة تقريبا، وخلفهما راية "داعش" وبجانبها الأب متمنطقا برشاشين، في لقطة عائلية وإرهابية بامتياز. والمعروف عن شروف، الذي يستخدم اسم "أبو مصعب الأسترالي" لقبا، أنهم اتهموه بالتخطيط لأعمال إرهابية في أستراليا، وأدانوه واعتقلوه في 2005 وحكم عليه بالسجن لمدة 4 سنوات، ثم أبقوه في خانة المرصودين بالمراقبة الأمنية المشددة وصادروا جوازه ومنعوه من السفر. أما السعودي ناصر الشايق فقد ارسل الى زوجته رسالة قال فيها "احتسبي أبناءك طيوراً في الجنة" كعبارة كان لها وقع الصاعقة على قلب أم الطفلين عبدالله وأحمد الشايق، التي قرأت هذه الكلمات في الرسالة ويعد الطفلان عبدالله وأحمد الشايق، أصغر المنتمين السعوديين إلى "داعش"، فهما لم يكملا المرحلة الابتدائية، إذ إن الأول دون الـ11 عاماً، فيما يصغره الآخر بعام، لكن ظروفهما العائلية قادتهما للعيش مع والدهما، بعيداً عن والدتهما، وذلك إثر انفصال الوالدين قبل سبعة أعوام.

سجل الإدانة

بدأ سيل الاتهامات يأخذ طابعه الرسمي في مطلع نيسان الماضي من العام الحالي عندما إتهم تنظيم" داعش"، جبهة النصرة بإستخدام الأطفال في المعارك، خصوصا في المناطق الشرقية بسوريا. قبل ان تعلن وزارة حقوق الانسان العراقية عن ارتكاب عصابات" داعش" لهذا الجرم الفادح. وبحسب" داعش" فإن أبو ماريا القحطاني أحد قياديي النصرة، أوعز إلى مقربين منه بتجنيد الأطفال ممن هم دون السادسة عشرة، بسبب شراسة هؤلاء في القتال، وتنفيذهم ما يطلب منهم. وكشف التنظيم أن جبهة النصرة أوكلت مهام القيادة في بلدة الرز بمحافظة دير الزور إلى طفل يبلغ من العمر أربعة عشر عاما، ويدعى عبود سالم الشاهر، الذي يقوم بتوزيع مخصصات مالية يتلقاها من الجبهة على عناصره. ولم تنف جبهة النصرة بشكل رسمي خبر تجنيدها للأطفال، لكن مقربين منها أكدوا على مواقع التواصل الاجتماعي أن الأطفال الذين يتحدث عنهم تنظيم" داعش"، ابلوا بلاء حسنا في معارك دير الزور، وحمص وحلب، وان الجزء الأكبر من القتال كان يقع على عاتقهم، وتساءل أنصار الجبهة، “ألا يجند تنظيم "داعش" الأطفال، فقد رأينا العشرات من الأطفال يتدربون في معسكرات أقامها التنظيم على مقربة من منجم الملح”، وعلى  الصعيد نفسه كشفت وزارة حقوق الإنسان، في الثامن من آب الماضي أن تنظيم "داعش" يجند أطفالاً فوق سن 12 سنة ويرسلهم إلى محافظة الانبار كانتحاريين، فيما أشارت إلى أن الانتحاريين يباعون عبر سلسلة من المراجع عند وصولهم الانبار بأسعار تبدأ من 500 إلى 3000 دولار. وقالت الوزارة في بيان صحافي، إن "عصابات" داعش" الإرهابية تقوم بتجنيد الأطفال فوق سن 12 سنة وترسلهم إلى محافظة الانبار كانتحاريين"، مبينة أن "التنظيم يجذب هؤلاء الأطفال عن طريق شباب يقدمون لهم المغريات وكذلك يتم غسل أدمغتهم بأفكار تكفيرية تعصبية بدعوى الجهاد". وأضافت أن "ارهابيي التنظيم يسقوهم عصائر مملوءة بحبوب الكبسلة والهلوسة قبل إرسالهم للتفجير"، وقالت الوزارة انه "تم إنقاذ احد الشباب من هذه الجريمة النكراء قبل أربعة أيام".

انتحار بالإكراه

في أواخر حزيران الماضي تحدثت تقارير تناقلتها وسائل الإعلام عن قيام عصابات "داعش" بتجنيد أطفال أبرياء بعد اختطافهم، وقالت التقارير ان الطفل محمد( 15 عاما)، أصيب بالصدمة، عندما وجد نفسه مجبرا على الوقوف مع أترابه وسط مسلحين يرتدون أقنعة سوداء وهم بصدد قطع رأس أحد الرجال فيما صاح أحدهم وهو يرفع رشاشا من طراز كلاشينكوف "هذا هو الجهاد في سبيل الله". والطفل محمد هو واحد من 140 طفلاً كرديا اختطفتهم "داعش" عندما كانوا على متن حافلاتهم عائدين من امتحانات نهاية السنة الدراسية، ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان جرت عملية الاختطاف في 29 أيار عندما كان الأطفال عائدين إلى منازلهم في قرية عين العرب من مدرستهم في حلب.

ويتذكر محمد يومه الأول وهو مختطف ويقول إنه بدأ مبكرا جدا عندما كرر مسلحون تحذير جميع الأطفال من قطع رؤوسهم إذا حاولوا الفرار، ثمّ تم تقسيمهم إلى مجموعات من 17 صبيا، كل مجموعة في غرفة، وكان كل يوم يبدأ بصلاة الفجر، حيث تتم إفاقة الأطفال من قبل "شيوخ" يؤمونهم ثم يلقون عليهم دروس "الشريعة" لساعات.

وليلاً، يسلم "الشيوخ" الأطفال لارهابيين يعلمونهم على مدى خمس ساعات أساليب "القتال وتنفيذ العمليات الارهابية الانتحارية"،  ويمضي محمد قائلاً: "اذهب إلى عين العرب ولن تعثر على صغار هناك، أخذوا جميع أصدقائي، وأشعر أنني لا أقوى على الابتسام فكل أيامي وكل حياتي كانت مع رفاقي في المدرسة أما الآن فلا يوجد شيء".

وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش" إن طبيبا أبلغها أنه عالج صبيا لا يتجاوز عمره 12 عاما، كانت وظيفته عندما كان مختطفا من قبل" داعش"، جلد المحتجزين لديها بالسوط، كما قال أب أحد المختطفين: "إنهم بصدد غسل أدمغتهم، لقد ربينا أطفالنا بالكيفية الملائمة ونخشى أن يؤثر كل هذا في نفسياتهم".

وبخصوص التوقيت الذي يبدأ فيه تكوين وعي الطفل وتنشئته , دراسات عديدة تؤكد ان العملية المعرفية للطفل تبدأ أولا بالقدوات وبالسلوك المؤثر في المحيطين، ويظهر تأثر الطفل بسلوك الام تحديدا بدءا من عامه الثاني، حينما يردد الكلام، فهذا يكون أكثر تاثيرا لأن كل ما يردده يتعلمه، فيصبح معرفة.

وهذا ما يطبقه "الفكر الإرهابي في التربية"، فالبيئة عامل مؤثر قوي من عوامل التغيير للأفضل أو للأسوأ، ويكون الأمر أكثر صعوبة، إذا كان لدى الطفل أفكار صحية، واتبع الوالدان منهجا سلوكيا صحيحا، يتطور فيه الطفل، وينجز ويستمتع بالحياة.

غسيل الدماغ

من جهته، قال سفيان الحلاني في تصريح صحفي تداولته وسائل الإعلام في منتصف تموز الماضي، وهو من أهالي الرقة يعمل بائعا متجولا بعد أن فقد عمله في إحدى شركات المحاسبة: إنه يفضّل أن يدرّس أولاده في المنزل على أن يرسلهم إلى المدارس التي يديرها تنظيم" داعش"، إلا إن الأمر مستحيل كما وصفه الحلاني، فمجموعات "داعش" في الرقة لديها لوائح الطلاب في كل مدارس المنطقة وقد حصلت عليها من الإدارات التعليمية التي سيطرت عليها، وباتت تلاحق الطلاب لتتأكد من التحاقهم في المدارس". ولفت إلى أن الأطفال في المدارس باتوا يخضعون لغسل الأدمغة من خلال المناهج الجديدة التي تطبقها" داعش"، والتي استبدلت المواد العلمية بالدروس القتالية.

وبالفعل، فقد عمدت" داعش" إلى إلغاء مقررات العلوم والأحياء ومناهج التربية الإسلامية والتربية الوطنية والتاريخ والجغرافيا، واستبدلتها بكتب حول شروحات الفكر الجهادي السلفي، فضلا عن مناهج تحفيظ القرآن وشروحه المتطرفة، كما قال المتقاعد في الرقة محمود الأمين في تصريح  صحفي.

وأشار إلى أن التنظيم "يحرص على تدريب الطلاب على الطاعة العمياء للمدرسين ومسؤولي وأمراء داعش".

وغالبا ما يتم اختيار مجموعات من الطلاب لإخضاعهم لدورات عسكرية تدريبية، حيث يجرى إلحاق المميزين منهم بالمجموعات الارهابية والتعلم على استعمال السلاح وإطلاق النار، بحسب الأمين.

وأضاف، "أما العلوم ومواد الحساب فتدرس لبعض الطلاب فقط كجزء من التدريب العسكري لمساعدتهم على تحديد المناطق والتعامل مع الصواريخ وغيرها".

ولفت الأمين إلى أن مقاربة" داعش" للتعليم طالت الزي المدرسي التقليدي ليحل مكانه الزي الشرعي، وهو عبارة عن الحجاب للطالبات والمعلمات وزي شبيه بالزي الأفغاني للطلاب والمدرسين.

كذلك منع الاختلاط وألغيت جميع العطل الرسمية والدينية التي كان معمولا بها سابقا، وعدلت العطلة الأسبوعية من يومي الجمعة والسبت إلى يومي الخميس والجمعة. وأعرب الأمين عن قلقه من أن تشكل سيطرة" داعش "على المؤسسات التعليمية "خطرا حقيقيا على مستقبل السوريين". وقال، "تحولت المؤسسات التعليمية إلى مراكز لغسل أدمغة الأطفال الصغار لتجعل منهم قنابل موقوتة متنقلة قد تنفجر في أي زمان ومكان". واختبر طالب الطب في جامعة دمشق نور الدين الجمّال بشكل مباشر كيف تؤثر عملية غسل العقول على الأطفال. وأكد الجمّال المتطوع في أحد مستشفيات دير الزور الميدانية، أنهم كثيرا ما يستقبلون في المستشفيات الميدانية والمراكز الصحية أطفالا مصابين بطلقات نارية أو بشظايا قذائف مدفعية.

محرر الموقع : 2014 - 09 - 01