واشنطن تبحث عن حلفاء سنة في العراق.. اتصلت بعزة الدوري والجيش الاسلامي
    

تسعى واشنطن لاقناع فصائل سنية مسلحة وقيادات عشائرية بمحاربة مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في خطوة تماثل حركة الصحوات التي طردت تنظيم القاعدة من البلاد قبل ست سنوات وذلك لانها لا ترغب في إرسال قوات أمريكية إلى العراق.


وقال جيمس جيفري الدبلوماسي المخضرم الذي شغل منصب السفير الامريكي لدى العراق في الفترة من 2010 إلى 2012 وله صلات وثيقة بالحكومة في بغداد "التحركات كثيرة في الوقت الحالي." وقال "عقدت اجتماعات في اربيل واجتماعات في عمان" مشيرا إلى محادثات بين جماعات عشائرية ومسؤولين أمريكيين.
والخطة أبعد ما تكون عن السهولة لأن الكثير من السنة يعتبرون حركة الصحوة فشلا بل وخيانة ويرون في اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية لشمال العراق وغربه حيث يمثل السنة الأغلبية أهون الشرين رغم عمليات القتل الجماعي.


ويقول مسؤولون أمريكيون وعراقيون إن الخطة الجديدة لا تمثل إعادة إحياء للصحوات بل ستدمج السنة في "حرس وطني" يمثل قوة أمنية يقصد بها التخلص من مركزية السلطة في بغداد لمعالجة مطالب السنة بوقف ما يرونه من اضطهاد من جانب قوات الأمن ذات الغالبية الشيعية.


ولم تتحقق قط الوعود السابقة التي أطلقها المسؤولون الأمريكيون والعراقيون لدمج الاقلية السنية في الدولة العراقية مقابل ما يقدمونه من مساعدة. وبدلا من ذلك وجد زعماء الحركة أنفسهم مطاردين من الجهاديين ومن الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة على حد سواء.
ولم تكن الضربات الجوية الأمريكية والعراقية الأخيرة على أهداف تابعة لتنظيم الدولة الاسلامية ذات فائدة لأنها لا تميز بين مقاتلي التنظيم والسكان المدنيين. وتقول قيادات محلية إن الضربات أصابت مناطق سكنية حتى بعد نداء أخير من الحكومة بتجنب ضرب المدنيين.


ومع ذلك يقول مسؤولون أمنيون من العراق والولايات المتحدة إن محادثات تجري بين المسؤولين الامريكيين والعراقيين من جهة وجماعات سنية عراقية من جهة أخرى.
وقال دبلوماسي غربي في المنطقة مشترطا عدم نشر اسمه "بينما نتحدث نحن يتحدث أمريكيون من كل المؤسسات مع السنة العراقيين من كل الأطياف. وعمان تمتلئ بهؤلاء الناس."


كما يجري الاتصال بمتشددين من السنة قاتلوا القوات الأمريكية والحكومة العراقية بعد الاطاحة بصدام حسين.
ومن المؤكد أن التحدث مع جماعات متمردة قتلت جنودا أمريكيين سيكون مثارا للخلاف في الولايات المتحدة وكذلك في العراق حيث تشعر الاغلبية الشيعية بالقلق للدعم الذي ستقدمه الولايات المتحدة للمتشددين من السنة.

* انقسامات سنية 
ومن أبرز الوسطاء السنة للامريكيين أحمد أبو ريشة أحد قادة القوات التي قاتلت تنظيم القاعدة في العراق. وقال إن أكثر من 20 زعيما عشائريا من محافظة الأنبار في غرب العراق يتحدثون مع ممثلين أمريكيين.
وأضاف "هذه القيادات على استعداد لمساعدة القوات الامريكية في القتال (ضد الدولة الاسلامية) وهي تعمل على إعادة تنظيم قوات الصحوة التي لديها حاليا 22 ألف عضو ما زالوا يقاتلونها."
وقال إن 32 ألف مقاتل من قوات الصحوة مستعدون للقتال في صف الولايات المتحدة وقال مسؤول أمني عراقي إن القوات الرئيسية التي يجري الحوار معها مزيج من جماعات عشائرية ومتشددين من السنة يصل قوامها إلى نحو 60 ألف مقاتل.
وقد وعد أوباما بتدمير الدولة الاسلامية باستخدام حملة منظمة من الضربات الجوية وقال إن حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الاطلسي مستعدون للمشاركة في عمل عسكري ضد حركة وصفها بأنها تمثل خطرا رئيسيا على الغرب.
وعلى النقيض مما حدث مع حركة الصحوات فلن يكون للولايات المتحدة قوات على الارض مع المتشددين السنة وهو ما يجعل السيطرة على العملية أكثر صعوبة ويزيد من صعوبة نزع فتيل المواجهات بين المقاتلين وبغداد.
وأبو ريشة نفسه شخصية اختلفت فيها الآراء. وقد استعدى تأييده لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي في مهاجمة المتشددين في الأنبار هذا العام الكثيرين في محافظته حيث اضطر القصف الجوي مئات الالاف للنزوح عن ديارهم.
ومازال الخطر قائما أن يدفع تشكيل قوة جديدة بقيادة أبو ريشة شخصيات عشائرية سنية أخرى لمحاربته والوقوف إلى جانب تنظيم الدولة الاسلامية.
وقال دبلوماسي أمريكي إن ثمة عدد من القيادات العشائرية السنية المعتدلة سافرت إلى دول سنية والسعودية وقطر في الأسابيع الأخيرة وطلبوا الدعم من دول الخليج طرد التنظيم.

*صفقات 
وقال مسؤول رفيع بالحكومة العراقية إن جماعات سنية عراقية تجري مباحثات مع بغداد منذ يونيو حزيران الماضي وإنها عرضت محاربة الدولة الاسلامية مقابل توزيع السلطات على نطاق أكبر والعفو عمن حاربوا الحكومة.
وقال المسؤول مشترطا عدم الكشف عن اسمه "كل هذه الجماعات تلتلقي بالمسؤولين الحكوميين لعقد صفقات. وتقول إنها ستمنحنا السيطرة على المناطق بشرط حصولها على ما تريد." وأضاف أن الحكومة تريد معرفة ما يمكن لهذه الجماعات أن تنجزه.
وقال أحد القيادات العشائرية التي يجري التواصل معها في الانبار إن الأمريكيين اتصلوا به بشكل غير مباشر لإشراك أنصاره في الخطة. وذكر أسماء آخرين من أعضاء حزب البعث العراقي السابق إلى الاسلاميين الذين يسعون للاطاحة بحكومة بغداد بالقوة.
وقال لرويترز إن الأمريكيين التقوا بالجيش الاسلامي الذي يقوده اسلاميون من السنة وبجيش النقشبندي البعثي بقيادة عزة الدوري. وأضاف "بعض العناصر في الحكومة العراقية بدأت أيضا حوارا مع هذه الجماعات لاستمالتها لمحاربة الدولة الاسلامية."
وقال مصدر آخر في صفوف التمرد السني يشارك في العملية إنه يجري الإعداد لمحادثات أكثر رسمية بين الجيش الاسلامي والولايات المتحدة.
وفي الاسبوع الماضي شكل رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي حكومة جديدة رغم الانقسامات لكن منصبي وزير الداخلية ووزير الدفاع شديدي الحساسية ما زالا شاغرين. كما أكد مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى أن محادثات جرت بين الأمريكيين وجماعات مسلحة تعارض الحكومتين العراقيتين السابقة والحالية.
ونفى مسؤول بوزارة الخارجية الامريكية تواصل الوزارة مع مثل هذه الجماعات لكنه لم يستبعد امكانية تواصل مؤسسة حكومية أخرى مع هذه الفصائل.

* استياء سني

ويشعر كثير من السنة بالاستياء من التأييد الأمريكي لحكومة بغداد التي شنت حملة على احتجاجات السنة خلال العامين الأخيرين وتستخدم البراميل المتفجرة في قصف مقاتلي الدولة الاسلامية الذين يختبئون وسط المدنيين ولم تلب حتى الآن مطالبهم بالحصول على مزيد من الحقوق.
وقال القائد العشائري نفسه "لسوء الحظ لا يغير الامريكيون استراتيجيتهم بل أساليبهم فقط... فهم يرون مصالحهم في العراق مع الشيعة على نحو متزايد. ويرون مصلحة مشتركة مع ايران."
وحذر الشيخ لورانس الحردان رئيس مجلس شيوخ عشيرة الكرمة إن المواطنين العاديين من السنة في محافظته يعيشون ظروفا في غاية الصعوبة. 
وقال هاتفيا "في رأينا لابد من اتخاذ خطوات معينة أولا مثل وقف قصف المدن حتى يتمكن النازحون من العودة إلى بيوتهم. توجد حصارات في بعض المدن ولا توجد كهرباء أو خدمات عامة."
وقال يوم الجمعة الماضي إن نحو خمسة في المئة فقط من الهجمات الجوية العراقية الاخيرة أصابت تنظيم الدولة الاسلامية وأصاب الباقي أهدافا مدنية.
ويوم السبت أعلن العبادي أنه أمر بتعليق الضربات الجوية في المناطق المدنية قبل ذلك بيومين. غير ان التقارير عن ضربات حول الفلوجة والرمادي ظلت تتوالى منذ هذا القرار فيما يشير إلى صعوبة تنفيذه.
ويوم الخميس ألقيت 14 برميلا متفجرا على الفلوجة ما أسفر عن مقتل 22 مدنيا حسبما قال مصدر بمستشفى في المدينة في حين أدت غارة جوية إلى قتل ثلاثة أشخاص في الرمادي يوم الجمعة.
وحذر ضابط مباحث بالشرطة العراقية في الأنباء من أن كثيرا من السنة يفترضون أن أي غارات جوية في الانبار أمريكية سواء أكانت كذلك أم لا. وأضاف "هذا لا يفيد. فالدولة الاسلامية تستخدمه كدعاية."وقال أيضا إن الوسيط أبو ريشة وهو من القادة الذين حاربوا تنظيم القاعدة فقد نفوذه منذ ذلك الحين. 
وأضاف "لم يعد يحظى بالاحترام. ونحن نتحدث عن قيادة جديدة للعشائر في الأنبار كلها."
وتردد أيضا أن الولايات المتحدة تسعى لكسب الشيخ علي حاتم سليمان أحد قيادات الانتفاضة السنية على الحكومة ذات القيادة الشيعية في الحرب على الدولة الاسلامية.
وقال شقيقه عبد الرزاق لرويترز إن سليمان الذي غادر الأنبار في نهاية ابريل نيسان التقى مع ممثلين للولايات المتحدة لبحث تشكيل الحكومة المقبلة. ولم يتسن التأكد من إجراء هذه المحادثات أو معرفة ما حدث فيها.

* حرس وطني
كما تجري واشنطن محادثات مع حلفاء من عرب الخليج بهدف توسيع نطاق تدريب مقاتلي المعارضة السورية المناهضين للدولة الاسلامية وتسيلحهم وذلك لضرب التنظيم من الجانبين.
غير أن الأسلحة التي سلمت للجيش السوري الحر المدعوم من الغرب تعرضت للسرقة وبيعت في بعض الأحيان للدولة الاسلامية مما يسلط الضوء على قضايا تمويل المتشددين السنة في سوريا.
ولتجنب ذلك في العراق قال مسؤول رفيع بوزارة الخارجية الامريكية إن الحكومة الأمريكية تعمل عن كثب مع العبادي لإنشاء "حرس وطني" يمثل مؤسسة تديرها الحكومة تضم المتشددين السنة وتقطع شوطا طويلا في تلبية مطلب رئيسي للسنة بانسحاب الجيش من محافظاتهم.
وطرح العبادي اقتراح الحرس الوطني كوسيلة لاستيعاب الميليشيات الشيعية والمتطوعين الشيعة الذين يقاتلون على أساس مذهبي في ظل سلسلة قيادة تتبع الدولة وذلك منذ سقوط الموصل في يونيو حزيران.
ويجري إعداد تقييم لتحديد حجم قوة الحرس الوطني المطلوب وأماكن نشر هذه القوات ونوع ضمانات الفحص والتدريب اللازمة.
وقال رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري لرويترز في مقابلة هذا الاسبوع إن الحرس الوطني سيتيح للمحافظات أن تكون مسؤولة عن سلامتها.
لكن المصدر الثاني في صفوف التمرد أبدى مخاوفه من أن يسمح المسار المزدوج للحرس الوطني - الذي يشمل دمج الميليشيات الشيعية - للشيعة بالاقتراب من المناطق السنية رغم أنه قال إن الجيش الاسلامي وغيره أبلغوا المسؤولين أنهم يؤيدون تجميد الضربات الجوية على المناطق السكنية.
وفي إشارة إلى القوات الأمريكية قال المصدر "قلت لهم إن هذه خطوة جيدة لكن يتعين على الحكومة ان تستمر في العمل على قانون العفو... والتمييز بين داعش وجماعات المقاومة التي حاربت المحتل" مستخدما الاسم المختصر الشائع لتنظيم الدولة الاسلامية المشتق من اسمه القديم الدولة الاسلامية في العراق والشام.وأضاف "أعطني مبررا.. حتى أستطيع العودة إلى قاعدتي وأتباعي وأقول لهم أن هؤلاء الناس جادون في ايجاد الحلول. وها ما ننتظره."

محرر الموقع : 2014 - 09 - 17