عاشوراء..{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً}
    

       نـــــــــزار حيدر

   اذا كان كلُّ شيء في الكون، خاصّةً أحداث التّاريخ وتجارب الامم، تذكرةً لنا، كما وصف ذلك القرآن الكريم، فلماذا، إذن، ننسى؟ لماذا لا نتعلّم؟ لماذا يتكرّر عندنا الحدث بشكلٍ مستمرّ؟ لماذا لا نوظّف التجربة لترشيد الثّمن المدفوع لأيّ مرحلةٍ من مراحل حياتنا، سواء أكان زمناً او جهوداً وتضحية؟.

   لماذا تتكرّر معنا مشاهد العنف والارهاب عاماً بعد آخر على الرّغم من انّنا تيقّنّا بانفسنا من انّ ثمنهُ غالٍ جداً وكبير وإنّ حصادهُ تذروه الرِّيَاح لتفاهتهِ؟.

   لماذا تتلطّخ أيدينا بالفساد المالي والاداري بمجرّد ان تعتلي منصباً او نجلس خلف طاولةٍ؟.

   لقد شاءت رحمة الله تعالى ان يَقُصّّ علينا {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ليس من أجل التّسلية ولا من أجل ان نضعها على الرّف، أبداً، وإنّما من اجل ان نصحو من الغفلة فنتعلّم، فالقصّة وحيٌّ من نوعٍ آخر، فلماذا لا نتعلّم من القصّة القرآنية؟ أولم يقُل امير المؤمنين (ع) {الّسعيدُ منِ اتّعظ بتجاربِ غيرِهِ}؟ أوَليست الدنيا مواعظ كما أشار الى ذلك امير المؤمنين (ع) بقوله {إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْق لِمَنْ صَدَقَهَا،وَدَارُ عَافِيَة لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنىً لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا، وَدَارُ مَوْعِظَة لِمَنْ اتَّعَظَبِهَا}؟.

   برأيي، فإنّ من الأسباب الاخرى التي تدفع بالمرءِ الى ان يتجاهل او يتناسى، ما يلي؛

   أولاً؛ الحبُّ الأعمى والبُغض الأعمى، فبينما يدفع الأوّل بالمرء الى ان يبرّر كلّ شيء خطأ سواء على الصعيد الشخصي او على صعيد المجتمع او على صعيد الدولة والنظام والمؤسسة الحاكمة، يدفعهُ الثّاني الى ان يتجاهل أيّ شَيْءٍ صحيح ومُفيد لدرجةٍ انّه يخسر تجربة وخبرة، وهو الامر الذي يتعامل به البعض مع كربلاء وعاشوراء وسيد شباب أهل الجنة الامام الحسين بن علي عليهما السلام، فهؤلاء يتناسَونَ ويتجاهلون فضلها بسببِ بغضهم الأعمى، واللهتعالى امرنا ان لا ننسى ذلك بقوله {وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَبَصِيرٌ}.

   لقد وصف القرآن الكريم الحالة الاولى (الحبّ الأعمى) والذي يُنتج ثقافةصناعة الطاغوت وعبادتهِ وكذلك عبادة العجل بقوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَافَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِيقُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.

   انّهُ توصيفٌ راقٍ بمعاني جوهريّةٍ عميقةٍ، وكأنّ (عَبَدَة العِجل) لم يكتفوابالظّاهر فقط وأنّما أثّرت عبادتهم للعجل في كيانهِم ومشاعرهِم وطريقة تفكيرهِموأحاسيسهِم وممارستهِم اليومية ورؤيتهِم للامور وللآخرين، لدرجةٍ ان عبادتهُلهم وصلت حدّ الكفر بالله تعالى والتّناقض مع ما يقولون ويدّعون، فهم يقولونسمعنا ولكن في نفس الوقت يكفرون بما جاءهم من العلمِ والوحي، وكل ذلكبسبب ان نفوسهم تشرّبت عبادة العجل، كما تشرب قطعة الإسفنج الماء!.

   ثانياً؛ تغليب قيم الجاهليّة على القيم الدينية، وكأنّ المجتمع انقلب على عقبَيهِ،اذا بقيمِ العشيرةِ، وعلى رأسِها روح الانتقام، تتغلّب على أيّة قيمةٍ أُخرى علّمهارسول الله (ص) لذاك المجتمع البدوي الجاهلي!.

   وإذا تتبّعنا كلّ الحوارات التي جرت بين مختلف الشخصيات في تلك المرحلةفلم نجد أحداً منهم يحاجِج بقيم الرّسالة أبداً، طبعاً باستثناء أهل البيت عليهمالسلام الذين صقلت شخصيّتهم الرسالة بالكامل، ولهذا السّبب فعندما تساءلالامام الحسين (ع) عن سبب قتالهم له في يوم عاشوراء على الرّغم من كلّ مايعرفون جيداً من حقيقة مكانتهِ وعلاقته برسول الله (ص) وكذلك مكانتهِبالإسلام، وما كانَت تُمثّلهُ شخصيّة يزيد اذا عُرضت على قيم السَّمَاء، كانجوابهم [بُغضاً لأبيك]! وكأنّهم جاؤوا لينتقِموا من إِسلامهم، ولم يخطُر ببالهمطرفةَ عينٍ أبداً ان يبحثوا عن الحقّ او حتى عن مصالح الأمة او دينهم!.

   ثالثاً؛ الغيرة والحسد، فالبعض يتناسى الأمور والفضل الذي يتعلّق بالآخرين اذا كان يحسدهُم على ما آتاهم الله من فضلهِ او تشرَّبت نَفْسَهُ الغيرة منهم، كما يصفُ تعالى ذلك بقوله {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَاآلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}.

   فعندما سَمِعَ أمير المؤمنين عليه السلام بخبر اعتزال الثّلاثة (عبد الله بن عمروسعد بن أبي وقّاص ومُحمّد بن سلمة) قال قولتهُ المشهورة بعد ان نقلَ له عمّاربن ياسر حُججهم التّافهة {دَعْ هؤلاء الرّهط، فامّا ابْنُ عمر فضعيف، وامّا سعدفحسود، وذنبي الى محمّد بن سلمة أنّي قتلتُ أخاهُ يَوْمَ خَيْبَر}.

   وبهذا النّص حدّد الامام عليه السلام أهم ثلاثة أسباب وراء تناسي الناسللتهرّب من المسؤوليّة، الا وهي؛ الضّعف الذي سببهُ، في اغلب الأحيان، الخوفوالجبن وعدم اليقين، والحسد الذي سببهُ عدم استيعاب حكمة الله تعالى في الخلقوالحياة، والثالث هو روح الانتقام والتشفّي التي تتراكم عند الانسان فلا تدعهُينسى ما ينبغي تجاوزهُ، وفي نفس الوقت يتناسى ما لا ينبغي لهُ ان يتناساه،فتنقلب عنده الأمور والقيم والمواقف رأساً على عقِب!.

   لذلك يُمكن القول، وبضرسٍ قاطع، انّ عاشوراء لم تكن اكثر من تذكرة،كونها نهضة اصلاحيّة الغاية منها تذكير الأمّة بما يجب عليها فعلهُ من أجلتكريس العدالة الاجتماعيّة والتي لا يُمكن ان نتصوّرها أبداً اذا نزا على السّلطةحاكمٌ ظالمٌ وفاسد، اذ تتجلّى مسؤولية الأمة في هذه الحالة بالتصدي لهُ وإِزاحتهُ،وإلا فستكون النتيجة كما قال سيد الشهداء (ع) عندما خاطب القوم بقوله؛

   إن رسول الله (ص) قال: من رأى منكم سُلطاناً جائِراً مستحِلاً لحرمِ الله، ناكثاًلعهدِ الله، مُخالفاً لسنّة رَسُولِ الله (ص) يعملُ في عبادِ الله بالإثمِ والعُدوان، فلميغيّر عَلَيْهِ بفعلٍ ولا قولٍ كان حقّاً على الله أن يُدخلهُ مدخلهُ.

   وهو الامرُ الذي نراهُ اليوم بأُمِّ أعينِنا ونلمسهُ لمسَ اليدِ في طول بلادِ المسلمينوعَرضها، لتأتي عاشوراء تذكرةً لنا لما يجب علينا فعلهُ من أجلِ تحقيق التغييرالمرجو، اذ لا يُمكن ان نتصوّرهُ الا بقيمِ عاشوراء الانسانيّة العظيمة.

محرر الموقع : 2015 - 10 - 08