السبايا الإيزيديات ... الصمت المعلَّب بعلامة العار
    

ثمة صمتا إعلاميا محليا وعالميا إزاء السبايا الايزيديات والمسيحيات  يثير كثيرا من التساؤلات، فقد شاهدنا وسمعنا الضجيج الإعلامي لتعرض نساء في نيجيريا  للخطف والاغتصاب واهدنا عبر الفضائيات السيدة الاولى في اميركا وهي تقود تظاهرة للتنديد بجرائم بوكو حرام  ، لكن السؤال هنا لماذا هذا الصمت المخزي والمخجل المجلجل بالعار بشأن السبايا وبالمئات والذي أهان كرامة العراقيين بشكل فاضح وصارخ ومع ذلك لم يتحرك المجتمع  العراقي بسياسييه ومثقفيه وإعلاميه لشرح ابعاد هذه الماساة  . لذلك حاولنا في هذا استطلاع  ان  نسال عدد من  الإعلاميين والكتّاب عن سبب هذا الصمت، فجاءت إجاباتهم بالشكل الآتي:

حجم الإدانة هزيل
يعتقد د. عبد الستار جبر، كاتب وأكاديمي، أن مأساة النساء الإيزيديات لا تختلف عن مأساتي سبايكر والصقلاوية. جرائم ضد الإنسانية تعيدنا إلى بربرية القرون الوسطى، وحجم الإدانة تجاهها هزيل جداً، ولا يرتقي إلى ادراك الآثار الخطيرة المترتبة على السكوت عنها، لأن الصمت عن جرائم بهذه الوحشية، يمنح الفاعلين المجرمين فرصة أخرى لتكرار مثيلاتها، ويعزز التصور لديهم بأنهم يحظون بالتأييد لأفعالهم هذه، كما أن السكوت يكرس روح الخوف والاستسلام في الضمائر، ويحول المجتمع إلى قطيع مستكين، ليست له إرادة على رفض الوحشية، والعنف، والتصدي لجرائم الكراهية، والتمييز الطائفي والقومي.
وأوضح د.جبر، إن هذه الجرائم تكشف لنا أننا نعيش في عصر ما زالت العصبيات الدينية تتغذى فيه على مشاعر الكراهية الموروثة من تاريخ الصراعات القديمة، من ماض لم يستطع الحاضر الذي يدعي الحداثة والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان أن يقضي عليه، وقد نجحت الصراعات السياسية؛ المحلية والإقليمية والدولية، في توظيف هذه العصبيات لصالح بسط نفوذها وتوسيع مصالحها. وقد تحولت الأقليات في هذه المنطقة من الشرق الأوسط إلى أوراق محترقة بين اللاعبين بمصائر الشعوب والمجتمعات.
عار سبايا الإيزيديات
فيما يقول الكاتب والإعلامي عمار السواد: عندما تسبى النساء في بلد مسلم بالطريقة التي حصلت مع النساء الإيزيديات فإن هذا يقتضي موقفاً لا يختلف عن موقف المسلمين عند الرسوم المسيئة للنبي في الدنمارك، لأن هذا يمثل إساءة بالغة لناموس المجتمع المتمثل بالمرأة، والتي يراها العربي والمسلم شرفاً له، وهذا ما لم يحصل.
لو حصلت مثل هذه الجريمة من قبل جندي أميركي تجاه امرأة عراقية لأقيمت الدنيا ولم تقعد، لكن الفعل الذي نجم من قبل جماعة دينية لم تواجه بذات السلوك، ولم تحظ بالموقف نفسه المناهض. وكنا قد شاهدنا كيف أقيمت الدنيا على جرائم سجن (أبو غريب)، ووسائل الإعلام العربية والإسلامية إلى الآن تتحدث عما جرى كعار، لكنها تعاملت بمرور الكرام مع جريمة سبي النساء الإيزيديات.
وأضاف عمار: إن القيم الإعلامية غائبة عن وسائل الإعلام وهناك قيم بديلة هي السائدة، قيم قومية، دينية، أجندات سياسية... أما القيم الإعلامية التي تتعامل مع الحدث بمعزل عن انتماءات الفاعل والذي وقع عليه الفعل، فهي غائبة، لأن ذلك لا يخدمها أبداً. وحتى الإعلام العراقي، لم يقم بما يجب لملاحقة هذه الجريمة، فلا يملك أرقاماً ولم يحدد حركة بيع تلك النساء، ومن اشتراهن، فنحن لا نتملك تقارير أو معطيات كافية بشأن ما جرى. وهذا لا يخص الإعلام فقط، بل يعم جميع الناشطين المدنيين والسياسيين في البلاد، وأيضاً يعم القضايا الأخرى المتشابهة كلها، فهناك تقارير عن اعتداءات خطيرة ضد مواطنات عراقيات من طوائف أخرى في الموصل وسواها، تواجه اهمالاً .ليس المطلوب إعلاماً موجهاً ضد داعش، بل لابد من توفير إعلام قادر على أن يتعامل مع فضيحة سجن (أبو غريب) وعار سبايا الإيزيديات، بشكل عادل.
الإعلام الجبان
فيما يبدي الشاعر والمترجم سهيل نجم أسفه الشديد لإصرار الإعلام على تأدلجه واصطفافه مع المصطفين في خنادق من العار أن يصطفوا فيها بعد انتشار النظريات الإعلامية التي تطالب بالموضوعية والاهتمام بالحقيقة وحقوق الإنسان... وتتشدق وسائل الإعلام عبر المطالبة بالحيادية والصدق والضمير...أكاد لا أستثني وسيلة للإعلام محلية وعربية وحتى عالمية غير موجهة لأيديولوجيا متخشبة إلى حد مزر. إن قضية سبي النساء العراقيات من إيزيديات ومسيحيات ومسلمات فضيحة تصم بالعار كل الضمائر الميتة التي قام أصحابها من حاملي الأفكار العبثية والمخزية المستلة من مزابل التاريخ بسحق الإنسانية في أبشع الصور المعاصرة وهم يبيعون النساء ويستبيحون كرامتهن ليكملوا حفلات جرائم الذبح المجنونة. وأضاف، إن كان من حقنا أن نمثل جانباً من الإنسانية علينا أن نحاسب الإعلام المنحاز المدافع عن الجريمة، ونحاسب أيضاً الإعلام الجبان الساكت عن الحق عندما لا يقوم بدوره الكامل في فضح الجناة والحث على معاقبتهم كي لا تتكرر مثل هذه الجريمة. أعجب للإعلام المحلي الذي يدعي الوطنية وهو يكيل بمكاييل عديدة، فيركز على جريمة وينسى الأخرى! ثم أين الإعلام العالمي الذي ينشغل بأتفه يوميات من يوصفون بالنجوم من الممثلين والممثلات والمغنيات والرياضيين والرياضيات بل حتى الحيوانات ولا يعير انتباها ولا يسلط الضوء على سبي البشر من الأقليات ونحن نعيش عصر الحريات المطلقة والفردانية وحقوق الإنسان التي صدعوا بها رؤوسنا؟ إذا كانت ثمة تغطيات هنا وهناك فهي تغطيات لا ترقى إلى المحنة الكبرى التي يوضع فيها المصير الإنساني على المحك. ثم يتساءل الشاعر سهيل: هل تجمع الروح الإنسانية المتسامية والمتعاضدة الناس في العالم أم تجمعهم المصالح الدنيئة؟ إن وسائل الإعلام في أي مكان عليها أن تساعدنا في إيجاد الإجابة عن هذا السؤال.
لا رابط وطنياً
ويرى جاسم الصغير ، كاتب وإعلامي، إن تتعدد أسباب هذا الصمت الإعلامي من قبل الفضائيات العراقية العربية والكردية، والإسلامية والعلمانية وكامل الخريطة السياسية العراقية، يعود أسباب بعضها إلى الانتماءات العرقية والأثنية والتي لا يربطها رابط وطني جامع مع باقي مكونات المجتمع، وما يهمها فقط مصلحتها الذاتية، وهذا أمر ليس بخاف على من يتابع المشهد وحتى التيارات العلمانية العراقية على الرغم من خطابها المختلف نظرياً عن باقي التيارات الطائفية الأخرى إلا أن الكثير من المنتمين لهذه التيارات العلمانية ما زالت كثير من الأفكار ذات التوجه الطائفي تتغلغل في عقلهم الباطن والأمر واضح، إذ ثمة شخصيات معروفة بانتمائها اليساري اصطفت طائفياً ناهيك عن الجهات الإسلامية الانتماء وهي في غالبيتها طائفية الخطاب وغارقة في همها الطائفي، فهي غير معنية بالسبي، وهو لا يدخل في حساباتها. وأضاف الصغير: ثمة سبب آخر هو أن غالبية الفضائيات وكما هو معلوم الكثير منها تعمل لمصلحة القطاع الخاص، ولشخص متنفذ وثري، وهو من يمول هذه الفضائية وبالتالي يفرض رؤيته على خطابها ونهجها الإعلامي، وكثير من أصحاب الفضائيات مرتبطين بأجندات وأحزاب وكتل سياسية توجههم حسب مصالحها. ومن وجهة نظر الصغير، ثمة سبب مهم آخر يتمثل في عدم وجود نهج إعلامي رسمي يستطيع فرض رؤيته والالتزام بها من قبل الجهات الإعلامية العراقية المتنوعة الأمر الذي سبب فوضى في الخطاب والممارسة الإعلامية التي هي اصلاً لا تمتلك رصيداً كبيراً في الممارسة فضلاً عن فقدان التقاليد الإعلامية، وحتى السياسية لتنظيم هذه العملية بسبب عدم استقرار البلد سياسياً طيلة أكثر من الخمسين عاماً المنصرمة.
خالد خضر حجي / 1991مواليد من محافظة نينوى / سنجار / مجمع التاميم " خانصور" يدلي بشهادته عما جرى ليلة 3/8/2014 : 
في ليلة مظلمة من ليالي آب الماضي ، وبالتحديد في 2/ 8 حيث يصادف عيد المربعانية الصيفية للإيزيديين . وبعد سقوط او انسحاب البيشمركة من ناحية زمار، دبّ الرعب في قلوب أهالي سنجار وبات الخطر ، وفي ليلة 3/ 8 كنا مستيقظين وحاملين السلاح تحسبا لأي هجوم من قبل المتطرفين وفي تمام الساعة الثالثة صباحا تلقينا خبرا محزنا من احد الأصدقاء من مجمع "سيبا شيخ خدر" في جنوب الجبل بتعرضه لهجوم من قبل داعش ., وبعدها تعرض مجمع كرزرك ايضا الى الهجوم ومن ثم ناحية تل عزير . والسؤال المحير كان من أين أتت كل هذه الأسلحة والمقاتلين , ومن المحزن اننا اكتشفنا بان بعض سكان القرى المجاورة يساندون المتطرفين. وهكذا خاب ظننا بالبعض من ابناء بلدنا الذين شاركناهم الأرض وتقاسمنا معهم رغيف الخبز منذ آلاف السنين . ظلت الأهالي يقاتلون حتى الساعة الثامنة والنصف بأسلحة خفيفة وبسيطة دون أية مساندة من قبل القوات الامنية ، وتعرضت القرى والمجمعات الى قصف مكثف ووحشي بالهاونات والأسلحة المتوسطة والثقيلة الى ان نفدت أسلحة الأهالي ودخل الدواعش بقسوة كبيرة الى تلك المجمعات وقاموا بمجازر وجرائم بشعة فقتلوا كل رجل او شاب يصادفهم واسروا النساء والأطفال ، وفر من فر ومات الكثير من الأهالي حين قام الدواعش بعمليات قتل جماعية لأطفال ونساء ورجال , حيث تحولت القرى والمجمعات الى مقابر جماعية , وهرب اكثر من مئتين وخمسين الف شخص الى الجبل تاركين كل شيء وراءهم ,انا وعائلتي المكونة من 12 شخصا هربنا الى الجبل من الجهة الشمالية له قبل وصول الدواعش الى مجمعنا ( خانصور ) بنصف ساعة بالملابس التي نرتديها تاركين وراءنا كل شيء . وكان معنا الكثير من الأقارب وأهالي المجمعات الشمالية تتجاوز أعدادهم اكثر من خمسة الاف شخص في منطقة مميزة في الجبل المسمى بـ ( كلي شيخ مند ) المقدس لدى الايزيدية , كان هنالك بئر ارتوازي للمياه لا يكفي سوى لعشرات من الفارين , وعانينا الحروق الجلدية تحت أشعة الشمس الحارقة . الطعام كان يكفي ليومين فقط حيث قام القرويون الساكنون في الجبل بتوزيع كل ما لديهم من طحين على الناس وظل الأهالي يتقاسمون بينهم المياه كي يبقوا على قيد الحياه لأطول فترة ممكنة , وبعد مرور يومين تدهورت أحوال الناس حيث نفد الطعام وبات الموت وشيكا للكثيرين ، جازف الكثير من الشباب بحياتهم متسللين الى القرى القريبة من الجبل لجلب ما يمكنهم من المواد الغذائية او الخضراوات من البساتين القريبة , ونتيجة لذلك تعرض الكثيرون منهم للقتل والخطف , وكنت شاهدا على اربع جثت للشباب تم الإمساك بهم وقتلهم وان الذنب الوحيد لأولئك الشهداء من الشباب الشجعان هو محاولة إنقاذ بعض الأطفال والنساء من الموت جوعا , وانا شخصيا حاولت منع احد الشباب الذين قتلوا من الذهاب ولكنه اصر على الذهاب وقال ان عائلته لم تأكل أي شيء منذ يومين ولكنه للأسف لم يرجع الى الجبل سوى جثة تزيد مأساة عائلته من الحزن والفجع , وتعرض عمّي وصديقه الى قصف مكثف بالأسلحة الرشاشة في محاولة لجلب بعض المواد الغذائية , وفي اليوم الثالث من المأساة وصل القليلون من أهالي المجمعات الجنوبية مشيا على الأقدام مجتازين الجبل الى الجهة الشمالية بحثا عن الأمان والمياه . وكان اغلبهم من الأطفال والنساء والقليل من الرجال الذين تبقوا وكان اغلبهم حفاة الأقدام وبملابس عتيقة ومشققة تترجم المأساة والرعب والمعاناة ومشقة اجتياز الجبل . وان المنظر الذي سيظل يرافق ذاكرتي هو تشبث الكثير من الأمهات اللواتي بقين يحملن جثت أطفالهن الذين ماتوا من الرعب والعطش أثناء رحلتهم , ورووا لنا كيف ان الكثير من الآباء والأمهات تخلوا عن بعض أطفالهم لإنقاذ البعض الآخر وتركوا الكثير من جثث الأطفال الذين ماتوا في الطريق ، ناهيك عن الشيوخ والمرضى والمعاقين والعجزة من كبار السن الذين لم يستطيعوا حملهم وتركوهم في البيوت وعلى الطرقات على اطراف الجبل , راينا طائرة إغاثة ترمي المعونات الغذائية التي لا تكفي لخمسين شخصا فقط ليومين في المنطقة المذكورة مع العلم ان المعونات من المياه لم تصل الى احد بسبب تكسر قناني المياه عند سقوطها على الأحجار . وفي اليوم السابع من المأساة وصل بعض عناصر قوات وحدات حماية الشعب من أكراد سوريا الى الجبل مبشرين بفتح ممر آمن بين الجبل والحدود السورية وغادرنا الجبل في الصباح الباكر . وعند خروجنا من الجبل وقبل وصولنا الى الممر الآمن صادفنا الآلاف من الناس الراغبين بترك الجبل ماشين على الأقدام ومحميين من قبل بعض العناصر من قوات حماية الشعب الكردية الـ YPG والقليل من الشباب الايزيديين المتطوعين معهم لإنقاذ أهالي سنجار وعلى طول الطريق ( الممر الآمن ) الذي يبعد 20 كيلو مترا عن الحدود السورية كان هناك عناصر من الـ YPG والقليل من عناصر البيشمركة الايزيدية الذين اتوا لإنقاذنا . كانت المسافة تتطلب 8 ساعات مشيا على الأقدام تحت أشعة الشمس الحارقة , وكانت هنالك حشود كبيرة على طول الطريق واغلبهم من الأطفال والنساء , وكان هنالك الكثير من المتروكين على الطريق من العاجزين عن المشي بسبب المرض والعطش , وفور دخولنا الى سوريا قامت قوات الYPG بتأمين سيارة حمل ( لوري ) لتقلنا الى كردستان , وكانت السيارة تحمل اكثر من 100 شخص . وصلنا الى حدود كردستان بحلول الليل ولكثرة الناس المحتشدين على الجسر لم نستطع العبور حتى الصباح . وفي اليوم التالي وصلنا الى مخيم ( باجيدي كندالا ) في ناحية ديربون بزاخو , بقينا في المخيم لمدة أسبوعين دون أي اهتام او رعاية او حماية من قبل الحكومة المركزية او حكومة الإقليم . وبعدها قررنا الهرب الى تركيا آملين الحصول على معونات من قبل المنظمات الدولية المعنية ، وهكذا بالنسبة الى آلاف العوائل الإيزيدية .
كان الايزيديون الساكنون في سنجار يتجاوز عددهم 450 الف نسمة. 
بقى نحو ثلاثة آلاف شخص في الجبل رافضين ترك أرضهم ومقدساتهم , ويتوزع الايزيديون الان على مخيمات في سوريا والعراق وتركيا ، معظمهم في مناطق ديركي في سوريا ودهوك وزاخو في العراق وديار بكر وباتمان في تركيا. 
عدد المفقودين بين مخطوف ومقتول يتجاوز الـ 6500 انسان 
الإناث اكثر من 3 آلاف 
الأطفال 1500 تقريبا 
ان هذه الأرقام تم التأكد منها بدقة كبيرة ولازال البحث جاريا ، وان الإحصائية النهاية تتطلب سنوات نظرا لإبادة عوائل بالكامل وصعوبة البحث بسبب انتشار الايزيديين في مناطق كثيرة وبدون عناوين او سكن ثابت.
محرر الموقع : 2014 - 10 - 20