فِرقَةٌ مِنْ سُنَّةِ العِرَاقِ ... غَابَ عَنْهَا المَشْرُوْعُ وَ ضَاعَ مِنْهَا الهَدَفُ. (الحَلَقَةُ الأُوْلَى)
    

 

الكِتابَةُ عَنْ تَعقيدَاتِ الوَضْعِ السِياسِيّ العِراقيّ، لَهَا بدايَةٌ و ربَّمَا لا تَكُونُ لَهَا نِهايَةٌ، بسبَبِ التَّغيُراتِ الكثيرَةِ، الّتي تَظهرُ على سَاحَةِ الأَحدَاثِ باستِمرار. فمُنذُ احتلالِ العِراق مِنْ قِبَلِ الأَمريكانَ، في عام  2003، وَ ظُهورِ مَلامِحَ جديدَةٍ للعَمليَّةِ السياسيَّةِ في العِراقِ، بَيَّنَتْ بأَنَّ هيْكليَّةَ نِظامُ الحُكمِ، سيكونُ على أَسَاسِ التَّمثيلِ النِّسبي للسُّكانِ، الّذي تُفرزُهُ الانتخابَاتُ العَامَّة.
شَعَرَ فريقٌ مِنْ سُنَّةِ العِراقِ، أَنَّ خُيوطَ العمَلِ السِّياسيّ، قَدّ ضَاعَتْ مِنْ أَيديهِمْ، فَظَهرَتْ مَجموعَةٌ مِنْ خُطَباءِ المَنابرِ، يَدّْعونَ سُنَّةَ العَراقِ إِلى مقاومَةِ الاحتِلالِ الأَمريكي، و كانَ مِنْ ضِمْنِ تَركيبَةِ هذا الفَريقِ، قيَاداتٌ مِنْ تَنظيْمِ حِزبِ البَعثِ المُنحَل. وَ هذا الفَريْقُ تَبنَى سياسَةَ مُعادَاةِ، كُلِّ مَنْ يُخالِفُهُ الرَأي. وَ أَخذَ يُوحي هَذا الفَريقُ للآخرينَ، بأَنَّهُ مَشْروعٌ يُمثِّلُ كلَّ سُنَّةِ العِراق. 
في وقتٍ مُبَكرٍ من إحتِلاَلِ العِراقِ، ظَهَرتْ فَصائلٌ مِنْ  شِيْعَةِ العِراقِ، قاومَتْ المُحتَلَّ، مُنّْذُ بَواكيرِ دُخولِهِ للعراق. تَبَنَّى الجَانِبُ الشِّيْعيّ مَوّقِفَ مُحاربَةِ المُحتَلِّ فقطّ. بيّنما تَبَنَّى الفَريقُ السُنّْي وَسَعَ هذهِ القَاعِدَةَ، و جَعَلَها تَشمِلُ المحتَلَّ الأَمريكيّ، و كُلَّ مَنْ يَتعاونُ مَعَهُ مِنَ العِراقيّينَ، و غَيّْرِ العِراقيّينَ أَيْضاً. 
ظَلَّ الفَريقُ السُنّْي يُؤَكِدُ، في طُروحَاتِهِ المُتَكرِرَةِ، على جانبينِ هُما:
الأوَّلُ: 
مَظلوميَّةُ سُنَّةُ العِراقِ، و اضْطِهادِهِمْ مِنْ قِبَلِ الحُكومَةِ ذَاتِ الأَغلبيَّةِ الشِّيعِيَّة. و اتِّهامُ جُمهوريَّةُ إِيْرَانَ، بأَنَّهَا تُنَفِّذُ في العِراقِ مَشروعاً طَائِفياً، لتَصفِيَةِ سُنَّةِ العِراقِ، و وصَفوا هذا المَشْروعَ المَزعومِ بالمَشْروعِ (الصَّفَويّ لإِفراغِ العِراقِ مِنَ السُنَّة).
الثَّانِي: 
الإِدِّعاءُ بعَدَمِ تمثيْلِ سُنَّةِ العِراقِ، تَمثيلاً عَادِلاً في المَناصِبِ الحُكوميَّة.
و نَتيْجَةً لإِصرَارِ الفَريْقِ السُنّْي على هَذا الطَّرحِ، بَرَزَتْ دَعواتٌ مِنْ نَفْسِ أَعضاءِ هذا الفَريقِ، تُطالِبُ المُجتمَعَ الدَّوْليّْ، و المُحيْطَ العَربيّ لِحمايَةِ سُنّْةِ العِراقِ مِنَ الإِبادَةِ (حَسّْبَ تَصَّوّرِهِم). و فعلاً لَقَى هذا الطَّلَبُ الكثيرَ، مِنَ الاذانِ الصَّاغيَةِ لَه، ليّْسَ حُبّاً بسُنّْةِ العِراقِ فَحَسّْبْ، و لكِنّْ لإِيجَادِ مَوطِئِ قَدَمٍ في العِراقِ، مِنْ قِبَلِ بَعضِ الأَطرافِ الاقليمِيَّةِ، عِبْرَ هذا المَشروعِ الطَّائِفيّْ الوَليْد.
و مِنْ نَتائِجِ الأَنشِطَةِ الاعلاميّةِ لهذا الفريْقِ السُنّْي، الّذي أَصبحَ و بوَقتٍ مُبَكّْرٍ جداً، جزءاً مِنْ مَشروعٍ كبيرٍ احتَضنَتهُ السُعوديَّةُ، و أَيَّدتّهُ كُلٌّ مِنْ تُركيَا و الأَردُنَ و الامَاراتِ و قَطَرَ و البَحريّْن، نيابَةً عَن أَمريكا و إِسرائيْل. كمَا وجَدَتْ السُعوديَّةُ، ضَالَّتَها فِي هذا المَشروعِ، ليَكونَ العِراقُ سَاحَةً لاستِنزافِ إِيْرانَ، و شِيْعَةِ العِراقِ مَعَاً. و سَيَتُمُو دَفْعُ ثَمَنَ هَذا الصِّرَاعِ، مِنْ الامكانيَّاتِ الماليّةِ للسُعوديَّةِ و دُوَلِ الخَليْجِ الأُخرى. وَ فِعلاً لَمّْ تَبخَلّْ السُعوديَّةُ، بدَعمِ  هذا المَشروْعِ سِياسيّاً و اسْتِخبَاراتِيّاً وَ مَاليّاً وَ إِعلامِيّاً، مِنْ أَجلِ تَحقيْقِ الأَهدافِ التّاليَة: 
1.    مِنَ المَعروفِ أَنَّ المُجتمعَ السُعوديّ، يَعيشُ حالَةً مِنَ الاختِناقِ السياسّي، يَمتدُ لثمانيَةِ عُقودٍ مِنَ الزَّمن. حَكَمَ فيها آلُ سُعودٍ حكماً وراثياً فردياً بامتيَاز. فأَصبحَ مِنَ الضَّروري، مِنْ وجهَةِ نَظرِ هذا النِّظامِ المُتدَاعي، إِفشَالُ أيَّةِ مُحاولَةٍ، تَبرزُ في المُحيْطِ العَربي، تُنادي بالدِّيمُقراطيَّةِ و حُقوقِ الإِنسَانِ، و كانَ العِراقُ المَيدانَ الأوَّلَ في هذا الجَانِب.
2.    وجَدَتْ المُخابَراتُ السُعوديَّةُ، أَنَّ في المَشْروعِ الطَّائفيّ السُنّْي بالعِراقِ، مَنْفَذاً لدفعِ الشَّبابِ السُعودّي، المُعبَّأْ بأَفكارِ التَّطرُفِ، للقِتالِ في العِراق. و بذلك فإِنَّ السُعوديَّةَ، ستَتَخَلصُ بشَكلٍ و آخرَ، مِنْ تَجنُبِ مَوجَاتِ التَّغيّيرِ السياسّي، الّتي ربَّما يُفكِّرُ بها بعضُ شَّبابِ السُعوديَّة. 
3.    نَجحَتْ السُعوديَّةُ و حُلفاؤهَا، بِدفْعِ الخَطَرِ مِنْ أَراضِيْها و تَصدِيْرهِ إِلى خارجِ حُدودِ دُولِهَا، و إِنْ كانَ بِشَكّلٍ مُؤقَت.
4.    هذا المشروعُ الطَّائِفيّ، فَتَحَ أَمامَ التَّوجُهاتِ الأَمريكيَّةِ فُرصَةً كبيْرَةً للاسْتِثمارِ، فِي مَجالِ تِجارَةِ الحَرب. فقَدّْ صرَّحَ وزيرُ الدِّفاعِ الأَمريكيّ، بأَنَّ قِتالَ داعشٍ، قَدّْ يَستغرقُ عِدَّةَ سَنواتٍ، و تَبلُغُ تكلفَتُهُ(500) مليارِ دُولار.
5.    حقَّقَ هذا المشروعُ المشبوهُ، نتيجَتين أَمنيَتين هما: 
أ‌.    تَوّسِيْعُ مَنطِقَةِ الأَمْنِ الجُغرافِي، لحُدودِ دُوَلِ التَّحالِفِ السُعوديّ، المُشتَرَكةِ معَ العِراق.
ب‌.    تقليصُ منطقَةِ الأَمنِ الجُغرافِي لحدودِ العِراقِ المُشْترَكَةِ، معَ حُدودِ دُولِ التَّحالُفِ السَعوديّ.
6.    أَعطَى هذا المَشْروعُ، قُوَّةً لحُكومَةِ كُردستانَ فِي العِراق، مُقابِلَ إِضعَافِ حُكومَةِ المِركَز. و نتيجةً لذلك استطاعَتْ تُركيا أَنْ تَستَثمرَ نُقْطَةَ الضَّعفِ هذهِ لصَالِحِها. فَفَتَحتْ تُركيا الأَبوابَ أَمامَ ضَخِّ النَّفطِ العِراقيّ إِليّها، و أَخذَتْ تُسوقَهُ لصَالِحِ اسرائيْلَ و دُولٍ أُخرَى. و ذَكرَتْ بَعضُ المَصَادِرِ أَنَّ سِعرَ بَرميْلِ النَّفطِ المَسروقِ مِنَ العِراقِ يُبلغُ سِعرَهُ 20 دُولارٍ، في السُّوقِ السَّوْدَاء.
7.    هذا المَشروعُ قَضَى تَماماً على الُّلحمَةِ الوَطنيَّةِ، الموجُودَةِ بيّْنَ أَبنَاءِ المُحافظاتِ الحَاضِنَةِ للارهَابِ، و بيّْنَ سَائِرِ مُحافظَاتِ العِراقِ، خُصوصَاً بَعدَ جَريمَتَيّ قَاعِدَةِ سبَايكر و الصَّقْلاويّةِ البَشِعَتينِ، في نهايَةِ حُزيرانَ 2014.  
للحَدِيْثِ صِلَةٌ في الحَلَقَةِ الثَّانِيَةِ، مِنْ هذا الموضُوعِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

محمد جواد سنبه 

محرر الموقع : 2014 - 10 - 24