العراق إِنطِلاقةُ الرَّبيعُ العَرَبِيِّ
    

        (١)

                                  نــــــزار حيدر

   السّؤال الاول؛ (٢٥) عاماً مرّت على حربِ الخليجِ الثّانية (حربُ تحريرِ دولةِالكُويتِ).

   ما الفرق بين العراق اليوم والعراق آنذاك؟.

   الجواب؛ لا شكّ انّ هناك متغيّرات كثيرةٍ حدثت خلال هذه الفترة، ليس فقط فيالعراق وانّما في المنطقة والعالم.

   على صعيد العراق، فلقد حاول العراقيّون خلال الرّبع قرن الأخير تحقيقالتغيير المنشود لصالح نظام ديمقراطي تعدّدي فيدرالي دستوري، ولكن، وللاسفالشّديد، فانّ الظّروف القاسية التي مرّت على العراق والهجمة الارهابيّة التيتعرّض لها والتي أخذت أشكالاً متعدّدة، عرقلت هذه المساعي وعقّدت المشهدبدرجةٍ كبيرةٍ.

   انّ الحروب العبثيّة التي كان يشنّها نظام الطّاغية الذليل صدّام حسين، الشّموليوالبوليسي، داخليّاً وخارجيّاً، أضرّت بالعراق كثيراً، بل انّها دمّرت العراقوألغت سيادتهُ وأفقدتهُ الكثير من حدودهِ، البريّةِ منها والمائيّة، لصالح عددٍ منجيرانهِ، ظلماً وعدواناً، وكلّ ذلك من اجل ان يحقّق الطّاغية نزواتهُ الشّخصيّةواحلامهُ المريضة واجنداتهُ المشبوهة، وهي الامراض الشّخصيّة التي ورِثها منهعددٍ من السياسييّن الذين خلفوهُ في السّلطة، ليتشبّوا، مثلهُ، بالسّلطة، على قاعدة(بعد ما ننطيها)! سواءً كان ذلك في المركز او في الاطراف!.

   بالاضافة الى انّ الأخطاء المتكررّة التي ارتكبها السياسيّون الذين اعتلواالسّلطة من بعد سقوط الطّاغية الذّليل صدام حسين، هي الاخرى لعبت دوراً سيّئاًفي عرقلة جهود العراقييّن لصالح بناء نظامٍ تتحقّق فيه العدالة الاجتماعيّةالمرجوَّة.

   كان من المفترض عليهم ان يتعلّموا من أخطاء الطّاغية من أجل ان يتجنّبواتكرارها فلا يجترّوا الماضي السيّء.

   ولعلّ من أسوأ ما تورّطوا به؛

   أولاً؛ فشلهم في التّعايش مع بعضهم البعضِ الاخر، ليس على مستوىالمكوّنات المتعدّدة وانّما حتّى على مستوى المكوّن الواحد.

   تخيّل مثلاً، انّ رئيس الحكومة السابقة ولدورتَين دستوريَّتَين، كان يسرُّ لبعضزوّارهُ المقرّبين قولهُ؛ انّهُ سوفَ لن يهدأ لهُ بالٌ قبل ان يدمّر شخصيّتَين سياسيّتَينويزيحَهُما عن طريقه [وهما من شركائهِ المهمّين طبعاً في العمليّة السياسيّة،ومثلهُ من ضحايا النظام السّابق، واللّتَان كان لهُما الدّور الأساسي والرّئيسي فياعتلائهِ رئاسة الحكومة] كان يرى فيهِما عقبةً كؤود في طريق تكريس تفرّدهِبالسّلطة في بغداد!.

   انّ فشل الفرقاء في التّعايش مع بعضهم هو السّبب المباشر لإنتاج الأزماتنفسها طوال كلّ هذه الْمُدَّة الزّمنيّة الطّويلة التي مرّت على عمليّة الْتَّغْييرِ.

   ثانياً؛ تبنّيهم لمنهجيّة صناعة الأزمات لإشغال العراقيّين ودفعهم للاصطفافخلفهم بمعايير الخوف على المذهب او الاثنيّة او ما الى ذلك، من جانب،ولاشغالهم عن انتظار الانجاز الذي فشلوا به فشلاً ذريعاً، من جانبٍ آخر، علىالرّغم من كلّ الوعود التي كانوا يُطلقونها مع كلّ موسمٍ انتخابيٍّ لتخدير النّاخب،كالوعد بالقضاء على الارهاب لتتمدّد الفقاعة بعده لتحتلّ نصف العراق!.

   ولقد تورّط في هذه المنهجيّة ساسة المكوّنات الاساسيّة الثلاثة، الشّيعة والسّنةوالكُرد، ليصطفّ الشّارع وراءهم منقسماً على نَفْسهِ مذهبياً واثنيّاً!.

   ولقد كانت هذه المنهجيّة واضحة بشكلٍ اكبر في سياسات رئيس الحكومةالسّابقة، والذّي ظلّ يهدّد بفتح ملفّات يصنعها حسب الطّلب لخصومهِ، طبعاً مندونِ ان يفتح حتّى ملفاً واحداً بعد مرور (٨) سنوات من سلطتهِ شبهِ المطلقة!.

   ولا أُخفيكم سرّاً فإنّه حقّق نجاحاً (باهراً) بهذه السّياسة لدرجة انّ الكثير من(المكوّن الشّيعي) وقتها اقتنع بأَنَّ غيابهُ عن السّلطة سيضيّع المذهب في دهاليزكتب التّاريخ!.

   ثالثاً؛ انشغالهم بمفهومِ السّلطة على حساب بناءِ الدّولة، فأضاعوا الاثنَين! وهيالسّياسة نفسها التي انتهجَها الطّاغية الذليل صدام حسين على مدى (٣٥) عاماًوالتي ظلّ يردّد خلالها عبارتهُ المشهورة (بعد ما نِنطيها)!.

   انّ إِنشغال الخلف بهمّ السّلطة أَضاع فرصة بناء الدّولة العصريّة، والتي كانتفي متناول اليد لو لم يتعامل، الخلف، بأنانيّة وحزبيّة وعشائريّة وعنصريّةوطائفيّة مقيتة، ليُثبتوا انّهم ليسوا رجال دولة وانّما طلّاب سلطة!. 

   لقد تعاملوا مع المفهوم بعُقد الماضي وترسّباتهِ.

   رابعاً؛ توظيف الأدوات غير الشّريفة لتحقيق الأهداف السّياسيّة، وعلى رأسهذه الأدوات العنف والارهاب، وهذا ينطبق، على وجه التّحديد، على المكوّنالسّني الذي خسِر السّلطة المطلقة في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣.

   ففي محاولةٍ مِنْهُ لفرض الامر الواقع في إطار النّظام الديمقراطي، استعانَبالارهاب كأهمّ اداةٍ من أدوات فرض الاجندات السّياسية على الشركاء الاخرين،فكان ساستهم يحضَرون في النهار تحت قُبّة البرلمان وفي الليل يحضرونإِجتماعات الارهابيّين، ليتطور الامر بعد ذلك عندما تحوّلت مناطقهم الىحواضن دافئة للارهابيّين لدرجة انّهم مكّنوهم من احتلال نصف العراق، مندون إغفال دور الفساد المالي والاداري وصفقات السّلاح وعقود التّسليح الفاسدةالتي تورّط بها مكتب القائد العام السابق للقوّات المسلّحة والعصابة الفاسدة التيالتفّت حولهُ مستفيدةً من تستّرهِ، والتي كانت نتيجتها مجتمعةً سقوط الموصل بيدالارهابيّين!.

   لقد ظنّوا انّ الارهابيّين هم البديل الطَّبِيعِي (الأرحم) لشركائهم في الوطن!.

   يتبع

محرر الموقع : 2016 - 02 - 04