الأنبار.. بين انتظار التطهير من «داعش» أو القبول بالانهيار
    

بين الهروب إلى المجهول وافتراش الصحراء والغبراء والتحاف السماء ومرافقة الجوع والعوز وترك الدار والجار، وبين العيش قرب الموت والقبول بأحكام غريبة على الإنسان وبعيدة عن كل معاني الحضارة والشريعة والإنسانية، يعيش أهالي مدن الأنبار قصصا أغرب من الخيال.. معاناة عاشتها «الشرق الأوسط» معهم وللعالم تنقلها بأمانة.
وهذا هو واقع الحال.. يقول أبو مروان، 50 سنة، صاحب محل لبيع الأدوات المنزلية ويسكن في حي نزّال أحد أحياء مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) التي تقع بالكامل تحت سيطرة تنظيم داعش: «غادرت مع عائلتي مدينة الفلوجة قبل 7 أشهر إلى مدينة السليمانية إحدى مدن إقليم كردستان، ولم يعد بإمكاني البقاء هناك أكثر حيث لم يتبق لدي ما يكفي من المال لأستمر في العيش هناك.. كنت قد تركت الفلوجة هربا من الموت، وخسرت بيتي وجيراني.. وأطفالي خسروا دراستهم ورفاقهم.. ولقيت ذلا أمرّ من الموت، لذا قررت العودة إلى الفلوجة تحت سطوة (داعش) لأني فقدت الثقة بالكل، ولا أعتقد أن هناك مساعي جادة من قبل الحكومة لإيجاد الحلول وإنقاذ الناس».
وفي الرمادي ومن إحدى مناطقها التي يسيطر عليها مسلحو «داعش» منذ 6 أشهر، تقول السيدة أحلام، وهي مدرسة في إحدى المدارس الثانوية للبنين: «خرجت من بيتي لجلب بعض الحاجات، وطبعا كنت أرتدي الزي الذي فرض علينا من قبل المسلحين، وهو العباءة السوداء والنقاب، فرأيت أحد طلابي وهو يرتدي الزي الأفغاني ويحمل السلاح مع مجموعة من الشباب. تألمت من المنظر؛ إذ كنت أحث طلابي على التفوق الدراسي وخدمة البلد عن طريق مستقبلهم الزاهر. انتابتني حالة من اليأس.. عدت لمنزلي وأنا أحمل هذا المشهد الذي بدأ يقربني من حالة اليأس والرضوخ للواقع المرير، خصوصا وأنا تركت وظيفتي بعد إلغاء الدراسة بالكامل التي يعتبرها من يسيطر هنا على أرض الواقع حاليا باطلة وغير شرعية».
وفي مدينة راوة، أحد أقضية الأنبار والقريبة من الحدود السورية، يقول عثمان (18 سنة): «منذ أن سيطر على مدينتنا مسلحو تنظيم داعش ونحن نعيش في رعب. الكل هنا يترقب بحذر. أبي يعمل في أحد المراكز الصحية، وقد أمرني بأن أضع قدمي في الجبس الطبي خشية استدعائي من قبل المسلحين للانخراط معهم». ويضيف: «المساجد هنا أصبحت منابر لمتحدثين وخطباء عرب بلهجات غير عراقية تدعو الشباب إلى (الجهاد) وللتوسعة إلى الشام وتحرير فلسطين. أصحابي فيهم من فرض عليه الانخراط في صفوف المسلحين، ومنهم من تقبّل الأمر برحابة صدر ربما انتقاما من الحكومة التي كانت تحكم طيلة السنين التي مضت بطائفية، وربما لأسباب أخرى. كما تدعو الخطب من كان ينتسب للأجهزة الأمنية والجيش إلى إعلان التوبة وتسليم أسلحتهم أو ينفذ التنظيم فيهم أحكام الإعدام أمام الناس. وقد اتخذ المسلحون من أحد البيوت مكانا أطلقوا عليه (المحكمة الشرعية) التي تصدر أحكام الإعدام أو الجلد أو العقوبات الأخرى». ويتابع: «لقد تأقلمنا مع الوضع المفروض علينا مجبرين، ونحمّل الحكومتين المحلية والمركزية كل تلك المعاناة، فالكل خذلنا، والموقف المخزي لقوات الجيش والشرطة وانسحابهم وهروبهم من مجابهة المسلحين هو السبب الرئيسي والحقيقي لمعاناتنا».
طه عبد الغني، عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار، يشكو من أن «الهم الأكبر في معاناة أهلنا في الأنبار تتحمله الحكومة المركزية لأنها لا تتعامل مع الحلول التي قدمت من قبلنا لحل الأزمة بالمستوى المطلوب، فهي لا تدعمنا إطلاقا، بل وجهت الدعم لوزارتي الدفاع والداخلية اللتين لم نرَ لهما جهدا يذكر على أرض الواقع. كما أن وزارة التجارة العراقية لم يكن لها دور في إسعاف الناس عبر إيصال المواد الغذائية للمناطق المنكوبة ولو عن طريق نقلها جوا وإلقائها في المناطق المسيطر عليها من قبل المسلحين». ويختم قائلا: «أنا شخصيا أقدر ألم الأهالي ومعاناتهم التي أوصلتهم للرضوخ والقبول بواقعهم المرير».


محرر الموقع : 2014 - 12 - 18