العلامة السيد مرتضى الكشميري يبارك للمسلمين حلول شهر رمضان شهر الخير والبركة والرحمة ويدعوهم الى التحلي بالقيم الروحية والاخلاقية والسلوكية المستفادة من فريضة الصوم حتى لا يكون صومهم صوم الخاسرين
    

جاء حديثه هذا بمناسبة حلول شهر رمضان، شهر الخير والبركة، وشهر الطاعة والعبادة، وشهر المغفرة والرحمة، وشهر التقرب الى الله، متمنيا للجميع التوفيق لصيامه وقيامه. وقد ابتدء حديثه بالاية 183 من سورة البقرة ((يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) قائلا:

وهذه الاية من ايات الاحكام التي شرعت ركنا وفرضا من فرائض الاسلام وهو الصوم، والملفت للنظر انها خصت المؤمنين في الخطاب دون غيرهم، ولعله اشارة لقبولهم واستجابتهم الفورية لاوامر الله والانتهاء عن نواهييه والتصديق برسالة النبي (ص) وان ما جاء به (ص) هو الحق من عند الله. ثم ذكر ان للصوم مدلولين مدلول شرعي واخر تربوي.

فالاول هو الامساك عن المفطرات من طلوع الفجر الى مغيب الشمس ، فمن قام بهذا قيل له صائم بغض النظر عن الاهداف الاخرى.

وثمة مدلول اخر يُضم الى الشرعي، وهو المدلول التربوي والاخلاقي والسلوكي، فاذا التزم بهما الصائم كان صومه صوما حقيقيا، والا فبمجرد الامساك لا يحقق التقوى التي اشارت اليه الاية الكريمة ((لعلكم تتقون))، لان الصوم الذي تعنيه الاية هو ذلك الصوم الذي يحدث تحولا في سلوك الصائم واخلاقه ، ولتوضيح هذا المدلول نذكر بعض الاملثة:

الصوم والاخلاق:
فعلى الصائم ان يتحلى بالخلق الرفيع والسلوك الحسن والتعامل الهادئ وسعة الصدر مع الاخرين، ولذلك اكد رسول (ص) في خطبته بقوله (من حسن منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام).

فالصوم اذا لم يصنع عند الصائم خلقا نبيلا شفافا طاهرا فمثل هذا الصوم يعد صوما خاسرا، لان الصائم ينبغي ان تنبع منه شفافية الاخلاق وروح الايمان ، فاذا لم يكن كذلك وكان سيء الاخلاق والمعاملة مع الاخرين فصومه هذا لم يحدث تغير في ذاته وطبعه، ويكون صومه صوم االخاسرين، نظير تلك المرأة التي كان تسب جاريتها بمحضر من النبي (ص) وهي صائمة، فدعى لها بطعام، قال كلي، قالت اني صائمة، قال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك! ، وكأن النبي (ص) يقول لها ليس الصيام من الطعام والشراب فحسب، بل من بذاءة اللسان والسب والشتم، لان من صام صامت جوارحه الا من طاعة الله عز وجل.

اذن فالصوم يعلمنا حسن الخلق وحسن والمعاشرة وتهذيب المنطق، وقد جاء في كتاب مشكاة الانوار هذا الحديث المروي عن رسول الله (ص) (احسن الناس ايمانا احسنهم خلقا) وفي حديث اخر قال (ص) (أكثر ما يلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق) وفي ثالث (ان الخلق السيء ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل).

فاذا حسن الخلق هو روح العبادة وجوهرها، فاذا وجدنا صائما عبوس الوجه ومنكمش الاخلاق في التعامل مع الاخرين، فمعنى ذلك ان الصوم لم يغير اخلاقه وصومه هذا صوم الخاسرين رغم جوعه او عطشه، كما اشار بذلك امير المؤمنين (ع) بقوله (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و الظمأ)، لان الصيام ليس هو من الاكل والشرب فقط وانما الصوم من اللهو والرفث، فاذا سابك احد او جهل عليك فقل له اني صائم.


نسان الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من اولئك الذين عناهم الرسول (ص) بقوله (ومن حسن لهم )

الصوم والغيبة:
قال (ص) (واحفظوا ألسنتكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم)
وهناك شريحة من الناس يخسرون صومهم بسبب حديثهم عن الاخرين بالغيبة، فتفسد عبادتهم وتحترق وتتحول الى رماد وذلك بسبب الغيبة والبهتان.

ففي الحديث (الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما) معناه اذا اغتاب احترق صومه وتلاشت عبادته، فالحذر الحذر من الغيبة حتى لا نخسر صومنا وقيامنا وصلاتنا وقراءتنا للقران، ففي الحديث (من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله تعالى صلاته ولا صيامه أربعين يوما وليلة الا ان يغفر له صاحبه يوما) بينما نحن نصوم ثلاثين يوما واذا بغيبة واحدة تفسد علينا ذلك الصوم، فما بالك اذا كانت اكثر من استغابة!

وفي حديث اخر ورد عن الزهراء (ع) (ما يصنع الصائم بصيامه اذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره) لان هذه المسالة ترتبط بسمعة الاخرين واعراضهم.

واما البهتان فهو اشد من الغيبة، فقد جاء في كتاب ثواب الاعمال وعقابها من (من بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه الله تعالى يوم القيامة على تل من نار، حتى يخرج مما قاله فيه) فلا ينبغي للصائم ان يمارس عملا فيه معصية لله، لانه كما ان العمل يتضاعف فيه الاجر والثواب في هذا الشهر كذلك يتضاعف العقاب اذا عصينا الله ، لان فيه انتهاكا لحرمة الله في شهر رمضان كونه شهر العبادة والطاعة .

اذن على الصائم ان تصوم جوارحه عن معصية الله، فقد جاء في الحديث (اذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام) فهذا هو الصوم الحقيقي.

الصوم وظلم الاخرين
ومن امثلة الصوم الخاسر ايذاء الناس وظلمهم وهوامر خطير جدا، فقد جاء في كتاب ثواب الاعمال وعقابها عن رسول الله (من أعان على مؤمن بشطر كلمة (الكلمة من حرفين) لقي الله عز وجل وبين عينيه مكتوب: آيس من رحمة الله) .

فلنحذر من اذى المؤمنين لان لهم كرامة من الله. قال (ص) (من آذى مؤمنا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل ومن آذى الله فهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان) ، فلا نستطيع ان نجمع بين هذا العمل السيء والصوم.

الصوم واللهو
ومن امثلة الصوم الخاسر اللاهون في شهر رمضان، فهناك شريحة من الناس رغم صيامهم وقيامهم نهارا ولكن يسهرون ليلا مع الاغاني التي تخسرهم صومهم ودعاءهم. ان مثل هؤلاء من الذين خلطوا عملا صالحا واخر سيئا. فعلينا ايها المؤمنون في شهر رمضان ان نجتنب كل عمل لا ينسجم مع هذه الفريضة حتى لا يكون صومنا صوم الخاسرين.

فالحذر الحذر من المعصية وخصوصا في شهر رمضان وليكن الانسان بعيدا عن الشيطان، وليصارع نفسه عن المعاصي، فالصوم جنة من افات الدنيا وحجاب من عذاب الاخرة، فاذا صمت تنوي بصومك كف النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطوات الشيطان، حتى يعطيك الصوم قوة وحصانة ، والا فلا يكون الصائم في صيامه ناجحا ويكون صومه صوما خاسرا، وقد سمعنا رسول الله (ص) يقول في خطبته (إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا الله أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم).

نسأل من المولى سبحانه وتعالى ان يتقبل صيامنا وقيامنا في هذا الشهر الكريم فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر الكريم.

محرر الموقع : 2020 - 04 - 24