الجيش العراقي.. بطولات ومآثر خالدة
    

من فوج صغير إلى قوات متعددة المهام
 بغداد- متابعة هدى العزاوي
في العام 1921 لم يكن أحد يتخيل ان القوة الصغيرة من الجنود التي بدأت تتلقى تدريباتها في ثكنة الخيالة بمدينة الكاظمية المقدسة ستتحول إلى جيش محترف يملأ صفحات التاريخ بالبطولات والمآثر الخالدة. 
ففي السادس من كانون الثاني من ذلك العام، ومع موجات برد الشتاء، تم تشكيل "فوج موسى الكاظم" بإرادة ملكية وضم مجموعة من ضباط عراقيين كانوا يعملون سابقا في الجيش العثماني. وسرعان ما امتلأت ثكنة الخيالة بالضباط والجنود، فاختير خان الكابولي في الكاظمية ليكون مقرا للفوج في منتصف آذار من العام نفسه، ثم نقل الفوج إلى مدينة الحلة وتم تأسيس فوج آخر في العاصمة.وكان العراق قد أصبح خاضعا للانتداب البريطاني حتى العام 1932 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين الذين كانوا يحتلون العديد من البلدان العربية ومن بينها العراق الذي وقع مع بريطانيا اتفاقية كان من بين بنودها تأسيس قوات مسلحة عراقية.
وفي العام 1941 كان الجيش العراقي يتألف من أربع فرق من المشاة كاملة التجهيز والقوة، تضم كل فرقة ثلاثة ألوية وهي: الفرقة الأولى والثالثة اللتان  تتمركزان في بغداد، والفرقة الثانية في كركوك ،والفرقة الرابعة في مدينة الديوانية، على خط السكك الحديدية الرئيسي الممتدة من بغداد إلى البصرة.
وشهد العام 1948 أول مشاركة للجيش العراقي خارج حدود بلاده الوطنية، فقد اشترك مع جيوش مصر وسوريا والأردن لردع المليشيات الصهيونية التي عاثت في الأراضي الفلسطينية فسادا، وبقيت قطعات من الجيش العراقي هناك ما يقارب العام بدءا من أيار 1948 وحتى آذار 1949 ، وخاضت معارك عديدة ضد قوات الإحتلال سطرت فيها الكثير من الملاحم والانتصارات التي لم يغفلها التاريخ، فكتبها بحروف من ذهب، وشارك الجيش العراقي مؤزارا للجيوش العربية في حربها مع اسرائيل في حربي حزيران 1967، وتشرين 1973 التي أنقذ فيها دمشق من السقوط ، وما زالت الأراضي السورية والأردنية تحتفظ بمقبرتين خالدتين لشهداء الجيش العراقي في تلك المرحلة.
مؤتمر القاهرة

كان قرار تأسيس الجيش العراقي قد أتخذ في مؤتمر القاهرة الذي عقدته وزارة المستعمرات البريطانية، وبدأ أعماله في الثاني عشر من آذار العام 1921 برئاسة ونستون تشرشل وبحضور الممثلين البريطانيين في بلدان الشرق . وكان من بين المسائل التي ناقشها المؤتمر تشكيل قوات مسلحة عراقية.
حضر ذلك المؤتمر المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس وقائد القوات البريطانية في العراق الجنرال ايلمار هولدن كما حضره جعفر العسكري وساسون حسقيل بصفة عضوين استشاريين، وتقرر "تكوين جيش محلي من 15 ألف مقاتل وتخصيص 15بالمئة من إيرادات العراق العامة له , على إن يزيد هذا المبلغ حتى يصل إلى 25 بالمئة سنويا"، وفي الـ 25 من آذارأرسل جعفر العسكري برقية للأمير فيصل يعلمه بصدور قرار عن المؤتمر بتأسيس الجيش.
وفي الـ 12 من نيسان العام 1921 أعلن بيرسي كوكس لدى عودته إلى بغداد في بيان رسمي إن الترتيبات اتخذت لتأسيس الجيش المحلي , واتخذ كوكس خطوات عملية لتنفيذ مقررات المؤتمر، واقر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة في اليوم نفسه قانون التطوع المؤقت للجيش العراقي, كما أعلن وزير المستعمرات تشرشل في مجلس العموم البريطاني بعد يومين عن إنشاء جيش في العراق ، وفي الـ 22 من  حزيران العام 1921 , أذيع في بغداد بيان تشكيل وزارة الدفاع التي عينت لجميع المحلات السكنية ضباطا للتجنيد لأجل تأليف الجيش, فكان أول جيش عربي يشكل بتعاليم وأنظمة واصطلاحات عربية عصرية هو الجيش العراقي، وتألف المقر العام للجيش من عدة دوائر هي: الحركات والإدارة واللوازم والطبابة والحسابات، فضلا عن ديوان وزارة الدفاع الذي كان يضم (أمانة 
السر). 
موعد مع السياسة

في العام 1936 قاد الفريق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية أول انقلاب عسكري في المنطقة العربية بالتزامن مع تشكيل وزارة جديدة برئاسة حكمت سليمان، وكان صدقي يشعر بالغبن، وبعدم تقدير خدماته من جانب الحكومة، لاسيما دوره الفعال في القضاء على حركات العشائر في الفرات الاوسط. فاستغل بكر صدقي التذمر الذي يسود صفوف الجيش من جراء استخدامه لتسوية النزاعات السياسية لتحقيق مآربه في القيام بانقلاب عسكري الهدف منه اقامة دكتاتورية عسكرية على غرار ما حدث في تركيا وإيران، وتم تشكيل حكومة الانقلاب برئاسة حكمت سليمان، وكان من أهم واجباتها اعادة الاوضاع إلى الحالة الطبيعية وتهدئة قلق السفارة البريطانية وقد سارع سليمان إلى الاتصال بالسفير البريطاني لطمأنته ووعد برجوع الجيش إلى ثكناته واعلمه ان الفريق بكر صدقي لايطمح باكثر من منصب رئيس اركان الجيش، ونظمت العناصر اليسارية والاقليات تظاهرات واسعة في بغداد ضد الانقلاب لكونه الأول من نوعه في البلدان
 العربية.
وفي الـ 14 من تموز العام  1958قام الجيش العراقي بثورة ضد الحكم الملكي بقيادة عبد الكريم قاسم وحول نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري، وأثتاء ذلك قتلت العائلة المالكة بعد مقتل الملك فيصل الثاني والوصي عبد الاله في قصر الرحاب.وفي يوم الجمعة 8 شباط ( 14 رمضان)  من العام  1963 نفذت قطعات من الجيش بقيادة أحمد حسن البكر انقلابا اطاح بحكم عبد الكريم قاسم، واستطاعت قوة عسكرية  احتلال مبنى الإذاعة، لتبدأ أول مرحلة من مراحل حكم حزب البعث الدموي في العراق.
الانعطافات الكبرى

في السادس من آذار العام 1975 وقع العراق وإيران في العاصمة الجزائرية وبرعاية الرئيس الجزائري هواري بومدين اتفاقية لإنهاء صراع البلدين بشأن شط العرب، وكان من بين بنود الاتفاقية التي وقعها نائب الرئيس العراقي آنذاك "صدام" وشاه إيران محمد رضا بهلوي تخلي إيران عن دعم المعارضة الكردية المسلحة التي يقودها الملا مصطفى بـارزاني في شمال
 العراق.
وعلى اثر توقيع الاتفاقية المذكورة زجت قطعات الجيش العراقي بأغلب صنوفها في حرب ضروس كانت ساحاتها المدن العراقية في شمال العراق هدفها إخماد الثورة الكردية المتنامية هناك. 
وما ان التقط  الجيش أنفاسه حتى ألغى "صدام" في العام 1980 اتفاقية الجزائر من طرف واحد بعد سقوط حكومة شاه ايران، ما أدى إلى اندلاع حرب مع الجارة إيران استمرت ثماني سنوات حصدت ملايين الأرواح من الطرفين.
وفي الثاني من آب من العام 1990اجتاحت القوات المسلحة العراقية دولة الكويت الشقيقة واحتلتها وحاول" صدام" ضمها للعراق، فشكل تحالف دولي لتحريرها بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ولم يستجب"صدام" لأي طلب من طلبات الانسحاب من الكويت التي وجهتها له منظمات دولية وإقليمية، وفضل التضحية بآلاف المقاتلين في حرب معروفة النتائج، ومع الضربات المميتة لقوات التحالف، وبدء انسحاب الجيش من الكويت اندلعت الانتفاضة الشعبانية المجيدة في آذار العام 1991 ووجد الجيش العراقي نفسه وهو يحاصر أبناء شعبه ويدكهم بالطائرات والمدفعية، فيقتل ويشرد شيوخهم وأطفالهم ونساءهم في أكثر من محافظة ومدينة 
عراقية.
وفي التاسع من نيسان العام 2003 دخلت قوات التحالف العاصمة وأسقطت نظام" صدام"، وكان من بين نتائج ذلك السقوط حل الجيش العراقي بقرار من الحاكم المدني للعراق بول برايمر وتأسيسه من جديد وفق أسس مهنية و قواعد حديثة.

محرر الموقع : 2015 - 01 - 06