لعبة الأيام
    

ظ . س . غريب

 

لعبة الأيام

----------

 

 

الفنان أحمد التيجاني قادته الصدفة لتناول طعام الغداء في مطعم “طم طم”، وعندما سمع من محمد فتوحي أن ابنته تغني طلب منها أن تُسمعه صوتها، فرحت وردة، وقررت أن تبهره، فغنت إحدى أغنيات المطربة ليلى مراد بعد أن حفظتها من أحد أفلامها، فيلم “شاطئ الغرام” الذي كانت تشاهده بحب واندماج شديد، وتسرح مع كل أغنياته. طلب منها التيجاني بعد أن انتهت من الغناء أن تغني بطبقة صوت أعلى ليختبر قدرتها وقوتها، فرفعت صوتها، وغنت بجرأة وقوة وحماس وانفعال لم يصدقه التيجاني الذي التفت إلى والدها وقال له:

 

- أنت عندك كنز يا محمد لازم تراعيه وتأخد بالك منه. أنا حأسجل صوتها على اسطوانة.

 

كانت تعمل في شركة التيجاني فرنسية شهيرة اسمها “Paté” تعني بالفرنسية أكلة فطيرة معجنة، وكان يقدم أيضا برنامجا للأطفال في الإذاعة الفرنسية الموجهة إلى عرب شمالي إفريقيا. طبع التيجاني صوت وردة على اسطوانة، ونجحت التجربة الصوتية، لتجد وردة نفسها تغني في القسم العربي بإذاعة باريس بركن الأطفال باللهجة الجزائرية، وكانت أول أغنية لها موجهة للأم مطلعها: يا أمي يا أمي * اسمك دائر في فمي.. وحققت الأغنية صدى في شمالي إفريقيا والعراق، واستمرت وردة تغني لمدة عامين إلى أن غنت كمحترفة أول أغنية مطلعها: ظلموني حبايبي ظلموني * وخانوا قلبي وهجروني * يا ريتني ماكنت أنا عارفاهم *ولاهما كانوا عرفوني..

 
 
 

 وكان ملهى “طانيوس” في منطقة “عالية” في لبنان قاعدة وردة، منه بدأت الغناء، صاحب الملهى كان رجلا طيبا وافق والدها أن تغني في ملهاه بعد أن أدرك صاحب الملهى أن وردة ابنة عائلة محترمة وعريقة وأن بعض أفراد عائلتها يبقون معها أثناء ساعات عملها، أدرك أن وردة من الممكن أن تكون سببا في زيادة عدد الزبائن للاستماع إلى صوتها. كانت كل ليلة تغني للنجوم الذين تربت على فنهم بعد أن تعاقد معها الملهى مقابل 100 ليرة لبنانية يوميا وأبدى صاحب الملهى استعداده لمضاعفة المبلغ حال نجاحها تضاعف ليصبح 200 ليرة لبنانية في الليلة واستطاع حشد حملة دعاية لها لا مثيل لها لدرجة أن الحملة أقنعت الموسيقار محمددخل عبدالوهاب الملهى، بينما كانت وردة تغني إحدى أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم من ألحان الموسيقار رياض السنباطي، الذي كانت تعشق موسيقاه، وتشعر معها أنها في حالة من النشوة والخيال، ثم شدت بأغنية عبدالوهاب “خي خي”. وبعد انتهائها من الغناء، دعاها صاحب الملهى للجلوس في مكتبه مع عبدالوهاب وزوجته للاحتفال بهما، وفي المكتب غنت كل الأغاني التي طلبها منها عبدالوهاب، وكان يجلس معهم الملحن اللبناني فيلمون وهبي الذي اختارت واحدة من الأغنيات التي لحنها وغنتها. وفيلمون الأب الشرعي للأغنية اللبنانية، من مواليد “كفر شيما”، بدأ بالعمل في إذاعة القدس كملحن ومغن، لكنه وجد نفسه أكثر في التلحين والموسيقى، فالتحق مع عدد كبير من زملائه مثل حليم الرومي، وسامي الصيداوي، وزكي ناصيف، والأخوين رحباني، والمخرج صبري شريف بإذاعة الشرق الأدنى ثم إذاعة لبنان الرسمية ولم يدرس النوتة الموسيقية وأول من نشر الأغنية اللبنانية في عالم العرب خاصة في مصر من خلال أغاني مثل “عالعصفورية” لصباح، و”برهوم حاكيني” لنجاح سلام، و”حلوى وكدابى” لوديع الصافي، كما انتشرت أعماله في الكويت والخليج من خلال أغاني غريد الشاطئ، ومحمد الباقر، وغيرهما. وكانت أبرز الأغاني التي تغنيها وردة في ملهى “طانيوس” الأغاني الوطنية، التي تحيي ثورة الجزائر، وتشد من أزر المجاهدين والفدائيين، ورغم أن هذه النوعية من الأغاني لا تستهوي الجمهور، إلا أنها فرضت بقوة صوتها، وصدق مشاعرها هذا الذوق على رواد الملهى، الذين أصبحوا يذهبون خصيصا لسماعها، وهي تشدو بأغنياتها الحماسية لمؤازرة الثورة ضد الاحتلال الفرنسي. وكانت وردة من حين لآخر تذهب إلى سورية، وفي أول مرة وصلت لدمشق كان ذلك عام 1959م وأخذت معها أغنية “جميلة بوحريد”، التي كتبها ميشيل طعمة، ولحنها عفيف رضوان، وغنتها في مهرجان أضواء المدينة، الذي أقيم على مسرح دمشق، وكان يوما لا ينسى بالنسبة لها، ففي هذا اليوم وقفت إلى جوار عبد الحليم حافظ، وشادية، وصباح، وعدد كبير من النجوم الكبار في سورية، واستمع لها الجمهور السوري بحماس غير مسبوق، وصفق لها بحرارة وهي تردد: كلنا جميلة.. البطلة النبيلة، وهي الأغنية التي بثتها الإذاعة على الهواء مباشرة، وكان يستمع لها أيضا الجمهور المصري الذي منحها حبه وثقته، منحها جواز مرور لقلبه، لتستقر بداخله بعد أن فرضت نفوذها كمطربة من طراز خاص بأسلوب مختلف، وأداء مختلف، وفكر مختلف، وروح مختلف.

 

تغني في إذاعة (صوت العرب)، قصيدة وطنية للشاعر الجزائري سامح الخرفي، ولحن محمد الموجي مطلعها: أدعوك يا أملي.. وأهتف من بعيد * أنا لم أزل للحب.. للحب الوليد * للذكريات الخالدة.. للزفرات الصاعدة * يوم المسير للفدا.. وغدا تلبية الندا * صوت أعز من الحبيب.. صوت الجزائر يا حبيبي.

 

وغنت قصيدة أخرى للجزائر من ألحان الموسيقار رياض السنباطي، مطلعها:

 

يامن تنادون الجزائر * ها أنا عانقت حريتي!. 

 

ومن كلمات: علي مهدي. لحن: رياض السنباطي.. أغنية: لعبة الأيام.

 

محرر الموقع : 2016 - 06 - 25