التحديات الشيعية والحاجة الى مراكز الأبحاث والدراسات
    

 

د. خالد عليوي العرداوي/مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

 

يحتاج اثبات حاجة الشيعة الى دور مراكز الأبحاث والدراسات الى تحديد التحديات التي تواجه أبناء هذه الطائفة في مطلع القرن الحادي والعشرين أولا، ومن ثم تحديد أهمية مراكز الأبحاث والدراسات في مواجهة هذه التحديات ثانيا، لتكون الخلاصة اما تأكيد هذه الحاجة واما نفيها.

المحور الأول: التحديات الشيعية في مطلع القرن الحادي والعشرين

في الأوراق البحثية غالبا ما يتم التطرق الى الأمور المهمة بطريقة مجملة دون الخوض في القضايا التفصيلية التي تترك الى الدراسات والبحوث التخصصية اللاحقة، وهذا ما سيتم اعتماده في هذه الورقة البحثية عند الحديث عن التحديات التي تواجه شيعة العالم في الوقت الحاضر، والتي تم تحديد اكثرها الحاحا وتأثيرا بما يلي:

الشيعة وتحدي توزيعهم السكاني في العالم

لا يوجد اتفاق حول تحديد رقم دقيق لنسبة الشيعة في العالم، فبين من يحدد عددهم بـ 154–200 مليون نسمة في العالم بما يعني انهم يشكلون 10–13% من سكان العالم من المسلمين([1])، وبين من يحدد عددهم بأكثر من 400 مليون نسمة، بمعنى انهم يشكلون ربع سكان العالم من المسلمين بحسب إحصائية منتدى ليوفورم للدين والحياة الإنجليزي لعام 2013، التي بينت ان الشيعة ينتشرون في 198 دولة وان عددهم في بعض الدول يكون على النحو الآتي: ([2])

عدد الشيعة فيها

اسم الدولة

اكثر من 80 مليون

ايران

تقريبا 74 مليون

الهند

اكثر من 46 مليون

باكستان

اكثر من 33 مليون

تركيا

اكثر من 26 مليون

العراق

12 مليون

اليمن

15 مليون

افغانستان

15 مليون

اذربيجان

5 مليون

السعودية

3 مليون

مصر

2 مليون

شمال افريقيا

2 مليون

غرب افريقيا

 

وهناك من يحدد عدد الشيعة بـ395 مليون نسمة أي الربع أيضا حسب احصائيات عام 2000 ([3]).

ومهما كان عدد الشيعة في العالم فان نسبتهم كبيرة وتشير الى انهم يمثلون طائفة دينية مهمة لا يمكن تجاهلها او انكار وجودها. واذا اردنا ان نضع قائمة تقريبية بالتوزيع السكاني لأبناء هذه الطائفة في دول العالم، سنكتشف انهم يتواجدون في معظم دول العالم ان لم يكن جميعها، كما مبين في الجدول ادناه، وهذا الجدول لا يستند الى بيانات دقيقة وانما الى بيانات تم الجمع فيها بين ما ورد في دائرة المعارف الحسينية وفقا لدراسة الشيخ الكرباسي، مع ما ورد في موقع الموسوعة الحرة (ويكبيديا)؛ لأن الاحصائيات الواردة في هذين المصدرين تشكلان الأساس لمعظم التحليلات والدراسات المهتمة بمعرفة عدد الشيعة في العالم وكما يلي:

نسبة الشيعة الى عدد سكان البلد

البلد

%95-90

ايران

%26

باكستان

6%

الهند

65-70%

العراق

35-40%

اليمن

10-15%

تركيا

65-75%

أذربيجان

2.7%

اندونيسيا

19%

أفغانستان

26-30%

سوريا

17.10%

نيجيريا

20%

السعودية

30-45%

لبنان

7%

تنزانيا

4.05%

عمان

40.23%

الكويت

اكثر من 1%

مصر

10-15% من عدد المسلمين في هذا البلد

المانيا

65-75%

البحرين

25-35%

طاجيكستان

10% من عدد المسلمين في هذا البلد

الامارات العربية المتحدة

10-15% من عدد المسلمين في هذا البلد

الولايات المتحدة الامريكية

10-15%من عدد المسلمين في هذا البلد

بريطانيا

10-15% من عدد المسلمين في هذا البلد

بلغاريا

7.6%

قطر

3%

اثيوبيا

اقل من 2%

الأردن

3%

اريتريا

2%

افريقيا الوسطى

0.6%

البانيا

4%

بروناي

0.25%

بنغلادش

1.5%

بنين

1.5%

بورندي

5%

البوسنه والهرسك

17.4%

تركمانستان

2%

تشاد

1.5%

توغو

2.5%

تونس

1.98%

الجزائر

5%

جزر القمر

6%

جزر المالديف

1.5%

جيبوتي

3%

رواندا

5%

ساحل العاج

7%

السنغال

1.8%

السودان

5%

سيراليون

16%

الشيشان

1%

الصومال

1.4%

الصين

2%

الغابون

5%

غامبيا

2%

غانا

5%

غينيا

4%

غينيا بيساو

2%

فلسطين

20%

قرغيسان

4.5%

كازخستان

4%

الكاميرون

10%

كوسوفو

2.5%

ليبريا

1.5%

ليبيا

5%

مالي

5%

ماليزيا

2.97%

المغرب

10%

مقدونيا

3%

ملاوي

1.5%

موريتانيا

4%

موزامبيق

10%

النيجر

 

ويستدل من الاحصائيات اعلاه على ما يلي:

1- باستثناء أربعة دول هي إيران والعراق والبحرين وأذربيجان، فان الشيعة يشكلون في بقية الدول اقلية سواء اكانت اقلية كبيرة لها شأن ام كانت اقلية صغيرة محدودة، وبعض هذه الدول يواجهون فيها مشكلات في التعايش السلمي مع بقية المكونات؛ لأسباب تاريخية او سياسية يوظف الدين في كثير من الأحيان لتبريرها.

2- ان هذه النسب في الغالب لا تصمد امام الطعن؛ لأنها لم تعد بطريقة اكاديمية مبنية على مناهج إحصائية صحيحة، فضلا على تعمد كثير من الدول الى عدم التطرق الى تحديد نسب سكانها حسب انتماءاتهم الدينية او المذهبية؛ لاسباب خاصة تحكم رؤية صانع القرار فيها مما يخلق صعوبة بالغة في الوصول الى احصائيات سكانية دقيقة. وسيجد القارئ ان هناك من يشكك بهذه النسب مستغلا الضعف الاكاديمي في اعدادها، كما هو الحال في الدراسة المتحاملة التي اعدها الباحث (حسن قطامش) تحت عنوان (حقيقة الانتشار الشيعي في العالم: دراسة حول عدد الرافضة في العالم من المصادر الشيعية) ([4]). لذا فالحاجة الى بيانات إحصائية موضوعية حول عدد الشيعة في العالم، يتم اختبارها بطريقة علمية منهجية يعد امرا مفيدا جدا لابناء هذه الطائفة للمطالبة بالحقوق والحريات العامة، وفي تأكيد مقدارحضورهم وتأثيرهم في الرأي العام المحلي والدولي.

3- انتشار أبناء هذه الطائفة في مساحة جغرافية واسعة جدا تختلف في انماطها الثقافية والحضارية، وفي لهجاتها ولغاتها المحلية، وفي تحديد أولوياتها ومصالحها الوطنية والقومية مما يفرض على الشيعة الساكنين في كل دولة خيارات متعددة للتعامل مع واقعهم كل على حدة وحسب متطلباته وظروفه.

الشيعة وتحدي الاندماج والمشاركة

ان واقع الشيعة في مطلع القرن الحادي والعشرين يجعلهم عرضة الى نوعين من المؤثرات: الأولى مؤثرات حضارية خارجية تفرضها ظروف العولمة بما تنطوي عليه من تقدم تكنلوجي قرب المسافات الجغرافية، وجعل العالم قرية عالمية، فكسر حدود الدول واضعف سيطرة حكوماتها على شعوبها، ووسع مدارك الافراد والمجتمعات، وخلق المنافسة بل واحيانا الصراع العالمي من اجل توفير ظروف اقتصادية وإنسانية افضل تنتعش فيها الحقوق والحريات. الثانية مؤثرات داخلية ناجمة عن انهيار او تخلخل الأطر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التقليدية التي حكمت المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، ولا سيما في قارتي اسيا وافريقيا. تلك الأطر التي كانت تفرض نوعا من الانغلاق الذاتي لمكونات اجتماعية معينة، وقبول بسيادة مكونات اجتماعية أخرى عليها ولحقب تاريخية طويلة، وهذا ما لم يعد قابلا للاستمرار، فلا الحكومات المستبدة باجراءاتها الصارمة قادرة على ادامة عمل الأطر التقليدية، ولا المكونات الاجتماعية بهوياتها المحلية قابلة بدوام تلك الأطر. والحال أصبحت جميع الهويات سواء اكانت سائدة ام فرعية تطالب بحقوقها وحرياتها وتريد ان تكون شريكة في السلطة والثروة والنفوذ في بلدانها. نعم ان هذه المؤثرات تختلف في عمقها وتأثيرها من مجتمع الى آخر، ومن فضاء جغرافي الى آخر، الا انها بدأت في جميع دول العالم وستستمر بقوة وزخم اكبر مع التقدم باتجاه المستقبل.

 ووجود هكذا تحول في البنى الأساسية للدول لا يستثني شيعة العالم، بل انهم في القلب منه؛ لأسباب كثيرة، وهذا سيتطلب من افراد هذه الطائفة ادراك متغيرات العصر للإسراع في الخروج من عزلتهم التاريخية والاجتماعية والسياسية اولا وامتلاك قيم ومهارات الاندماج مع الآخرين في الدول التي يعيشون فيها ثانيا. وعندما يتحقق هذا الهدف بسلاسة تحفظ حقوق وحريات الطرفين، ستبرز الحاجة الى امتلاك المؤهلات والمهارات والاليات المناسبة للمشاركة الفاعلة في إدارة السلطة والعملية السياسية في هذه البلدان. ان كلا من الاندماج والمشاركة يشكلان تحديا حقيقيا امام شيعة العالم لا يمكن التغاضي عنه او نكرانه او التقليل من قيمته، لا سيما وان غالبيتهم تعيش في بلدان تعاني من التوتر والصراع والتأزم السياسي، ومواجهة هذا التحدي والتغلب عليه سيتطلب من الشيعة نخبة وعامة جهدا واعيا، وعملا مضنيا، واليات تختلف من دولة الى أخرى.

الشيعة وتحدي التجديد الثقافي الديني

ان واحدا من التحديات المهمة التي تواجه شيعة القرن الحادي والعشرين هو حاجتهم الى" امتلاك إرادة التجديد في ثقافتهم الدينية، فالثقافة السائدة عندهم انتجتها أزمنة ماضية، وبيئة كانت تعاني من الأزمات والقهر والضغوط، وهم اليوم يعيشون عصرا جديدا، واصبحوا قوة مؤثرة يحسب لها حساب في محيطها، فواقعهم تغير الى الأفضل، والعالم من حولهم تغير كثيرا، لكن مساحة واسعة من الشيعة لا زالوا يصرون على ثقافة الماضي المصبوغة بلون القهر والأسى، وتتحفظ معظم اوساطهم الدينية على محاولات التطوير والتجديد الثقافي"([5])، ونرى ان الشيعة لا يحتاجون الى امتلاك إرادة التجديد الديني فحسب، وانما بحاجة أيضا الى تحديد طبيعة هذا التجديد واتجاهه، نعم هناك الكثير من المجددين الشيعة، كالمجدد الشيرازي الأول والثاني وغيرهم، لكن هذا التجديد مشكلته انه بقي فرديا ينهض به افراد معدودون، ولم يتحول الى نشاط مؤسسي، قادر على خلق موجة تجديدية تنهي حالة الجمود الثقافي العامة وتحولها الى حركة ثقافية شاملة تستطيع في النهاية امتلاك القدرة على القيادة الثقافية المنتجة للنموذج الجذاب الذي يلتف حوله الجميع او على الأقل الأغلبية، فبقي النموذج في عيون الشيعة اسير التاريخ، والتجديد الثقافي الديني فرديا ينتهي بنهاية حياة المجدد. ان التغلب على هذا التحدي يعد من الأولويات لاي حالة نهوض شيعية في الوقت الحاضر، ويرتكز عليه أي دور مؤثر لهذه الطائفة في بناء البلدان التي تعيش فيها، وفي المشاركة الفاعلة في بناء حضارة إنسانية متجددة ومتطورة ومندفعة بقوة الى الامام.

الشيعة وتحدي القيادة

لقد اثبتت الاحداث في ايران والعراق وسوريا واليمن والبحرين والسعودية ولبنان ان الشيعة في الوقت الذي يعانون فيه من مشكلة المواقف المعادية غير المبررة وغير المحسوبة من بعض الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، فانهم في نفس الوقت، وبدرجة لا تقل في الأهمية ان لم يكن اعلى، يعانون من مشكلة القيادة- قد اطلقت على هذه المشكلة في احد مقالاتي اسم الخطر من الداخل- فالقيادات الشيعية في كثير من الاحيان اما تكون منقسمة ومتصارعة فيما بينها، واما تكون ضعيفة وغير كفوءة ولا تمتلك رؤية استراتيجية لإدارة العمل السياسي وبما يناسب ظروف وحاجات البلد الذي تتواجد فيه، فكانت النتيجة وخاصة في العراق انتاج قيادات شيعية سياسية هزيلة وفاشلة ومتورطة في ملفات فساد اداري ومالي كبيرة، وهذا الامر انعكس سلبا على رؤية أبناء هذه الطائفة لقياداتهم التي شعروا انها ليست مؤهلة لتحمل المسؤولية، كما انعكس سلبا على رؤية أبناء الأديان والطوائف الأخرى للدور الشيعي في بناء الدولة. لقد حصل ما حصل، وبالطريقة التي رآها الجميع- وقد تشمل هذه الحقيقة معظم قيادات الإسلام السياسي في الوقت الحاضر- لأن معظم القيادات لم تمر بالفلاتر المناسبة لإعدادها وتأهيلها، بل جاء اغلبها الى السلطة فجأة وبآلية لم تكن متوقعة، ولم يحسب فيها حساب اليوم التالي لمسك السلطة، فكان الأداء الضعيف قرين الاعداد الضعيف للقيادة، وعدم استعانتها في كثير من الأحيان بالمؤسسات الاستشارية المناسبة لمساعدتها لحل مشاكلها واعداد برامجها.

خلاصة القول في تحدي القيادة، انه لا نجاح بلا قيادة حقيقية صالحة ومؤهلة للنهوض بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها، ولا وجود لمثل هذه القيادة بدون وجود المؤسسات المناسبة لإعدادها وتقديمها الى المجتمع.

تحديات أخرى

في حلقة نقاشية نظمها مركز الامام الشيرازي للدراسا

محرر الموقع : 2016 - 06 - 26