رائد العتابي .
قلب هذا الشهر ليلة القدر التي هي خير من الف شهر ، هي روحه وجوهرته شهر رمضان تاج الزمان ودرته القدر المقدسة التي انصبت فيها كل فوائد ونتائج واهداف هذه المدرسة الكريمة ليلة تقرر فيها مصائر الناس وحياتهم ، فيها تكتب الارزاق والاعمار للبشر ، لقد جعلت هذ الليلة الشريفة في العشر الاواخر لكي يتهيئ لها المسلم منذ بداية الشهر ذكرا وتخلٍ عن كل نزغات الشيطان ومتعلقات الدنيا حتى يصل لها ليدخل جنباتها نظيفا طاهرا ليطلب ما يريد من ربه مشحونا بكل معاني الايمان والاخلاص والتوبة لينطلق الدعاء من قلبه الى السماء من غير حاجز ولا حائل ، لانه انطلق من مكان نظيف لم ينجسه الشيطان بانجاس جاهلية الاثم والمعصية لان العاصي لا زال يعيش الجاهلية التي جعلناها خلف ظهورنا .
ليلة يفرق فيها كل امر حكيم هي لطف انصبت بها الرحمة الالهية صبا ليرتشف منها العباد ويتزودوا ولياخذ كل على سعته ومقداره فالحصيف ياخذ منها ما يستطيع ويتعبا بكل مقدرته وقوته ، ليرتشف منها العطشان ويعب منها الضمآن الى رحمة الله وغفرانه .
ليلة القدر عصارة الشهر الشريف التي انسكبت فيها كل معاني اللطف والعطف الالهي ، هي فتح لجميع ابواب الرحمة على مصاريعها من اجل دخول العباد في رحابها وعرض الملفات والحاجات والتمنيات على الله .
ليلة مواجهة بين العبد وربه ، هي تقدير الارزاق والصحة والمرض والسقم والمقدور والمكتوب ، انها ليلة مايقسمه الله للعباد وتوزيع الاعمار والاستحقاق البشري من الله اليهم من حياة وموت وعمر وصحة وسقم وربح وخسارة وشقاء وسعادة مع إعمال قانون البداء ومعيار العمل الذي يقدم ويؤخر باذن الله تعالى .
ليلة مشاركة اهل السماء لاهل الارض وضيافتهم الكبرى وحلولهم فيها ، ليلة التوحيد القولي والافعالي لله الواحد الاحد هي ليلة توجه الخلق الى البارئ تعالى . لقاء سنوي مميز بين السيد والعبد بين الرب والمربوب ليكون الرب قريبا من عبده - ليس القرب المكاني - ليلة غفران الذنوب مهما كان قدرها وضخامتها الا الشرك والكفر ، ليلة عظيمة تستوعب ذنوب العباد شرط عدم العودة والتوبة النصوح .
هي اهم منعطف في تاريخ حياة الانسان ، ليلة تتجلى فيها الرحمة الالهية تجليا من خلال تهيئة الاجواء المناسبة للانسان والتسهيلات الواضحة المعطاة من الله للبشر ، رسالة منه تعالى الى العباد مفادها الاستعداد للغفران ومسامحة المذنبين والمقصرين ، ليلة طرح فيها الرحمة والغفران بكميات لا يعرفها الا هو واللبيب الذي ياخذ ما يستطيع ويتزود منها الى سنته .
هي ليلة الحكم والتقدير والشرف والمنزلة ليلة وقف فيها الناس على ابواب الله لينتظروا نواله وعطائه يقف فيها الناس زرافات ووحدانا امام رحمة الله ينتظروا يده الشريفة وجودها وكرمها ، يقف فيها الفقير مادا يده طمعا بجود الجواد السخي الغني ، فالحظي من حظي فيها بغفران الله ورضاه والشقي من حرم رضا الله .
هي ليلة تشع بالنور المادي والمعنوي نور يقتبس منه المؤمن ليهتدي به في حياته ولينير له طريق الطاعة ويبعده عن المعصية وعن طريق الشيطان ليميز ويرى بواسطته سبل الرحمن ويتجنب سبل الشيطان .
ليلة يكون فيها المؤمن كالقمر يقتبس من انوارها كما يقتبس القمر من نور الشمس ليبقى المؤمن متشعشعا بانواره طيلة سنته ليسترشد به الطريق الى الله العلي الاعلى ينير لنفسه وينير للاخرين ، هي ليلة الصدق مع الله الرحيم الرؤوف واندماج كل جوانح وجوارح العبد لتتوجه الى الله بكتلة صادقة من المشاعر والسمو الروحي تجاهه عز وجل .
ليلة ما احرى بالوالدين ان يدعوا بها لابنائهم بالهداية وانتهاج الطريق المستقيم المؤدي الى الله في وقت صعب مستصعب في السيطرة عليهم وحفظهم من كيد الشيطان الرجيم ، وفي زمن انتشر فيه الفساد ولفت امواجه واغرقت الكثيرين وان يجنبهم الاتي الاصعب .
وما احرى بالاولاد ان يدعوا لابائهم بالحفظ وان يجعلهم خيمة عليهم وظلا ظليلا يستظلون تحته ، وان ندعوا جميعا بقلوب يعتصرها الالم والشوق بتعجيل فرج امامنا المهدي المنتظر المصلح .
ليلة ما احرانا جميعا ان نعكس فيها الخلق الالهي المحمدي الاسلامي الاصيل في عصر بات فيه الناس اقرب الى الدين لو عرفوا الصدق من اصحاب الدين الداعين اليه ونكون مصداقا للذي يقول رحم الله جعفرا على اخلاقية شيعته ولندعوا الباقين باخلاقنا اكثر من لساننا اللهم لا تحرمنا من شآبيب رحمتك في هذه الليلة .
