ممثل المرجعية العليا في اوربا يعزي العالم الإسلامي بشهادة سابع أئمة المسلمين (ع) ووفاة جده أبو طالب رضوان الله عليه
    

عزى ممثل المرجعية العليا في اوربا السيد مرتضى الكشميري العالم الإسلامي بشهادة سابع أئمة المسلمين (ع) ووفاة جده أبو طالب رضوان الله عليه

جاء حديث سماحته عن هاتين المناسبتين الاليمتين في هذا الشهر، شهر رجب الاصب الذي صبت فيه الرحمات الالهية على عباده، قائلا : لقد عشنا وعشتم أجواء شهر رجب المرجب الذي كان موضعا لنزول البركات الربانية بدءا من اول يوم منه حيث كانت زيارة الامام الحسين المعروفة (الغفيلة) ومرورا بليلة الرغائب ومواليد الائمة الاطهار (ع) الامام الباقر والامام الجواد والامام امير المؤمنين، ووفاة زينب بنت علي (ع) وزيارة الحسين (ع) الثانية المعروفة (البتة) وشهادة الامام موسى بن جعفر (ع) ووفاة أبو طالب (رض) وبعثة النبي (ص) واسرائه، مضافا لما لهذا الشهر من فضل الصوم والصلاة والدعاء والاستغفار والصدقات وغيرها. ويمكن القول بانه شهر نزول الخير والنعم، شهر كما قال عنه رسول الله (ص) (انّ رجب شهر الله العظيم لا يقاربه شهر من الشّهور حرمةً وفضلاً .....).

وفي هذا الشهر الكريم فقد العالم الإسلامي علمين بارزين من اعلام مدرسة اهل البيت (ع) وهما الامام موسى بن جعفر (ع) حيث كانت شهادته في الخامس والعشرين منه عام 183هـ، ووفاة حامي النبي (ًص) وناصره في السادس والعشرين منه.

اما الحديث عن الامام الكاظم (ع) فهو كما قيل ككل حديث عن امام من أئمة اهل البيت (ع) والذين لم يتركوا جانبا من جوانب حركة الإسلام الا وقد اولوه اهتماما سواءا في عقل الانسان بما يريد ان يربي عقله، او في قلبه بما ان يريد ان يربي قلبه، او سلوكيات حياته بما يريد ان يعمق الخط المستقيم في حركته في الحياة.

وفي هذا الجانب الواسع الممتد في عالم المعرفة نقرأ حياة الامام السابع (ع) الّذي يربط الإنسان بالله، ويربط الإنسان بالإنسان، ويربط الإنسان بمسؤوليَّته عن الحياة كلّها، فلا يكون مجرَّد شخصٍ يعيش في سجن ذاته، ولكن ليشعر بأنّه إنسان لا بدَّ من أن يعيش في حجم العالم كلِّه، لينمّي طاقاته بالمستوى الّذي يستطيع أن يكون فيه عالميّاً، لأنَّ الله تعالى أرادنا أن نقتدي برسول الله (ص) في قوله ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) وقد كان رسول الله (ص) في رسالته إنساناً عالميّاً، يفكِّر في النَّاس كلِّهم، ويريد أن يؤسلم العالم كلّه، وهكذا كان خلفاءه واوصياه من بعده ومنهم الامام موسى بن جعفر (ع) الذي كان من خصوصياته (ع) كاظم الغيظ، فكان يحسن الى من اساء اليه ويعفو عمن اعتدى عليه، ويتسع صدره ليحضن اعدائه ليعلمهم كيف يحب الانسان الانسان بغض النظر عن التعقيدات التي يمكن ان تتحرك هنا وهناك، فكان (ع) يواجه الغيظ من كل الذين لا يحترمون انسانية الانسان، ومن كل المستكبرين في الارض الذين يعيشون على اساس الحقد والعداوة والبغضاء، اولئك الذين لا يعرفون معنى الحب، ذلك انهم يعملون على اساس ان ينفسوا عن حقدهم، لكن الامام (ع) كان يكظم غيظه، فلم يتحرك برد فهل سلبي بل كان لديه فعل من نوع اخر فيحاول ان يعطيهم درسا عن الاحسان، درسا في معنى العفو، لذلك سمي كاظم الغيظ.

هذا جانب، وفي الجانب الاخر من حياته (ع) عاش مع الله سبحانه وتعالى في أعلى الدّرجات، فكان الله حاضراً في عقله، فليس في عقله مكان إلا لله، وكان الله حاضراً في حياته كلّها، فكانت حياته للرّسالة كلّها، وكان يعيش لذّة اللّقاء بالله، ولذلك كان يطيل السّجود، فتمتدّ سجدته من الصّباح إلى الزّوال، ومن الزّوال إلى الغروب، ولم تكن سجدة تقليديّة، بل كانت سجدة يرتفع من خلالها بروحه إلى الله عزّ وجلّ، فيناجيه ويلبّيه ويدعوه ويعطيه الحبّ كلّه، وبذلك كان العاشق لربّه.. يحبّه.. يناجيه.. يتحدَّث معه، ويتواضع له، وكان يكرِّر في سجوده (اللَّهمَّ إنّي أسألك الرَّاحة عند الموت، والعفو عند الحساب) وليس هناك ذنب يستغفر الله منه، ولكنَّه التَّواضع الّذي يجعله يجلس بين يدي الله ليعيش كما يعيش العبد أمام سيِّده، لأنّ عبوديّة الإمام (ع) كعبوديّة آبائه وأبنائه، ارتفعت إلى المستوى الّذي اندفع فيه مع الله في كلِّ معاني الذّوبان بالله.

ومن هنا علينا الاقتداء والتأسي بسيرة الامام (ع) والعمل بمفردات حياته فلنا فيها لنا خير درس وموعظة ، لان حب الله يقتضي العمل باوامره واجتناب معاصيه ويجنبنا الافات والاعراض والامراض والخطايا والذنوب والهموم والاحزان والعلل والاسقام، لان (من كان مع الله كان الله معه) ولكن بشرط الاستقامة والاستعانة بالله في كل ما نواجه من امتحانات وابتلاءات وان نستعين بالصبر والصلاة لقوله تعالى ((واستعينوا بالصبر والصلاة)) ، ونعني بالصبر هنا الصبر العملي امام المحن التي نواجها في هذه الايام خصوصا بعد ظهور هذا الوباء (كرونا) الخطير الذي غزى البشرية ولا يستطيع احد ان يقف بوجهه، وما هو الا تنبيه وتذكير لها لبعدها عن الله وانغمازها بالمعاصي والموبقات.

اما المناسبة الثانية: هي وفاة ناصر النبي (ص) وحاميه وعمه ابو طالب (ره) الذي ما انتصر الاسلام الا بمواقفه المشرفة، والتي لولاها لما استطاع النبي (ص) ان يشق طريقه في الدعوة الى الله عز وجل، وذلك بكتمانه لايمانه كمؤمن ال فرعون ومسايرته لقريش.

ولاتمام حقيقة هذا الامر لا بد لنا من الاشارة الى ذكر بعض المواقف العملية التي تثبت ايمانه واعتقاده بالنبي (ص) وبرسالة الاسلام، ومنها:

1- لما حضر ابو طالب مجلس زواج رسول الله (ص) من خديجة قام خطيبا بخطبة مضمونها انه مؤمن بالله وبما انزل من الكتب ومصدقا بكلام جده ابراهيم الخليل (ع) وكان قوله هذا قبل ان يبعث النبي (ص) بخمسة عشر سنة.

2- ما انشده من شعر في الاسلام وفي رسول الله (ص) ما ملء منه ديوانا يضم اكثر من ثلاثة الاف بيت، وهو مما حُفظ له وجُمع حتى وقف عنده الادباء والمؤرخون معجبين ومتعجبين: ايقال ذلك في تلك الظروف على مسمع من قريش والمشركين واليهود وفي اشعاره التأييد الواضح والنصرة والمجاهدة المتحدية والايمان الصادع والموقف الصادق والثابت !، ولهذا كان الائمة (ع) يوصون اتباعهم بتحفيظ ابنائهم شعر ابي طالب لما فيه من تقوية عقيدتهم وايمانهم بالله. وكان الامام علي (ع) يعجبه ان يروى شعر ابي طالب وان يدوّن، وقال تعلموه وعلموا اولادكم فانه كان على دين الله وفيه علم كثير. وبمثل هذا كان الامام السجاد (ع) يوصي اصحابه، بل وكان رسول الله (ص) يفرح عندما يستمع لشعره، ومن ذلك ما ذكره المؤرخون حينما استسقى النبي (ص) لاهل المدينة فجاءهم الغيث، فذكر (ص) ابا طالب وقال: لله در ابي طالب لو كان حيا لقرت عينه، من ينشدنا قوله؟ فانشده الامام علي (ع) من قصيدته ابياتا منها
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
هذا ورسول الله (ص) يستغفر لابي طالب وهو على المنبر.

3- موقفه بالدفاع عن النبي (ص) عندما دفعت قريش ببعض سفهائها ان يلقي سلا الناقة على النبي (ص) فكان جزاء من فعل ذلك معه (ص) ان يفعل به على مسمع ومرأى من الحاضرين.

4- ما ينقله ابن الاثير، بأن ابا طالب قال لابنه الامام علي (ع) في رسول الله (أما إنه لا يدعونا إلا إلى الخير فالزمه) وقوله لولده جعفر عندما يراه يصلي (صل جناح ابن عمك، وصل عن يساره) وهو ثاني رجل يصلي خلف رسول الله (ص).

5- ذكر ابن سعد في طبقاته الكبرى ان ابا طالب عندما حضرته الوفاة جمع بني عبد المطلب وقال (لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد وما اتبعتم أمره فاتبعوه وأعينوه ترشدوا).

6- ذكر الشبلنجي الشافعي في كتابه نور الابصار حديثا مفصلا عن ابي طالب وموضع الشاهد منه ان الامام علي عندما اخبر رسول الله (ص) بموت ابيه بكى، فقال النبي (ص) امض يا علي فتول امره وتول غسله وتحنيطه وتكفينه فإذا رفعته على سريرته فأعلمني، ففعل ذلك أمير المؤمنين (ع) فلما رفعه على السرير اعترضه النبي (ص) فرقّ وحزن وقال: وصلت رحما وجزيت خيرا يا عم فلقد ربيت وكفلت صغيرا، ونصرت وآزرت كبيرا، ثم أقبل على الناس وقال: أما والله لاشفعن لعمي شفاعة يعجب به أهل الثقلين.

7- ومما يدل على ايمانه ما روي عن الصادق (ع) قال: (نزل جبرئيل عليه السلام على النبي (ص) فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك. فالصلب صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب، والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب وفاطمة بنت أسد)، ومعلوم ان رسول الله (ص) لا يحب اعداء الله ولا يحب الا من يحبه الله.

ولمزيد الاطلاع عن اقوال رسول الله (ص) واحاديث ائمة اهل البيت (ع) في حق ابي طالب (رض) يرجع الى الكتب التي الفت عنه والتي زادت عن أربعين مؤلفا ومن اهمها ما كتبه الشيخ الاميني في موسوعته الغدير وكتاب (ابو طالب مؤمن قريش) للشيخ الخنيزي.

هذا ويجدر بالمؤسسات والمراكز الإسلامية في عموم اوربا وغيرها الاحتفاء بهاتين المناسبتين وخصوصا مناسبة وفاة أبو طالب (رض) التي يكاد ينعدم الحديث عنها والاشارة اليها مع ما لهذا الرجل من فضل على الإسلام والمسلمين، وعلينا ان نعظم شعائر الله بذكره وذكر الائمة الاطهار التي فيها زادا لحاضرنا ومستقبلنا ولأنفسنا ولذرارينا.

((ذلك ومن يعظم شعار الله فانها من تقوى القلوب))

 

محرر الموقع : 2022 - 02 - 25