أهم الإنشقاقات والتصدعات في حزب الدعوة
    

الحلقة الثالثة والثلاثون

من كتاب حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الإجتماع الديني والسياسي

 

بقلم: د. علي المؤمن

 

     نقدم هنا توصيفياً لمظاهر الخروج والانشقاق في حزب الدعوة، مع التأكيد على أن معظم أسبابها وعللها لا تزال قائمة ومهددة كما ذكرنا سابقاً: 
1- أول خروج رأسي من الحزب كان عام 1959؛ هو خروج محمد صادق القاموسي أحد المؤسسين، ولم يكن بسبب خلاف فكري أو سياسي؛ بل بسبب تفضيل القاموسي التفرغ للعمل في إطار جمعية «منتدى النشر» في النجف الأشرف.
2- أول خروج شبه جماعي عام 1961؛ هو خروج ثلاثة من المؤسسين: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم.
3- أول انشقاق كان يهدد وجود الحزب هو انشقاق السيد طالب الرفاعي والشيخ عبد الهادي الفضلي والسيد عدنان البكاء وجماعة معهم؛ عامي 1963 و1964؛ بعد خروج السيد مرتضى العسكري من قيادة الحزب وإعادة هيكليتها. وتقرر أن تكون القيادة مؤلفة من: عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري والشيخ عبد الهادي الفضلي، إلّا أن الأخير كان يصر على أن يكون علماء الدين في القيادة ثلاثة وليس اثنين. وكان الشيخ الفضلي يمثل تنظيم النجف ويعبر عن توجهات الاجتماع الديني النجفي، ويدعمه عدد من علماء الدين من تنظيم النجف؛ أبرزهم السيد طالب الرفاعي والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد عدنان البكاء، بينما كان الثنائي القيادي السبيتي ودخيل يعبِّران عن فعل حزبي صرف؛ لا يفرق بين عالم دين وغيره. وجرت محاولات من الطرفين لإقصاء بعضهما من القيادة بعد أن تحول الى المنشقون الى تنظيم مستقل لحوالي عام تقريباً؛ إلا أن تدخل السيد محمد باقر الصدر بمساعدة السيد مرتضى العسكري؛ وضع نهاية للخلاف، والتئم شمل التنظيمين؛ إلّا أن الفضلي لم يلتحق بالقيادة وفضّل البقاء ضمن تنظيمات النجف.


ضغط الإجتماع الديني النجفي

4- الانشقاق في تنظيم الحزب في منطقة الكرادة الشرقية ببغداد؛ الذي قاده السيد سامي البدري في عام 1966؛ بسبب خلافه مع مسؤوله الشيخ عارف البصري، ورغبته في صلاحيات داخل تنظيم جامعة بغداد، وفي تعميق الجانب العقيدي المذهبي في فكر "الدعوة". وائتلف جماعة البدري بجماعة بغدادية تدعى الحركة الإسلامية تضم أعضاء منشقين من منظمة العقائديين، وانتهى الإئتلاف الى تأسيس مجموعة جديدة تبلورت عام 1979 بتنظيم "جند الإمام" .
5- خروج عدد من مؤسسي وقيادات وكوادر الدعوة في الفترة من العام 1969 وحتى العام 1971؛ أبرزهم السيد طالب الرفاعي في العام 1969؛ إثر سفره الى مصر ممثلاً المرجعية الدينية النجفية، والشيخ عبد الهادي الفضلي في العام 1971؛ إثر استقراره في بلده الأصلي السعودية، والسيد عدنان البكاء في العام 1971؛ إثر موجة الإعتقالات التي شنها النظام البعثي ضد حزب الدعوة.
      وبخروج الرفاعي من الحزب؛ ثم اعتقال عبد الصاحب دخيل واعدامه العام 1972؛ يكون ستة من المؤسسين قد غادروا الحزب حتى عام 1972؛ أربعة منهم أصحاب الفكرة الأولى: السيد محمد مهدي الحكيم، السيد محمد باقر الصدر والسيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل، وبقي من المؤسسين داخل التنظيم أربعة فقط من مجموع عشرة: السيد مرتضى العسكري، صالح الأديب، السيد حسن شبر والدكتور جابر العطا، وهي ظاهرة غير مسبوقة في الأحزاب؛ أن يخرج من الجماعة أصحاب الفكرة المؤسسة لها؛ ولكن إذا وعينا ضغوطات الاجتماع الديني النجفي؛ الذي ينتمي اليه خمسة من مجموع الستة المغادرين؛ سنفهم أن خروجهم يشكل حدثاً طبيعياً ينسجم مع طبيعة انتمائهم الأصلي للاجتماع الديني النجفي، وكون انتمائهم للحزب هو انتماء فرعي أو مكمل، وبالتالي لم يكون خروجهم من التنظيم خروجاً على الحزب وفكره وسياسته وسلوكه؛ بل تحت ضغط عامل خارجي يمثل انتماءهم الأصلي. 


الإنشقاق الأهم وهيمنة خط الفقهاء
6- الانشقاق الفكري والسياسي الذي بقي متفاعلاً طيلة عامي  1980و1981، وهو الأهم في تاريخ حزب الدعوة، والذي انتهى بالانتخابات الحزبية التي جرت في مؤتمر الشهيد الصدر في طهران في عام 1981، ولم يحضره القيادي التاريخي محمد هادي السبيتي ومن يمثل خطه من قياديين وكوادر؛ أبرزهم الشيخ علي الكوراني. وكان الحزب خلال مرحلة الإنشقاق قد توزع بين ثلاثة أجنحة:

      الأول؛ عرف بـ «جماعة الكوراني» أو «خط البصرة»؛ لانتماء الغالبية الساحقة من أعضائه لتنظيم الحزب في البصرة، ومن أبرز قيادييه الى جانب الشيخ علي الكوراني: عز الدين سليم (عبد الزهرة عثمان ) والدكتور كاظم التميمي والسيد عبد الأمير علي خان. وهم امتداد خط محمد هادي السبيتي في حزب الدعوة.

       الثاني؛ عُرف بـ «جماعة الآصفي»، ويضم الى جانب الشيخ محمد مهدي الآصفي مجموعة الفقهاء؛ ولاسيما السيد كاظم الحائري والشيخ محمد علي التسخيري، ويدعمهم السيد مرتضى العسكري والسيد محمد حسين فضل الله ومعظم علماء الدين من تلاميذ السيد محمد باقر الصدر والسيد الخوئي.

       الثالث؛ كان على الحياد تقريباً؛ وفيه شخصيات تاريخية؛ كمحمد صالح الأديب والسيد حسن شبر وعبود آل راضي والسيد هاشم الموسوي، وكوادر شابة سطع نجمها حديثاً كالدكتور إبراهيم الجعفري وعلي الأديب، إضافة الى القيادات غير العراقية؛ ولاسيما اللبنانية.

      ويمثل هذا الانقسام امتداداً للخلاف الفكري والتنظيمي القديم في مرحلة الكويت بين القياديين القويين في الحزب الشيخ محمد مهدي الآصفي الذي يمثل منهجية (الدعوة ) وخط الفقهاء، والشيخ علي الكوراني الذي يمثل منهجية (الحزب) وخط محمد هادي السبيتي وغير المعممين.
     وعلى الرغم من أن الأجنحة الثلاثة قد دعيت لمؤتمر الدعوة العام ( مؤتمر الشهيد الصدر)؛ إلّا أن جناح الشيخ الكوراني لم يحضر ولم يشارك في المؤتمر ولم يعترف بنتائجها ولا بقرارات المؤتمر؛ بما ذلك الإنتخابات؛ بينما كان جناح الآصفي فاعلاً في المؤتمر؛ فضلاً عن اشتراك جميع شخصيات وكوادر الجناح الحيادي. وأسفر المؤتمر عن تسمية (12) شخصاً للقيادة العامة؛ بينهم سبع شخصيات تم انتخابها انتخاباً مباشراً؛ هي: السيد كاظم الحائري ( فقيه الدعوة؛ بالتزكية حسب النظام الداخلي)، الشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد حسن شبر ومحمد صالح الأديب والسيد هاشم الموسوي والدكتور إبراهيم الجعفري وعبود آل راضي، وخمس شخصيات أخرى من الأقاليم الأخرى التي لا تزال تعيش حالة السرية ولم تشترك في الإنتخابات؛ كالشيخ صبحي الطفيلي والشيخ عيسى قاسم؛  ليكون العدد اثني عشر شخصاً، وهي أول قيادة منتخبة في تاريخ الحزب.
     ومثّل تشكيل القيادة الجديدة نهاية واقعية للجدل الكبير المزمن داخل «الدعوة»؛ ولا سيما بعد كتابة القيادة الجديدة لأول نظام داخلي في تاريخ الحزب وإقراره عام 1982. وبموجبه أصدر فقيه الحزب السيد كاظم الحائري حكماً شرعياً يحرم بموجبه استخدام اسم حزب الدعوة الإسلامية إلّا من التنظيم الذي يتبع القيادة الجديدة المنتخبة حصراً ويعمل على وفق النظام الداخلي الجديد.

      ونتج عن ذلك تجميع جناح الكوراني أو خط البصرة لعناصره في إطار تنظيم جديد؛ أسموه فيما بعد بـ «حركة الدعوة الإسلامية» التي ظل عز الدين سليم (عبد الزهرة عثمان) يقودها حتى اغتياله عام 2004، وانكمشت الحركة وتعرضت للانشقاق بعد ذلك. وقد جرت عدة محاولات لرأب الصدع بين الطرفين؛ كان يقودها غالباً السيد مرتضى العسكري وغيره، وكاد بعضها ينجح؛ بل تم استئنافها حتى بعد عام 2003؛ إلّا أنها انتهت الى طريق مسدود.  

 


انشقاقات إقليمية
7- انشقاق إقليم حزب الدعوة في لبنان في عام 1981؛ وهو انشقاق إشكالي مهم يختلف عن أسباب حل تنظيمات الدعوة في البلدان الأخرى، وانتهى الانشقاق الى تأسيس حزب الله؛ الذي قادته وشكّلت كيانه التنظيمي قيادات وكوادر حزب الدعوة السابقين؛ كالشيخ صبحي الطفيلي والسيد عباس الموسوي ومحمد رعد وحمود الخنسا ومحمود قماطي والشيخ حسين كوراني والشيخ محمد يزبك والشيخ نعيم قاسم والسيد حسن نصر الله وآخرين. 
8- انشقاق في تنظيم حزب الدعوة في البحرين عام 1981؛ تبلور فيما كان يعرف بـ "خط  الإمام".
9- انشقاق في تنظيم حزب الدعوة في المنطقة الشرقية بالسعودية في عام 1981؛ انتهى الى تأسيس "حزب الله الحجاز"
10- انشقاق في لجنة الكويت الخاصة بتنظيم الدعاة العراقيين، وفي تنظيم حزب الدعوة في الكويت الخاص بالدعاة الكويتيين خلال عامي 1981 و 1982، وشكّل بعضهم تنظيم "حزب الله" الكويت، وهو انشقاق خطير؛  تسبب في إشكاليات كبيرة أُقحم حزب الدعوة فيها؛ ولا سيما ما يتعلق بسلسلة التفجيرات التي طالت المصالح الكويتية خلال عامي 1983 و1985، وهي تفجيرات لم يكن حزب الدعوة مسؤولاً عنها، ولاتعلم بها قيادته، ولكنها نسبت الى حزب الدعوة بسبب اتهام بعض أعضاء الدعوة المنشقين فيها. وقد انحل تنظيم "حزب الله الكويت" بعد بضع سنوات.
    
تأسيس "قوات بدر"
11- انشقاق قياديين وكوادر في الجناح العسكري؛ بعد فشل المحاولة الانقلابية التي قادها حزب الدعوة عام 1981 انطلاقا من منطقة «جيزاني الجول» بمحافظة ديالى، وكان أبرز المنشقين عضو القيادة التنفيذية المنحلة مهدي عبد مهدي ( أبو زينب الخالصي )، وانتهى الإنشقاق الى تأسيس تنظيم "مجاهدو الثورة الإسلامية في العراق"، ثم التحاقهم بنواة تأسيس "قوات بدر"، ثم تأسيس «قوات سيد الشهداء» ثم " الحركة الإسلامية في العراق" وجناحها العسكري "كتائب الإمام علي". 
12- انشقاق عدد من كوادر الجناح العسكري للدعوة ( قوات الشهيد الصدر ) في نهاية 1982 ومطلع 1983؛ بينهم عدنان ابراهيم (أبو علي البصري) أول قائد لـ "فيلق بدر" والتحق بهم هادي العامري ثالث قائد لـ "بدر"، ثم جمال جعفر الإبراهيمي (أبو مهدي المهندس) الذي انشق مع مجموعة من الدعاة في الفترة نفسها عن تنظيم الحزب في الكويت. وكذلك التحق بهم مهدي عبد مهدي الذي سبق أن انشق مع آخرين عام 1982.

     جدير بالإشارة الى أن الانشقاقات المذكورة من 7 الى 12؛ لها علاقة بقناعات سياسية فكرية مستجدة للدعاة الخارجين على الحزب؛ تتركز حول منهجية العلاقة بالجمهورية الإسلامية وتبني مبدأ ولاية الفقيه، ورافقت هذه القناعات تأثيرات العامل الخارجي المتمثل ببعض الأجهزة الثورية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتحديداً قوات الحرس الثوري.

محرر الموقع : 2016 - 07 - 16