جيل العلب المعدنية والكبسلة ضائع وسط أمواج الانحراف ، فمن ينقذه ؟
    

* الظروف المعيشية أسهمت بتسربهم من المدارس
*الشارع احتضنهم بعد تشردهم من دون معيل 
*بدايتها التدخين ووسطها الحبوب وآخرها الانحراف 

بغداد الاخبارية / تحقيق / دريد ثامر
تقوم معظم دول العالم بتحمل مسؤولياتها تجاه الجيل الجديد من أجل تربيتهم تربية صالحة ، حيث تقوم بحمايتهم من جميع المؤثرات إن كانت داخلية أم خارجية ، والتي ربما تؤدي الى التأثير عليهم ، وتسهم في إنحرافهم عن الاهداف المرسومة لمستقبلهم القادم ، فعملية تحصين الاطفال منذ نعومة أظافرهم ليست بالمهمة السهلة ، لانها عملية بناء ورعاية وفق برامج مبنية على أسس صحيحة ، كي ينشأوا نشأة صالحة ، يحافظ من خلالها على هذا الجيل الذي سوف يستلم زمام أمور البلاد فيما بعد .
(( بغداد الاخبارية )) تحدثت مع بعض المواطنين والمختصين في هذا المجال وكان لها هذا التحقيق الصحفي .

حماية من الملوثات 

حيث قال المواطن أحمد داود علي ( موظف ) تعمل كل دول العالم على تربية الجيل الجديد في بلدانهم بصورة صحيحة وبكل السبل المتاحة من أجل حمايتهم من أي ملوثات التي قد يتعرضون لها في حياتهم اليومية من المحيطين بهم ، فتعمل على تحصينهم ، لاسيما أطفال المدارس من كافة أشكال الانحراف والتشرد والبؤس ، فتعطي أهتماماً في بداية الامر ، برعاية الايتام والذين يفتقدون معيلهم ، وحتى الاسر المفككة فانها لا تتركهم وتكون مسؤولة عن رعاية اطفالهم ، لانهم جزء من المجتمع .
أما المواطنة ماجدة زهير عبد الله ( موظفة ) فقالت لا يوجد في العراق إهتمام واضح بالاطفال ، ونفتقد الى إستراتيجية من أجل تربيتهم أو رعايتهم ، بحيث اذا أخطأ الطفل ، فاننا نلوم البيت والاهل فقط ، ونترك المجتمع وفقر الحالة والعوز ، وضعف المتابعة المدرسية له ، واذا ما قام أحد الاباء أو الامهات بضربهم أو إجبارهم على ترك المدرسة والعمل في الشارع من أجل لقمة العيش ، فلا دور لاي جهة حكومية في إيقاف هذا العنف ضدهم ، لذلك أطالب بتفعيل دور جميع الجهات في حمايتهم من العنف الاسري أو إجبارهم بالعمل في الشوراع ، حفاظاً على مستقبلهم ومستقبل البلاد معهم .

تسرب الاطفال

ويضيف المواطن غالب فريد جاسم ( صاحب محل لبيع الموبايلات ) ان ظاهرة تسرب الاطفال من المدارس مسألة أصبحت واضحة لكل الناس ، ولا يوجد قانون واحد يعاقب من يتسبب بتسربهم ، لذلك نجد معظم الاطفال يشعرون بالسرور ، عندما يطلب الاهل منهم ترك المدرسة تحت أي ظرف من الظروف ، ليقوم بعدها ، بالتسكع في الشوراع ليل نهار، أو يقوم بالبحث عن عمل ما ، وحسب طلب أهلهم ، فلو وضعت برامج خاصة بعملية التنشئة ، مع جميع الجهات المعنية ، كلاً حسب إختصاصة ، لاستطاعوا أن يخدموا الوطن من دون أن يشعروا ، عندما يستمر الطلاب في دوامهم ليتخرجوا ويصبحون رجال دولة في أماكن عملهم .

التدخين والحبوب

ويتساءل الطفل ثامر عبد الرزاق محسن ( 12 عاماً ) بقوله ، ماذا أفعل وقد وجدت نفسي منذ صغري مع أمي وأخوتي في الشارع ؟ بعد أن قام والدي بالانفصال عن والدتي ، فحملت حينها هي المسؤولية ، فمن أين تأتي بالمعيشة ومصاريف المدارس ؟ ، لذلك تركت المدرسة من أجل البحث عن أي عمل أساعدها من خلاله ، ولكني بعد إختلاطي في العمل مع غيري في عمري أو أكبر سناً مني ، رأيتهم يقومون بالتدخين ليتناولوا حبوبا لا أعرف ما هي ؟ ، فرغبت أن أجربها معهم ، فانزلقت أقدامي ، وندمت على ما تعلمته ، لانه أضر بصحتي ، وأصبحت شاحب الوجه وجسمي لا أقوى على حمله ، وقام صاحب العمل بطردي منه ، بسبب نومي المستمر أثناء العمل ، ومشاكلي التي كانت تحصل كل يوم مع بقية العمال . 

أين حماية الدولة ؟

اما الموطنة هدية سامي حميد ( ربة بيت ) فقالت إن إهتمام الدولة بهم ، ينفعها بالدرجة الاولى ، لانها عندما تقف معهم وتنمي هواياتهم وتصقلها ، فانها تحافظ على جيل يقود نفسه مستقبلاً ، ويحمل أفكاراً ورؤى جيدة يسهم في عملية النهوض بالبلاد الى أعلى المستويات وقد تصل بهم الى مصاف الدول المتقدمة ، ونحن لسنا أقل منهم ، فحمايتهم من الانحراف منذ البدء ، خطوة مهمة ، لان الرعاية التي توفرها الدولة لهم ، تعد من أبسط مقومات الحياة لجيل من الاطفال ، كي ينشأ خال من الحالات النفسية ، وقادر على الابتكار والخلق والابداع ، ليفيد نفسه ووطنه وعندما يصبح شاباً ، وتقع عليه مسؤولية الاختيار نحو الهدف الذي يريده ، فالدولة ترعى مواهبه وتنمي قدراته وقابلياته في المجالات التي يحبها إن كانت رياضية أو فنية أو علمية وغيرها .
الاهمال والشوارع

ويشير المواطن قاسم محمد وليد ( صاحب محال لبيع المواد الغذائية ) الى إن الاسر المفككة والاخرى التي تعاني الانحراف ، بعد أن أثمرت هذه الزيجات أطفالا ، وهم يعيشون في مثل هذه الاجواء غير الصحية ، والذي يجب أن يعتمدوا على أنفسهم فيه ، بعيداً عن أهلهم ، وهم أصلاً لا يعرفون كيف يعيلون أنفسهم أو يتدبرون أمرهم وسط المشاكل المحيطة بهم ، ومشاجرات أهلهم اليومية ، حتماً ستنعكس على رغبتهم بالحياة أو الاهتمام بمسألة المدرسة والمذاكرة التي تحتاج الى متابعة من ذويهم بصورة يومية ، فيتلقفهم الشارع من أجل التسكع أو البحث عن العمل هرباً من جحيم أسرهم ، وهم في سن مبكرة ، فعندما لا يوجد أحد يسأل عنهم ، أو الى أين يذهبون ولا حتى متى يرجعون ، ومع من يختلطون ، فانه ناقوس خطر يقرع للدخول في عالم الانحراف الذي لا رجعة فيه عند ولوجهم به ، فيلاحظ إن ظاهرة وجود أعداد كثيرة في الشوارع هو ناتج هذا التسرب المقيت من المدارس .
سيرهم في الازقة

بينما تقول المواطنة سامية شاكر محمود ( طالبة جامعية ) عند ذهابي الى الكلية يومياً أرى مجاميع من هؤلاء الاطفال في صورة مؤلمة من أجل جمع العلب المعدنية وسيرهم في الازقة والشوارع بحثاً عن أي شيء في القمامة المنتشرة في بعض المناطق ، حيث تعتبر الحصول على تلك العلب وغيرها من المواد التي تباع الجائزة الكبرى لديهم في ذلك اليوم ، ليعودوا الى المنازل وهم في حالة فرح وسرور ، ويلاحظ إن أول ما يقومون بتعلمه هو التدخين ، ليشعروا بانهم قد أصبحوا كباراً ، ثم بعدها يختلطون باطفال أكبر سناً وربما يكونون أكثر إنحرافاً منهم ، ليلتقطوا منهم كل فنون الانحراف والتشرد ، وهذا أمر خطير يجب معالجته كي لا يستفحل وتصبح حلوله قليلة . 

خطورة الانحراف

وتخوف حسن أحمد جميل ( باحث إجتماعي ) على أطفالنا من الانحراف نحو أمور أكثر خطورة من التسرب أو العمل في الشوارع وهي تناول حبوب الهلوسة والكبسلة ، لان عدم وجود رقيب عليهم تصبح أمورا يسيرة ومكانا من السهولة الحصول عليه ، فهذا الجيل الصغير الذي سيكون بعد سنوات شاباً يمسك بمقاليد مستقبله ، يجب إيلاءه بعض الاهتمام والرعاية ، لان ضياعه يجعله يشعر بانه تائه وغارق في بحور متلاطمة ، لا يعرف له نهاية ، فاذا كان الطفل يدخن في سن مبكرة ، ويتعاطى حبوب الهلوسة وينام في الشوارع ، ولا أحد من أهله أو أقاربه يسأل عنه ، فتلك مشكلة كبيرة يجب البحث عن حلول لها ، لانها الاساس في تنامي معدلات الانحراف والجريمة ، لهذا أرجو من جميع الجهات إصدار القوانين والتشريعات التي تضمن الحفاظ على الاطفال وحمايتهم وتقديم الحصانة والعون لهم من خلال منع تسربيهم من المدارس ومنع إشتغالهم وتشغيلهم باي مكان مهماً كان وعدم السماح لهم بالمبيت في الشوارع والحدائق ومحاولة أصلاح ما يمكن إصلاحه قبل فوات الاون .

مسك الختام
إن خروج الطفل إلى الشارع له إفرازات عديدة ومخيفة ، فكل حالة تتميز بخصوصيتها عن الاخرى في وصول هؤلاء الاطفال الى هذه الحالة التي يعيشونها حالياً ، والتي غالبا ما يكون تخلي الأسرة عن وظائفها الجوهرية والتفكك التدريجي للروابط الأسرية تحت ظل ضغط الفقر والعوز المادي ، المسبب الرئيس في فتح المجال لهم للدخول في الشارع ، الذي يعد غير مؤطر تربويا ومحفوف بشتى المخاطر ، فالفقر الذي تعانيه أسرهم ، وعدم تلبية أبسط الحاجيات الأساسية لهم ، يعكس النسب المرتفعة للبطالة في صفوف آباء هؤلاء الأطفال ، الذين يعمل بعضهم ولكن ما يدر عليهم من أموال ضئيلة جداً ، تسهم في تشغيلهم وهم في سن مبكرة من أجل مواجهة المعيشة الصعبة ، أما تفكك الأسرة، وهذا جانب مهم وأساسي في لجوء هؤلاء الاطفال الى تلك الاعمال ، خاصة عن طريق الطلاق وغيرها ، بعد أن حرموا دفء الأسرة والعيش بعيداً عنها ، لينزلقوا في هاوية أعمال لا تتناسب وأعمارهم الصغيرة ، ليتخرجوا منها بشهادات مليئة بالانحراف والعدوان وحب الاعتداء على الاخرين .


محرر الموقع : 2015 - 03 - 06