تاهو تهنا تيهونا
    

هادي جلو مرعي

مراسل قناة فضائية، وبعد أن حصل على تصريح نادر لجنابي عن الوضع السياسي، ولمدة ثلاثين ثانية منحتها له من وقتي الثمين، وكان يتصبب عرقا بسبب الحر وعدم وجود مكيف هواء صالح في مكتبي المتواضع، وبعد أن رأى مني وسمع حزنا وقهرا على مايجري في العراق، وكيف ينحرف النظام السياسي والديني ليتحول الى عبء على أكتاف البسطاء والمحرومين الذين صاروا كريشة تلعب بها الريح فتأخذها يمنة ويسرة وتلقي بها في البعيد، وربما تطير بها في أفق مترام، وهكذا هم العراقيون يضحك عليهم كل تافه ومنحط وموتور منذ أوجدهم الله على أرضه، فلم يحكمهم شريف، ولم يتسلط عليهم إلا جلاد وضيع غير معروف النسب، قاتل وحرامي ومنحرف وشاذ.

قال لي المراسل وكأنه يصدمني، وكأنه يتجاهل أنني مثل كلكامش أعرف مالا لايعرفه غيري مع إني في سري أعتقد بجهلي، قال، كنت أزور مرقد الحسين بن علي وفي منطقة قريبة مرت أربع سيارات تاهو، والتاهو نوع من أنواع السيارات الفارهة والغالية، وفيها رجل يضع العمامة على رأسه وخلفه العديد من التاهوتات أو التاهواتات، أو التاهو تاهو، وهو رجل معروف عنه الورع ومن محاربي الفساد. طبعا فالمراسل كان مصدوما ياعيني وقال لي، إنه تعود كثيرا سماع خطب هذا الرجل ذو الشيبة في كل جمعة وهو يرتقي منبرا من منابر الدين ويهاجم المفسدين، ويتساءل، من أين له التاهو؟

في مرة من المرات، وكنت أزور النجف، وقريبا من المقبرة، رأيت سيارة فارهة رباعية الدفع لاأعرف من أية فصيلة من فصائل السيارات هي، وكان يقودها رجل يضع على رأسه عمامة سوداء وهو جميل الوجه حسن الثياب، وكان يتحدث عبر الهاتف ويسير ببطء في الطريق، نظرت إليه وفكرت وفكرت كثيرا لكني لم أعرف من هو، وبقيت أفكر بعد أن رجعت الى بغداد الخربانة، ودخلت على الأنترنت وظللت (أبحوش وأبحوش وأبحوش) حتى عرفته، أوه إنه سيد فلان عضو البرلمان من الكتلة الفلانية، وقلت يا عزا. وبمرور الأيام إكتشفت سذاجتي ومقدارها فالفاسد في العراق ليس الإنسان فحسب بل النظام الموضوع. خذ مثلا في العمل البرلماني، يرشح المواطن التعبان الجربان الحفيان الى إنتخابات مجالس المحافظات أو مجلس النواب، ويفوز، فيجد أنه يتقاضى راتبا خياليا، ويكون لديه حماية وسيارات وإمتيازات وأضواء تلفزيونية ونسوان عدا عن زوجته الأولى منتهية الصلاحية فكيف لايطغى وينفجر في طغيانه، ثم تفتح له أبواب النعيم ويحصل على جواز دبلوماسي ويسافر كيف شاء وأنى شاء!

الفساد في العراق في النظام الموضوع أصلا وهو نظام فاسد وضعه مجموعة من النفعيين أتاحوا لأنفسهم مالم يتح لغيرهم من العامة من الناس الذين يعيشون في جحيم الحر والجوع والبطالة والمرض والسرطانات والأوبئة، وهو نظام يرغم كل من يتبوأ منصبا أن يكون فاسدا ومفسدا وضالا ومضلا. فإذا أردنا أن نغير الحال في هذا البلد فلا بد من تغيير النظام الفاسد ومن وضعه وتلك القوانين التي شرعت لتكون سيفا على رقاب الناس، فتحمي الفاسد وتعاقب الضحية. وبعد أن كنا ننتظر الفرج للتخلص من نظام سياسي فاسد يأتي ماهو أتعس منه ليتحول الفساد الى حديقة عامة متاح لجميع العراقيين دخولها، لكن المشكلة تكمن في التزاحم على باب الحديقة فمنهم من دخل، ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا.

محرر الموقع : 2016 - 07 - 27