ممثل المرجعية العليا في اوربا يقول :ليس الهدف من تشريع فريضة الصوم هو الامتناع عن المفطرات فحسب، وانما هو التفاعل مع أهدافه الروحية والاخلاقية والاجتماعية والعبادية والصحية وغيرها
    

 

 

بارك ممثل المرجعية العليا في اوربا السيد مرتضى الكشميري للمسلمين بحلول شهر رمضان المبارك ،قائلا، ليس الهدف من تشريع فريضة الصوم هو الامتناع عن المفطرات فحسب، وانما هو التفاعل مع أهدافه الروحية والاخلاقية والاجتماعية والعبادية والصحية وغيرها

 

 

واليكم نص الحديث:
قال رسول الله (ص) لجابر بن عبد الله (يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من ليله وعف بطنه وفرجه وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر، فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث، فقال رسول الله (ص): يا جابر وما أشد هذه الشروط).
نعيش هذه الأيام بشهر الرحمة والمغفرة والانابة والتوبة شهر جعل الله فيه انفاس الصائمين تسبيح ونومهم فيه عبادة واعمالهم فيه مقبولة، وغير ذلك من المزايا ومن ابرزها ان فيه ليلة تعادل الف شهر (ليلة القدر خير من الف شهر)) ولا يمكننا ان نستوفي الكلام عنه في هذه الوقفة القصيرة ولكن سنتناول فضلا من فضائله الذي امتاز به على بقية الشهور الا وهو الصيام الذي كتبه الله علينا بقوله ((كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)) اذا فماذا يعني الصيام ؟
الصيام له مدلولان: المدلول الشرعي والمدلول التربوي:

اما المدلول الشرعي: فهو امتناع الصائم عن المفطرات العشر من طلوع الفجر الى مغيب الشمس بأن يكف عنها خلال الفترة الزمنية المعينة، وينبغي الاحتياط ببعض الدقائق قبلا وبعدا للتيقن بدخول الوقت تفاديا من وقوعه في المحذور الشرعي. وهذا هو الصيام بمدلوله الشرعي.
اما المدلول التربوي: فالصوم في حقيقته وجوهره ليس فقط الامتناع عن المفطرات، وانما له غايات تربوية يتعين على الصائم تحقيقها والتفاعل معها، من ذلك:

1- كف الجوارح عن المعاصي: بان تعلم ان الله عز وجل قد من عليك بجوارح تستعملها في طاعته وليس في معصيته، مثلا فاللسان جارحة انعمها الله على العبد ليستعملها في طاعته كذكر الله من استغفار وتسبيح وقول الحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءة القران وقضاء حوائج الناس وغيرها من الأمور التي ترتبط باللسان ، ولا نستعمل هذا اللسان في الكذب والغيبة والنميمة والبهتان وغيرها من المعاصي، لان مثل تلك الاعمال المنكرة تذهب بحسنات الفرد وتأكلها كما تأكل النار الحطب، فعلى المؤمن ان يضبط نفسه وينزه لسانه من هذه الأمور لقول امير المؤمنين (ع) (كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء، حبذا نوم الأكياس وإفطارهم)، وعن الامام الصادق (ع) (الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) وقال (ص) (من اغتاب امرء مسلما بطل صومه، ونقض وضوؤه، وجاء يوم القيامة تفوح منه رائحة أنتن من الجيفة يتأذى به أهل الموقف، فان مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرم الله) والبطلان هنا بمعنى ((فحبطت اعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا)).
وكذلك حاسة السمع يجب ان لا نستعملها في استماع المنكر والغناء واللغو وما لا يرضي الله من الاحاديث والاقاويل الباطلة التي نكون محاسبين عليها لقوله تعالى ((ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد)) و ((ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا)).
فلذا ينبغي للمؤمن ان يصون جوارحه ولا يستعملها الا في طاعة الله، فرسول الله (ص) يقول (أيسر ما افترض الله على الصائم في صيامه ترك الطعام والشراب)، بينما الصيام مدرسة تعلمنا الاخلاق والحب والتعاطف مع الاخرين، فعلى الصائم ان يحقق هذه الأهداف التربوية لقوله تعالى ((يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)).

2- الاكثار من الصلاة والدعاء والاستغفار وتلاوة القران، فتلك فرصة ثمينة للطاعات، لان في شهر رمضان تنشط النفس للعبادة وتنشط الروح للطاعة، فاللازم ان نستغل هذا النشاط بشكل مكثف لان العبادة تتضاعف والصلاة تتضاعف فيه ، وقد ورد في الأثر ان الصلاة الواحدة والفريضة الواحدة تعدل سبعين في غير شهر رمضان، وقيام ليلة فيه تعدل ثواب سبعين ليلة في غيره، فعلينا ان نستمر على هذه العبادات تقربا الى الله سبحانه وتعالى، فهو شهر المغفرة والرحمة، ولذا ينبغي للمؤمن ان يقضي وردا من ليله يتنفل فيه بعض الركعات يناجي ربه لترتفع روحه عن ماديات هذه الدنيا وزخارفها وتتصل بالرفيق الأعلى منقطعا الى ربه ويدعوه. ومثل هذه الحالة تخلق منه انسانا نزيها مستقيما، فنسال من الله جل وعلا التوفيق لذلك.

3- الصدقات واعمال البر وافعال الخير، ومنها في هذا الشهر الفضيل تفطير الصائمين، قال رسول الله (ص) (من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، قيل: يا رسول الله (ص) وليس كلنا يقدر على ذلك، فقال (ص): اتقوا النار ولو بشربة من ماء)، وعن الامام الصادق (ع) انه قال (دخل سدير على أبي في شهر رمضان فقال: يا سدير هل تدري أي ليال هذه؟ فقال: نعم فداك أبي هذه ليالي شهر رمضان فماذا؟ فقال له: أتقدر على أن تعتق في كل ليلة من الليالي عشر رقاب من ولد إسماعيل؟ فقال له سدير: بأبي أنت وأمي لا يبلغ مالي ذلك! فما زال ينقص حتى بلغ به رقبة واحدة في كل ذلك يقول لا أقدر عليه فقال له: فما تقدر ان تفطر في كل ليلة رجلا مسلما؟ فقال له: بلى وعشرة فقال له أبي: فذاك الذي أردت، يا سدير افطارك أخاك المسلم يعدل رقبة من ولد إسماعيل). فهذا لون من التألف الاجتماعي في الإسلام، فالمسألة ليست ان تعطي الصائم شربة ماء او شقة تمر او مذقة لبن وانما هي روح المحبة والصفاء والتحاب، وهكذا بقية الاعمال كالصدقة التي فيها غفران الذنوب وستر العيوب وغير ذلك من فضائل هذا الشهر الذي ذكرها النبي (ص) في استقبال شهر رمضا.

اللهم قد حضر شهر رمضان، وقد افترضت علينا صيامه وأنزلت فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، اللهم أعنا على صيامه، وتقبله منا، وسلمنا فيه، وسلمه منا، وسلمنا له في يسر منك وعافية، إنك على كل شئ قدير يا أرحم الراحمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محرر الموقع : 2023 - 03 - 28