ممثل المرجعية العليا في اوربا يعزي العالم الإسلامي بوفاة أبي طالب عم النبي (ص) وحاميه وناصره (ع) ويوصي المسلمين بتحفيظ أبنائهم شعره العقائدي لما فيه من تقوية عقيدتهم وايمانهم بالله عز وجل
    

عزى ممثل المرجعية العليا في اوربا السيد مرتضى الكشميري العالم الإسلامي بوفاة أبي طالب عم النبي (ص) وحاميه وناصره (ع) ،موصيا المسلمين بتحفيظ أبنائهم شعره العقائدي لما فيه من تقوية عقيدتهم وايمانهم بالله عز وجل، وبه أوصى أئمة اهل البيت (ع) ، ويتأسف لاهمال المسلمين عدم درج ذكرى يوم وفاته في حوادث السنة

 

جاء حديثه هذا بمناسبة وفاة أبو طالب عم النبي (ص) والتي تصادف (على رواية) 7 رمضان من السنة العاشرة للبعثة النبوية. ولأهمية هذه الشخصية في خدمة الدعوة الإسلامية نحتاج الى اكثر من محاضرة ومحاضرة، ومجالنا لا يساعدنا على تفصيل الكلام فيه. غير ان المحزن في حياته بان المسلمين والمراكز الإسلامية في اوربا وغيرها لم تخصص له يوما خاصا كما يقومون لذكريات أئمة اهل البيت (ع) ، في حين ان لهذا الرجل اكبر الفضل على الاسلام والمسلمين لما قام به من تضحية وفداء في سبيل بناء الاسلام والدعوة اليه ونصرة النبي (ص)، من ذلك انه كان رضوان الله عليه يفدي رسول الله (ص) بأبنائه حفاظا على حياته. وقد توارث هذه التضحية والنجدة أحفاده الطاهرون كما نراه في مساهمتهم الجليلة في واقعة كربلاء وما ابلوه فيها من بلاء حسن في نصرة الامام الحسين (ع).
ومن هنا كان النبي (ص) واهل البيت (ع) يعظمون جهاده ومواقفه النابعة من اعتقاده بالاسلام وبنبوة النبي (ص)، وبهذا اجمعت رواياتهم على ايمانه، وان نوره يطغى يوم القيامة على كل نور ما عدا نور النبي المصطفى (ص) وعلي المرتضى (ع) وفاطمة الزهراء (ع) والائمة الاطهار (ع).
بل نستطيع الجزم بان أبا طالب كان مؤمنا وعلى ملة إبراهيم الخليل (ع) قبل نبوة النبي (ص)، وقد ورد هذا المعنى في القضية التي ذكرها صاحب السيرة الحلبية وغيره من كتب العامة والخاصة، وملخصها بان السماء منعت قطرها حتى أجدبت الأنواء وأخلفت العواء ، وإذا قريش حلق قد ارتفعت لهم ضوضاء، فقائل يقول: استجيروا باللات والعزى، و قائل يقول: بل استجيروا بمناة الثالثة الأخرى، فقام رجل من جملتهم يقال له ورقة بن نوفل عم خديجة بنت خويلد فقال: فيكم بقية إبراهيم، وسلالة إسماعيل، فقالوا كأنك عنيت أبا طالب؟ قال: إنه ذلك ، فقاموا إليه بأجمعهم وقمت معهم ، فقالوا يا أبا طالب قد أقحط الواد وأجدب العباد، فهلم فاستسق لنا، فقال: رويدكم دلوك الشمس وهبوب الريح، فلما زاغت الشمس أو كادت، وافى أبو طالب قد خرج وحوله أغيلمة من بني عبد المطلب، وفي وسطهم غلام أيفع منهم كأنه شمس دجى تجلت عنه غمامة قتماء ، فجاء حتى أسند ظهره إلى الكعبة في مستجارها، ولاذ بإصبعه و بصبصت الأغيلمة حوله وما في السماء قزعة ، فأقبل السحاب من ههنا ومن ههنا حتى كث ولف وأسحم وأقتم وأرعد وأبرق وانفجر له الوادي ، فلذلك قال أبو طالب يمدح النبي (ص):

وأبيض يستسقى الغـمام بوجهـه                 ثـمال اليتـامى عصـمـة لـلأرامـل
يلـوذ به الهـلاك من آل هـاشـم                 فـهـم عـنـده في نـعـمـة وفواضل
كـذبتم وبيت الله يـردى محمـد                 ولمـا نـقـاتـل دونـــه ونـنـاضـل
ونسلمه حتى نـصـرع حـولــه                 ونـذهــل عـن أبـنـائـنا والحلائل

والجدير بالذكر ونحن في مقام الحديث عنه ، ان لابي طالب ديواناً من الشعر في الاسلام وفي رسول الله (ص) يربو على ثلاثة الاف بيت، وهو مما حُفظ له وجُمع حتى وقف عنده الادباء والمؤرخون معجبين ومتعجبين: انه كيف يقال هذا الشعر في تلك الظروف على مسمع من قريش والمشركين واليهود، حيث ان في اشعاره التأييد الواضح والنصرة والمجاهدة المتحدية والايمان الصادع والموقف الصادق والثابت !
ولهذا كان الائمة (ع) يوصون اتباعهم بتحفيظ ابنائهم شعر ابي طالب لما فيه من تقوية عقيدتهم وايمانهم بالله. وكان الامام علي (ع) يعجبه ان يروى شعر ابي طالب وان يدوّن، وكان يقول: حفظوا وعلموا اولادكم شعر ابي طالب فانه كان على دين الله وفيه علم كثير. وبمثل هذا كان الامام السجاد (ع) يوصي اصحابه، بل وكان رسول الله (ص) يفرح عندما يستمع لشعره.
ولهذا فقد الف الكتاب والمحققون والمتابعون عشرات الكتب ، الى جانب البحوث المستفيضة في عشرات الكتب والمبثوثة في ثنايا الموسوعات الخاصة والعامة، وقد نقل العلامة الشيخ الاميني في الغدير عن جماعة من اهل السنة انهم ذهبوا الى ما ذهبنا اليه من ايمانه، وكتبوا الكتب والبحوث في اثبات ذلك، كالبرزنجي في اسنى المطالب والأجهوري والاسكافي وابي قاسم البلخي وابن وحشي في شرحه لكتاب (شهاب الاخيار) والتلمساني في (حاشية الشفاء) والشعراني وسبط بن الجوزي والقرطبي والسبكي وابي طاهر السيوطي وغيرهم، بل حكم عدد منهم كأبن وحشي والأجهوري والتلمساني بأن من ابغض ابا طالب فقد كفر او ان من يذكره بمكروه فقد كفر. ولكن لقلة اطلاع البعض او جهلهم او تعصبهم ضد ابنه الامام علي (ع) او عداوتهم لاهل البيت (ع) قالوا بأن ابا طالب مات مشركا مستندين الى ادعاءات باطلة، معرضين عن البراهين الجلية التي تشهد بايمانه فضلا عن اسلامه انتصارا لأعدائه من الامويين والعباسيين.
واعجب من قول ابن ابي الحديد المعتزلي هذه الشخصية العلمية العملاقة التي اول من شرحت نهج البلاغة قوله في حق ابي طالب:

فتحرّجت أن أحكم بذلك حكماً قاطعاً لما عندي من التوقّف فيه ، ولم استجز أنْ أقعد عن تعظيم حق أبي طالب، فإني أعلم أن حقّه واجب على كلّ مسلم في الدنيا إلى أن تقوم الساعة ، فكتبتُ على ظاهر المجلَّد :
ولولا أبو طالب وابنه                 لما مثل الدين شخصاً فقاما
فذاك بمكة آوى وحامى                 وهذا بيثرب جسَّ الحِماما

وفي الختام ونحن نعيش اليوم في ذكرى وفاته نشير الى شيء مما ذكره الشبلنجي الشافعي في كتابه نور الابصار في حديث مفصل، وموضع الشاهد منه ان الامام علي عندما اخبر رسول الله (ص) بموت ابيه بكى، فقال النبي (ص) امض يا علي فتول امره وتول غسله وتحنيطه وتكفينه فإذا رفعته على سريرته فأعلمني، ففعل ذلك أمير المؤمنين (ع) فلما رفعه على السرير اعترضه النبي (ص) فرقّ وحزن وقال (ص) مخاطبا عمه: وصلت رحما وجزيت خيرا يا عم فلقد ربيت وكفلت صغيرا، ونصرت وآزرت كبيرا، ثم أقبل على الناس وقال: أما والله لأشفعن لعمي شفاعة يعجب به أهل الثقلين.
فسلام الله عليك يا أبا طالب يوم ولدت ويوم عشت ويوم رحلت عن هذه الدنيا الى ربك لتلقاه راضيا مرضيا

محرر الموقع : 2023 - 03 - 29