بذكرى ولادة الامام الحسن السبط (ع) ...ممثل المرجعية العليا في اوربا : ينبه الجيل الواعي الى ان يتاكدوا من صحة ما ينسب للائمة (ع) من أمور، ويلتفتوا الى ان الأعداء يحاولون تزوير حقائق التاريخ مما برر للغربيين وغيرهم الإساءة لنبي الإسلام (ص) وعترته الطاهرة (
    

هنــأ ممثل المرجعية العليا في اوربا السيد مرتضى الكشميري العالم الإسلامي بذكرى ولادة الامام الحسن السبط (ع) ،داعيا الى الاقتداء بأخلاق سيد شباب اهل الجنة الذي كان مثالا كريما للخلق النبوي الرفيع ، ومنّبها الجيل الواعي الى ان يتاكدوا من صحة ما ينسب للائمة (ع) من أمور، ويلتفتوا الى ان الأعداء يحاولون تزوير حقائق التاريخ مما برر للغربيين وغيرهم الإساءة لنبي الإسلام (ص) وعترته الطاهرة (ع)

 

 

واليكم نص حديثه الذي جاء بمناسبة هذه الذكرى الكريمة في ديوان الكفيل بلندن حيث قال: ان الإمام أبي محمد الحسن الزكي (ع) أول الأسباط من نسل محمد (ص) سيد الأنبياء و نسل علي (ع) سيد الاوصياء، وأول من اجتمع فيه نور النبوة والإمامة فكان مجمع النورين وأحد النيرين و ملتقى البحرين ((مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ)) علي بحر نور الإمامة و فاطمة بحر نور النبوة و الكرامة.
هذا الإمام العظيم ذو الشأن الكبير سيد شباب أهل الجنة الذي كان له من العلم والفضل والكمال ما تعجز عن تسطيره الأقلام ويضيق المقام بذكره، ولكن من المؤسف انه تعرض الى افتراءات كبيرة وخطيرة لغرض تضعيف شخصيته (ع) أمام خصومه ومناوئيه. وقد نقلها بعض كتاب العصر الحديث في كتبهم وأرسلوها إرسال المسلمات دون التثبت من مصادرها وحقيقتها ودوافعها والغاية التي وضعت من أجلها.
ولهذا فنحن مع أولئك الذين يدعون إلى إعادة كتابة التاريخ الاسلامي بموضوعية وبأيادٍ أمينة بعيدة عن التعصب والنصب؛ لأن تاريخ المسلمين قد كتب وفق أمزجة حكام العصر وأهوائهم من أمويين وعباسيين وغيرهم، وجاء المتأخر من المؤرخين ينقل عن المتقدمين دون أن يبحث عن دوافع من كتب وما كتب خصوصا فيما يرتبط بتاريخ النبي (ص) والعترة الطاهرة من أهل بيته (ع) وأتباعهم.
ولهذا السبب نجد ان بعض الغربيين استندوا في إساءتهم إلى النبي (ص) إلى مثل هذه الأكاذيب وتجرؤوا على رسم الكاريكاتيرات لتشويه صورته (ص)، في حين أن سفارة الأنبياء ومقامهم أجل وأسمى من أن تتسرب إليه مثل هذه الشكوك والأوهام، وإلا لما كان النبي موضع ثقة لأخذ الأحكام الإلهية عنه؛ ومن اجل هذا كان معصوماً عن الخطأ والزلل بنص آية التطهير وغيرها من الآيات المباركة والأدلة العقلية والنقلية.
ونحن لا ننسى دور كعب الأحبار ووهب بن منبه والمنافقين في نشر الأكاذيب في تاريخ المسلمين وتفاسيرهم ودس السموم فيها ووضعها كقنابل موقوتة تنفجر في حينها وهو ما نراه في عصرنا الحاضر مما جعل مرضى النفوس ان يتصيدوا في الماء العكر.
حتى جاء المتأخرون من أنصاف رجال الدين يبحثون عن ضالتهم في هذه الملفات المزورة ليتخذوا منها زاداً يغذون به شباب العصر وناشئته ويصورون لهم بأن من يقتل ويحرق ويغرق ويفجر ويفتك بالمسلمين وأتباع أهل البيت (ع) هو من المقربين إلى الله وإلى رسوله وهو معه في الجنة.
فوظيفتنا في هذه الأيام أن نكون على وعي تام لما نقرأ ونسمع؛ لأن (من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يؤدي عن الله عز وجل فقد عبد الله وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان) كما في الرواية الشريفة.
فعلى الجيل الواعي أن يتمسك بالعروتين الوثيقتين الهاديتين إلى الصراط المستقيم كتاب الله والعترة الطاهرة فإن المتمسك بهما لن يضل عن الطريق؛ لأنهما حبل الله المتين والعروة الوثقى التي أمرنا باتباعها وإليهما الإشارة بقوله (ص) (إني خلفت فيكم الثقلين إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي اهل بيتي)، وقوله (ص) لعمار في ما يرويه الفخر الرازي (ومَن اقتدى في دينه بعليّ بن أبي طالب فقد اهتدى)، وقوله ايضا (يا عمار إذا رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ودع الناس ، فإنه لن يدلك على ردى ، ولن يخرجك من هدى).
ولهذا كان النبي وعترته الطاهرة هم القدوة التي يجب ان نقتدي بها ((لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة)) وعلينا أن ننقل إلى الناس محاسن كلامهم وحسن أخلاقهم وكيفية تعاملهم مع أعدائهم فإنهم إن استمعوا إليها أحبوا الإسلام وتمسكوا به. ولنا في سيرة الامام المجتبى الحسن بن علي (ع) وكرم أخلاقه ما يكون لنا قدوة وعظة وعبرة لنا ولأبنائنا.
ومن ذلك ما ذكره المؤرخون من أنه اجتاز عليه شخص شامي ممن تربى على غلظة الأخلاق وخشونتها فجعل يكيل للإمام (ع) السب والشتم والإمام ساكت لم يرد عليه شيئا من مقالته. وبعد الفراغ التفت إليه الإمام مخاطبا إياه بلطيف القول وببسمة فياضة بالبشر قائلا: (أيها الشيخ أظنك غريبا ، ولعلك شبهت؛ فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك ..) وما زال يلاطف الشامي بهذا ومثله ليقلع روح العداء والشر من نفسه حتى ذهل ولم يطق رد الكلام و بقي حائرا خجلا كيف يعتذر للإمام و كيف يمحو ذنبه، ثم بكى وقال: ((الله أعلم حيث يجعل رسالته)).
وكان من الطّبيعي أن يفعل الإمام الحسن (ع) ذلك مع هذا الإنسان المغرر حتى يرشده إلى الطريق الصحيح. وعلينا أن نتعلّم من هذه الأخلاق، ونأخذ بهذا المنهج الذي يجب أن نسير عليه ونفهم عمقه، لنتمكَّن من مواجهة الأجهزة التي ـ منذ بدء التاريخ وحتى الآن ـ تحاول أن تغيّر للناس أفكارهم، سواء كان ذلك بما يتصل بالدِّين أم المذهب أم السياسة أم الشّخص، بحيث تنطلق هذه الأجهزة في كلِّ عناصرها البشرية وآلياتها الإعلامية، في تشويه صورة شخصٍ ما، بأن تنسب إليه الكثير من الباطل أو السوء أو الشر مما ليس فيه وليس من أخلاقه، حتّى يأخذ الناس هذه الصورة المشوّهة عنه، فيعيشوا السلبية تجاهه، ليسبّوه ويلعنوه ويكفّروه ويضلّلوه.
وكانت خطة الأعداء غسل أدمغة المسلمين بتأكيد بغض علي وأهل بيته (ع)، حتى لا يأتي بعده من يحمل رسالته وينطلق بالقيادة. ولذا أراد الإمام الحسن (ع) أن يغيّر منهجية هذا الشيخ من خلال التفكير بالواقع بعد أن غُسل دماغه بالباطل، واستطاع الإمام (ع) أن يربح صديقاً بعد أن كان عدوّاً تأكيداً للمنهج القرآني ((ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)). ولكن مشكلة الأسلوب الذي يتّبعه اليوم بعض المؤمنين والمتديّنين أنهم يحوّلون أصدقاءهم إلى أعداء، لأنهم لا يعرفون كيف يديرون الأمور في المشاكل التي يواجهونها، فيحطمون بذلك رموز الإصلاح، وهذا ما يخالف نهج علي والحسن (ع).
وهنا لقطة ثانية من كرم أخلاقه، فقد كانت عنده شاة فوجدها يوما قد كسرت رجلها فقال (ع) (من فعل هذا بها؟ قال الغلام: أنا. قال الإمام: لم ذلك؟ قال الغلام: لأجلب لك الهم والغم. فتبسم عليه السلام، وقال له: لأسرّنك)، فأعتقه وأجزل له في العطاء.
وهكذا كان (ع) مثالا للإنسانية الكريمة ورمزا للخلق النبيل لا يثيره الغضب ولا يزعجه المكروه، قد وضع نصب عينيه قوله تعالى: ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)).
وقد قابل جميع ما لاقاه من سوء وأذى ومكروه من الحاقدين عليه بالصفح الجميل حتى اعترف ألد أعدائه مروان بن الحكم بسمو حلمه وعظيم خلقه وذلك حينما انتقل الإمام الحسن (ع) إلى الرفيق الأعلى فبادر مروان إلى حمل جثمانه فقال له سيد الشهداء (ع) (أتحمل جثمانه وكنت تجرّعه الغصص؟!) قال مروان: كنت أفعل ذلك بمن كان يوازي حلمه الجبال.
لقد كان الإمام كجده الرسول (ص) في سعة حلمه وعظيم أخلاقه وصفحه عمن أساء إليه وقد روى لنا التاريخ نوادر كثيرة من أخلاقه دلت على أنه في طليعة المساهمين في بناء الأخلاق والآداب في دنيا المسلمين. وما أحرانا اليوم ونحن نعيش الذكرة العطرة ان نقتدي بهذه الاخلاق النبوية السامية حتى نستطيع ان نبني الجماعة الصالحة من المسلمين التي نحن احوج ما نكون اليها اليوم. ولو تتبعنا سيرة أعلام النبوة والصحابة الأجلاء لرأينا فيها من العظات والعبر ما يكون زاداً لحاضرنا ومستقبلنا ولأنفسنا وأبنائنا.
نسأل من المولى سبحانه وتعالى بعظمة هذا الشهر وببركة كريم أهل البيت (ع) أن يجعلنا من السائرين على هديه هدي النبوة والمقتفين أثره إنه ولي التوفيق.

 

 

 
محرر الموقع : 2023 - 04 - 06