ممثل المرجعية العليا في أوروبا يجيب عن التساؤلات التي تدور هذه الأيام حول زيارة الإمام الحسين (ع) ومشروعيتها
    

 

أجاب ممثل المرجعية العليا في أوروبا السيد مرتضى الكشميري عن التساؤلات التي تدور هذه الأيام حول  زيارة الإمام الحسين (ع) ومشروعيتها ،ولماذا نتحمل التعب والعناء من أجل زيارته؟ وهل هي واجبة أو مستحبة؟

 

 

وللتوضيح جاء نص الجواب: 

 

إن لزيارة الامام الحسين(ع) آثارا دينية ودنيوية وأخروية عظيمة وهذا ما أرشدتنا إليه الأحاديث الواردة عن النبي (ص) وعترته الطاهرة (ع)، فمنها قول النبي (ص) لعائشة في حديث: (فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي، قالت: يا رسول الله حجة من حججك، قال: نعم حجتين من حججي، قالت: يا رسول الله حجتين من حججك، قال: نعم وأربعة، قال: فلم تزل تزاده ويزيد ويضعف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأعمارها). ومنها قول الإمام الباقر(ع): (مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فإن إتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة من الله عز وجل) ومثله ما أجاب به الإمام الصادق(ع) أم سعيد الأحمسية حينما سألته عن زيارة الإمام الحسين(ع) فقال لها:(يا أم سعيد زوريه فإن زيارته واجبة على الرجال والنساء) إلى غير ذلك من الروايات الواردة عن الأئمة(ع) في فضل زيارته والتي لا يسعنا ذكرها في هذا المختصر. 

 

ويظهر من بعض هذه الروايات وجوب الزيارة كوجوب الصلاة والحج، غير أن علماءنا العظام انقسموا في تفسيرها على ثلاثة أقوال: 

 

الأول: آخذ بظاهرها فقال بالوجوب على الرجال والنساء لقوله (ع): (مفترضة). فتجب على المؤمن الزيارة في العمر مرة ما لم يكن هناك حرج أو ضرر كما يجب عليه الحج في العمر مرة.

 

القول الثاني: أنها ليست واجبة عينا على كل المؤمنين وإنما هي واجبة بالوجوب الكفائي ومعناه أنه إذا قام البعض بها سقطت عن البعض الآخر نظير الصلاة على الميت وتغسيله وتكفينه.

 

القول الثالث -وهو المشهور والمفتى به قديماً وحديثاً-: أن زيارة الحسين(ع) ليست واجبة وجوبا عينياً أو كفائياً وانما هي مستحبة استحبابا مؤكداً، وأما التعبير عنها بالفريضة فيبدو أنه من باب بيان أهميتها وعظم أجرها وأن من لم يؤدها فقد جهل حق الحسين(ع) وحق رسول الله (ص) وحق الرسالة الذي أشارت إليه الآية الشريفة: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى).

 

هذا وكيفية الزيارة المطلوبة هي أن يقصد المؤمن قبره الشريف ويقطع المسافة إليه إن أمكنه ذلك. وفي حال التعذر وعدم الإمكان ينتقل إلى زيارته عن بعد كما جاء في الخبر المروي في كامل الزيارات: دخل حنان بن سدير الصيرفي على أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده جماعة من أصحابه، فقال:يا حنان بن سدير تزور أبا عبد الله (عليه السلام) في كل شهر مرة؟ قال: لا، قال: ففي كل شهرين مرة؟ قال: لا، قال: ففي كل سنة مرة؟ قال: لا، قال: ما أجفاكم لسيدكم، فقال: يا بن رسول الله قلة الزاد وبعد المسافة، قال :ألا أدلكم على زيارة مقبولة وان بعد النائي، قال: فكيف أزوره يا بن رسول الله؟ قال:اغتسل يوم الجمعة أو اي يوم شئت، والبس أطهر ثيابك واصعد إلى اعلا موضع في دارك أو الصحراء، واستقبل القبلة بوجهك بعد ما تبين ان القبر هناك، يقول الله تبارك وتعالى: (أينما تولوا فثم وجه الله) ثم تقول:السلام عليك يا مولاي وابن مولاي، وسيدي وابن سيدي، السلام عليك يا مولاي يا قتيل بن القتيل، الشهيد بن الشهيد، السلام عليك ورحمة الله وبركاته…)

 

وهنا يرد السؤال: لماذا هذا التأكيد من النبي (ص) والأئمة( ع) على زيارة الحسين (ع) دون غيره من المعصومين؟ 

 

والجواب: أن الحسين (ع) قد امتاز من بين الأئمة (ع) بدور بالغ ومهمة عظيمة وهي أنه قد ضحى بنفسه وأهله وما يملكه لإحياء دين جده رسول الله (ص) والإبقاء عليه، ولسان حاله ما قاله الشاعر: (إن كان دين محمد لم يستقم * إلا بقتلي يا سيوف خذيني)، وقد أشار إلى ذلك رسول الله (ص) بقوله: (وأنا من حسين) يعني أن بقاء الإسلام وبقاء الشريعة سيكون بالحسين(ع) فالإسلام محمدي الحدوث حسيني البقاء. وهذا ما نراه متجسداً بشكل واضح في هذا الزمان بعد أربعة عشر قرناً من شهادته (ع)، فما زالت شعائر الحسين من مجالس ومآتم وبكاء وإبكاء وزيارة وخدمة تعيد للإسلام جدته ونضارته وحيويته وتربط المؤمنين بدينهم أيما ارتباط، كما أنها طالما وقفت سداً منيعاً أمام الأفكار الإلحادية والمنحرفة التي يحاول الأعداء بثها بين الحين والآخر والتغلغل بها إلى عقول شبابنا وأبنائنا. فالارتباط بالحسين (ع) بحق هو عصب الإسلام المحمدي وضمانة ديمومته وبقائه. وبذلك يتجلى السر في حث الأئمة (ع) وتأكيدهم -وتبعهم علماؤنا العظام- على زيارة الحسين (ع) وإقامة شعائره والتمسك به. هذا أولاً.

 

وثانيا: الفوائد الدينية التي يجنيها الزائر من زيارته للمرقد المطهر.. فمنها زيادة معرفة الزائر بمقام المعصوم (ع) وارتباطه الروحي بمبادئه وقيمه. فحينما يقف الزائر على قبر الحسين(ع) فهو يتذكر جهاده ومواقفه وما جرى عليه من أجل الإسلام ومن أجل الحفاظ على أركانه فيستلهم من ذلك قيم الإباء والتضحية والوقوف بوجه الظلم والظالمين، كما تزداد معرفته بشخص الإمام (ع) عندما يقرأ صفاته التي تبينها الزيارات المروية عن المعصوم كزيارة وارث والزيارة الجامعة وغيرها. ولذلك ربطت الروايات الثواب بأن يكون الزائر عارفا بمقام الإمام (ع) ومنزلته كقوله (ع):(من زار الحسين عارفا بحقه وجبت له الجنة) أي عارفا بحقه بأنه إمام وأن الزائر مأموم وعلى المأموم أن يطيع أوامر إمامه لا أن يتجاهل حقه فتزداد العلاقة والانتماء للإمام وتتحول إلى مودة وحب عملي.

 

ومن الفوائد الدينية الأخرى اكتساب الأجر والثواب، والأحاديث في ثواب زيارته كثيرة جداً فمنها قول الإمام الصادق(ع):( من سره أن يكون على موائد النور يوم القيامة فليكن من زوار الحسين بن علي) وفي رواية: (من أراد أن يكون في جوار نبيه وجوار علي وفاطمة فلا يدع زيارة الحسين بن علي) وفي رواية (من أتى الحسين عارفا بحقه كتبه الله في أعلى عليين)، ومنها أن زيارته تعدل حج بيت الله الحرام والأحاديث في ذلك متظافرة ومنها الحديث النبوي المتقدم.

 

ومنها أيضاً ما تقدمت الإشارة إليه من أن زيارته نوع من المواساة وتجديد العهد مع الحسين (ع) والوفاء بجزء يسير من حقه على الإسلام والمسلمين حينما ضحى بأصحابه وأهل بيته وبنفسه لأجل هذا الدين، ولذا كان أئمة الهدى(ع)  يعقدون العزاء على الحسين ويذكرون الناس بما جرى في كربلاء ويبكون ويحثون على البكاء عليه.

 

وثالثاً: الفوائد الدنيوية وقد أشار إليها الإمام الباقر(ع) في حديثه المتقدم. فما ينفقه الإنسان في طريق الزيارة نظير ما ينفقه في طريق الحج فهو يوجب البركة في ماله ويعود عليه بالخير والنفع. هذا مضافاً إلى الصحة والعافية وزيادة العمر ودفع البلاء وقضاء الحوائج، وقد ورد عن الصادق(ع):(إن إلى جانبكم لقبراً ما أتاه مكروب إلا نفس الله كربته وقضى حاجته). هذا إلى جانب الفوائد الأخرى كالتعارف بين المؤمنين الزائرين من مختلف الأماكن كما هو الأمر في الحج.    

 

هذا ما سنحت الفرصة ببيانه من منافع وبركات زيارة الإمام الحسين(ع) وقد أوردناها على سبيل التمثيل لا الحصر. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ زوار الحسين (ع) ويوفقهم ويتقبل منهم وأن يكتبنا معهم إنه سميع مجيب.

 

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

محرر الموقع : 2023 - 08 - 27