ممثل المرجعية العليا في أوروبا :كان الإمام الرضا (ع) معجزة عصره وآية من آيات الإسلام علما وعملاً وفضلاً وأخلاقاً وسلوكاً - ويحذر الشباب من مغبة الأفكار الإلحادية والغزو الثقافي والفكري والاجتماعي
    

عزى ممثل المرجعية العليا في أوروبا السيد مرتضى الكشميري العالم الاسلامي بشهادة ثامن الأئمة الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، قائلا لقد كان الإمام الرضا (ع) معجزة عصره وآية من آيات الإسلام علما وعملاً وفضلاً وأخلاقاً وسلوكاً - ويحذر الشباب من مغبة الأفكار الإلحادية والغزو الثقافي والفكري والاجتماعي

 

جاء حديثه هذا في مركز الزهراء الثقافي في بوخارست بمناسبة إحياء أربعينية الإمام الحسين (ع) وشهادة الإمام الرضا(ع) التي تصادف يوم الأحد السابع عشر من شهر صفر الموافق للثالث من سبتمبر.

وقد استشهد(ع) مسموما على يد المأمون العباسي بالسم بعد بضع سنوات قضاها في ولاية العهد، وبذلك تحققت نبوءته بأنه يقتل غريبا مسموما ويدفن جنب هارون في أرض خراسان، وقد روي عن الإمام علي(ع):( سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسم ظلما اسمه اسمي واسم أبيه اسم ابن عمران).

وبالرغم من الظلم الذي واجهه الإمام الرضا(ع) أثناء تلك الفترة إلا أنه لم يترك أهل ملة أو دين أو مذهب إلا وأرسل إلى علمائهم وزعمائهم وعقد معهم مجالس الحوار والنقاش الحر المبسط، وكان الجميع يتلقى توجيهاته ونصائحه بالرضا والقبول، ومن أجل هذا لقب بالرضا لأنه رضي به المخالف المؤالف وقبل بقوله الصديق والعدو والقريب والبعيد، وبذلك رسم الصورة الحقيقية للخليفة الشرعي وجسد معنى الخلافة أمام الرأي العام فتميز الرشد من الغي والحق من الباطل والصحيح من المزيف، وصار الناس يلهجون علنا وفي الأندية والمجالس بفضل الرضا وعلو مقامه وأحقيته وأولويته بالخلافة من المأمون وغيره. وبالإضافة إلى هذا كان(ع) يسدي النصائح والإرشادات إلى المأمون ذاته فيما يتعلق بسلوكه الشخصي وبواجباته ومسؤولياته العامة وقد ذكر المؤرخون أن الإمام(ع) كان لا يجامل المأمون ويصارحه بالحق في كل مخالفاته ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر ولا تأخذه في الله لومة لائم كما في قصة السارق والوضوء وصلاة العيد وغيرها من القضايا المذكورة في المطولات من كتب السيرة، وكان ذلك أحد أسباب حقد المأمون عليه وإقدامه أخيرا على اغتياله بالسم.

ومن الحقائق التاريخية التي ينبغي أن تذكر: أنه بالرغم مما تحمله الامام (ع) من الأذى والمحن فإن الشيعة في عهده وعصر المأمون نالوا قسطا كبيرا من حقوقهم العامة والخاصة وتمتعوا بقدر كبير من حرية القول والرأي والعمل .

هذا وقد أجمع المؤرخون على أنه كان أفضل أهل زمانه وأكثرهم علما وعطاء وورعا وعدلا وعبادة قال أبو الصلت الهروي:(ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليهما السلام ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي).

وقد جمع المأمون العباسي العلماء والفقهاء وأئمة المذاهب والقضاة في مجالس متعددة لمناقشته(ع) والاحتجاج معه، فأفحمهم وبان عليهم العجز، واقر الجميع له بالفضل.

هذا ولم تقتصر علوم الامام الرضا (ع) على احكام الشريعة الاسلامية الغراء، بل شملت جميع انواع العلوم ومنها الطب، فقد كان علما من اعلامه ومتمرسا بجميع فروعه وجزئياته، ويدل على ذلك الرسالة الذهبية التي كتبها للمامون العباسي بعد مناظرته علماء الطب انذاك: (يوحنا بن ماسويه)، و(جبريل بن بختيشوع)،و(صالح بن بهلة الهندي).

وقد خاض هؤلاء القوم في البحوث الطبية والامام (ع) ساكت لم يتكلم بشيء فانبرى إليه المأمون

قائلا له بإكبار: ما تقول يا أبا الحسن في هذا الامر الذي نحن فيه اليوم و الذي لا بد منه من معرفة هذه الأشياء و الأغذية النافع منها و الضار و تدبير الجسد، فانبرى الامام مجیبا:(عندي ما جربته و عرفت صحته بالاختبار و مرور الأيام مع ما وقفني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الانسان جهله و لا يعذر في تركه فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج الى معرفته) . لقد كان الامام (ع) من خزنة الحكمة و من ورثة الأنبياء و عنده علم ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم و دنياهم، ومن هنا استجاب (ع) الى طلب المأمون فزوده بالرسالة الذهبية التي تضمنت امورا طبية لم تتوصل اليها النظريات الحديثة الا في وقت متأخر.

ونظرا لأهميتها فقد عكف على شرحها و ترجمتها جمهرة من العلماء بلغوا ١٩ عالماً نص عليهم في تقديم هذه الرسالة سماحة الحجة المحقق السيد مهدي الخرسان. فما احرانا ونحن نعيش في هذه العصور الجرداء ان نرجع الى تراث اهل البيت (ع) وما تركوه لنا من اثر علمي ومعرفي خصوصا أطباء العصر واساتذة الفن من مسلمين وغيرهم ليستفيدوا منها وينفعوا البشرية بذلك.

هذا ولولا ضيق المقام لذكرنا الكثير من مواقفه العلمية التي ينبغي لشباب اليوم أن يطلعوا عليها من سيرته وسيرة بقية الأئمة(ع) في الجانب العلمي والذين أناروا العالم بعلومهم ومعارفهم وطلبوا من أتباعهم أن يستفيدوا من هذه العلوم ويفيدوا الآخرين بها، فعن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا(ع) يقول:( رحم الله عبدا أحيا أمرنا فقلت له: وكيف يحيى أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا).

وعلوم آل محمد (ع) ليست كعلوم غيرهم مما يقبل الصحة والخطأ والزيادة والنقصان، فإنهم يستمدون علومهم من منبع العلم ونميره الصافي، كما قال الإمام الباقر (ع) لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: (شرقا وغربا فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا أهل البيت).

فعلى أبنائنا الواعين أن يرتبطوا بأئمتهم وعقيدتهم ولا ينبهروا بالرقي التكنولوجي في العالم ويتصوروا بأن هذا هو الرقي الحقيقي وينجرفوا وراء ما تفرضه القوانين المنحرفة والشاذة التي تشكل خطرا على عقائدهم ودينهم وأجيالهم فإن خطر هذه الأفكار عليهم أشد من خطر الأمراض الجسمية التي يصابون بها، وإلى هذا أشار أمير المؤمنين(ع) بقوله:(عجبت لمن يتفكر في مأكوله كيف لا يتفكر في معقوله ويجنب بطنه ما يؤذيه ويودع صدره ما يرديه)، فإن مرض البدن أهون من مرض العقل لأن الأول يشفى عن طريق الدواء سريعا وأما الثاني فيؤدي به إلى الهلكة وخسارة الدنيا والآخرة.

ونحن في هذا العصر نعيش أمام انحدار أخلاقي وتحديات كبيرة في تربية الأبناء وللأسف فإن الكثير من الأسر المسلمة تتساهل مع هذا الانفتاح التقني فيمكنون أطفالهم من الأجهزة الحديثة ولا يعلمون ما يشاهد ويسمع ويقرأ فيها، في حين أن التيارات المنحرفة تسعى لغسل أدمغتهم من السنوات الأولى فيغذونهم بالسم القاتل تدريجا وبتراكم الأيام حتى يخرج الولد شاذا، فمهما كنت أيها الأب متدينا فإن ولدك يطعم من الآن بالسموم عن طريق المدرسة ووسائل التواصل الاجتماعي بكمية قليلة قليلة لا تظهر عليه من اللحظة الأولى ولكنها تتراكم لتظهر نتيجتها بعد مدة. ولذلك يجب أن يتحمل الأبوان المسؤولية لحماية أولادهم في مواجهة هذا التحدي الجارف. ولعل من أوجب الأمور أن يجلس الآباء والأمهات يومياً مع أولادهم ويعلموهم أمورهم الدينية وعقيدتهم الإسلامية ويميزوا لهم ما يتلقونه من الضار والنافع والصحيح والسقيم حتى ينشأ الأولاد تنشئة إسلامية سليمة يقدرون معها على مواجهة الانحرافات والتحديات التي تعصف بهم.

ومن الغريب أن الجاليات الإسلامية قد احتجت على حرق القرآن ولكن لم نر لحد الآن من يحتج على ما يجري في هذا العالم من انحراف أخلاقي وسلوكي، علماً بأن المسلمين عندما هاجروا إلى هذه البلدان في بداية الأمر كانوا يمارسون عقائدهم بحرية على عكس ما عليه الأمر الآن.

إن الأبوين اللذين يعيشان في الغرب عليهما أن يضعا نصب أعينهما قوله تعالى :(إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساء مصيرا).. وكأن النص القرآني يقول إن من لديه قدرة على حماية نفسه وأولاده ضد الانحراف الديني والأخلاقي فإنه يجب عليه الانتقال إلى بلد آخر فلا يكفي أن يقول إني كنت مستضعفا في هذا البلد وذاك البلد ويتذرع باستلام المساعدات المالية والدراسية والعلاج، إن هذه الأمور لا قيمة لها إذا كان ثمنها انجراف ابنك وابنتك أيها الأب وأيتها الأم. لذلك يجب على كل مؤمن أن يبحث عن تكليفه الشرعي -وهو تكليف كل المجتمع الذي يجب ان يتعاون لأجله الجميع- وحاله يدور بين أمرين لا ثالث لهما: فإن كان قادراً على الدفاع عن أبنائه فهو وإلا فعليه أن يبحث عن الطريق الذي ينجيه من عذاب الله دنيا وآخرة حتى لا يكون من مصاديق قانون التعرب بعد الهجرة (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً).

نسأل من المولى سبحانه تعالى أن يبصرنا الطريق الصحيح لحماية أبنائنا والدفاع عنهم ضد هذه التحديات ويثبتنا وإياهم على العقائد الحقة نهج محمد وآله وأن يجعلنا من المحيين لشعائرهم والحمد لله أولًا وآخرًا.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيِّ بنِ مُوسى الرِّضا المُرتَضَى الإمام التَّقِيِّ النَّقِيِّ وَحُجَّتِكَ عَلى مَن فَوقَ الأرضِ وَمَن تَحتَ الثَّرى الصِّدِّيقِ الشَّهِيدِ صَلاةً كَثِيرَةً تامَّةً زاكِيَةً مُتَواصِلَةً مُتَواتِرَةً مُتَرادِفَةً كَأفضَلِ ما صَلَّيتَ عَلى أحَدٍ مِن أوليائِكَ.

 

محرر الموقع : 2023 - 09 - 03