ممثل المرجعية العليا في أوروبا يرفع عزاءه إلى ولي الله الأعظم (عج) وإلى العالم الإسلامي بوفاة خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبد الله (ص) ويقول:لو أن الدول التي تنفق الملايين على التسليح أنفقت نصفها على عمارة بلدانها وتنمية اقتصاداتها ومساعدة فقرائها لما
    

 

 

 

ممثل المرجعية العليا في أوروبا يرفع عزاءه إلى ولي الله الأعظم (عج) وإلى العالم الإسلامي بوفاة خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبد الله (ص) ويقول:
- لو أن المسلمين ساروا على نهج النبي(ص) وأهل بيت العصمة والطهارة لما تسلط عليهم الأشرار في هذا العصر
- لو أن الدول التي تنفق الملايين على التسليح أنفقت نصفها على عمارة بلدانها وتنمية اقتصاداتها ومساعدة فقرائها لما احتاج إنسان وجاع فقير

 

جاء حديثه هذا بمناسبة ذكرى وفاة النبي الاعظم (ص) التي كانت في الثامن والعشرين من شهر صفر في السنة الحادية عشرة من الهجرة، والذي بفقده فقد العالم اكبر شخصية عرفها منذ بدء الخليقة إلى منتهاها. وما إن شاع خبر وفاته في المدينة المنورة حتى انهال المسلمون على داره لتوديعه والصلاة عليه، وأول من صلى عليه هو الإمام علي (ع) وأهل بيته وأقاربه وأصحابه ثم أهل المدينة ثم أهل الضواحي، وبقي جثمانه الشريف لمدة ثلاثة أيام حتى فرغ الناس جميعا من الصلاة والوداع، وكان علي (ع) قد حفر القبر وشق اللحد فأنزل جسد النبي (ص) إلى القبر وأضجعه في لحده ووضع خده على الأرض ثم قبل النبي قبلة الوداع باكيا حزينا وهو يقول: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله طبت حيا وميتا أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد حتى يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقیم ...) ثم خرج من القبر وأهال التراب عليه فكان علي (ع) آخر الناس عهدا بالنبي (ص)، ودفن (ص) في بيته وفي الحجرة التي قبض فيها.
وقد ختمت حياته (ص) بثلاثة وستين عاما من أشد السنين والأعوام قسوة ومرارة وآلاما في حياة إنسان، فقد قضى أربعين عاما منها في اليتم والفقر والتأثيرات النفسية المؤلمة جراء الظلم الإجتماعي والفساد الأخلاقي اللذين كانا يسودان المجتمع العربي عامة والمكي خاصة فعاش هذه الاعوام غريبا وهو في بلده، إلى أن بعث بالرسالة الإسلامية وأضيف إلى معاناته أضعافها حتى قال (ص) :(ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت) وقال (ص) : (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم المؤمنون الأمثل فالأمثل على قدر مراتبهم من الإيمان). لقد صبر (ص) على أنواع كثيرة من التكذيب والاستهزاء والضرب والجرح كل ذلك بصدر رحب وقلب يفيض بالعطف والحنان ولسان يلهج بالشكر والدعاء والعفو والصفح ويد كريمة مبسوطة بالجود والعطاء، حتى استحق وسام الشرف الإلهي حيث ختمت به سلسلة الأنبياء وبرسالته أكملت رسالات السماء وهو وحده صاحب الشريعة الخالدة والمعجزة الباقية أبد الدهر يتحدى بهما العصور والأجيال.
أيها الاحبة إننا نعيش هذه الايام في عصر يتطلع فيه الإنسان للوصول إلى التسامح والمحبة والرأفة والرحمة، وكل ذلك مما مثله هذا النبي العظيم بهديه وسمته وخصاله حسبما وصفه القرآن: ((وما أرسلناك الا رحمة للعالمين)) ((وانك لعلى خلق عظيم)) فكان (ص) منارا في الكمالات الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية بكل مفردات حياته. ولو اطلعت البشرية على هذه السيرة الشريفة واقتدت بها كما أمر القرآن ((لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا)) واعتبرتها هي الأسوة الحسنة في حياتها لعاش العالم كل العالم بخير. ومسؤوليتنا اليوم كمبلغين ورساليين أن نوصل هذه المواقف من سيرة النبي المصطفى (ص) إلى شبابنا وأجيالنا لتكون لهم منهاجا وصراطا مستقيما في حياتهم الدينية والأخلاقية والتربوية والسلوكية. فنظرة واحدة إلى موقف من مواقفه (ص) كفيلة بأن تنير لنا الطريق لمسافات بعيدة، وتحررنا من الأنانية وحب الذات وحب المصالح وغيرها من الرذائل الخلقية.

ونكتفي بعرض جانب واحد من شخصيته الكريمة في هذه العجالة وهو ما عرف به (ص) من العفو والسماحة والمحبة والسلام حتى مع ألد أعدائه، فقد ذكر لنا التاريخ أنه عفا عن وحشي قاتل عمه حمزة كما عفا عن المرأة اليهودية التي قدمت له شاة مسمومة وعفا عن أبي سفيان الذي قاد الجيوش لحربه فجعل الداخل لداره آمنا من القتل وعفا عن قريش التي حاربته أشد المحاربة ووقفت في وجهه بكل كيانها وكبريائها فإذا به وهو في أوج قوته وسلطته وسطوته يجمعهم ويسألهم عما هو فاعل بهم بعد ذلك الإيذاء الشديد الذي كان مبررا لقتلهم أو نفيهم في كل الأعراف والقوانين فأجابوه وهم يعرفون أن قلبه ملؤه الرأفة والرحمة بقول واحد :إنك أخ كريم وابن أخ كريم، فقال : (لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء).
فأين أولئك الذين يدّعون الإسلام من هذه السيرة العطرة والروح العالية في التسامح والعفو؟ وأين المسلمون عن ملامح هذه الشخصية العظيمة التي بعثت رحمة للعالمين؟ فلو أنهم اتبعوها وساروا على نهجها الشريف وخلقها الرباني الرفيع لعاش العالم كله بخير وسعادة وأمن وأمان وسلم وسلام ((ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)).

ولكنهم ومع شديد الأسف أصبحوا كما وصفهم النبي (ص): (ولكنكم غثاء كغثاء السيل يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب من قلوب أعدائكم لحبكم الدنيا وكراهيتكم للموت). فلذا نراهم اليوم يتخبطون ركعا وسجدا على أبواب الأعداء يطلبون النصرة والاستعانة رغم ما منحهم الله من الكثرة إذ هم يشكلون أكثر من خمس سكان الكرة الأرضية عددا ومن الناحية الاقتصادية يملكون ما يملكون من الذهب الأبيض والأسود ويتحكمون بأهم ممرات العالم وعندهم من الكفاءات والقدرات البشرية ما شاء الله وينامون على ترسانات من الأسلحة المختلفة الخفيفة منها والثقيلة، ولكنهم قد ادخروها للقضاء على إخوانهم بدل أعدائهم وذلك إرضاء لأسيادهم وتحقيقا لرغباتهم على عكس ما وصفهم القرآن فتراهم رحماء بأعدائهم أشداء على إخوانهم لا ضمير إنساني يمنعهم ولا قانون يصدهم ولا شرف يردعهم أولئك هم المعنيون بقوله تعالى: ((قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فلا تقيم لهم يوم القيامة وزنا)). ولو أنهم بدل إنفاق الملايين على شراء الأسلحة وغيرها أنفقوا نصفها في تعمير بلدانهم وأوطانهم وتقوية اقتصاداتهم ومساعدة فقرائهم ومحتاجيهم لما جاع مسلم وافتقر.
ونحن بين هذا التطرف وتلك الرحمة الالهية نعيش هذه الايام بمأساة شهادة هذا النبي العظيم (ص) الذي كان ملؤه الرحمة للعالمين غير ان الحكمة الربانية اقتضت ان يقبضه الله اليه (قبضة رأفة واختيار ورغبة وايثار)، فتلك والله هي النازلة الكبرى والخسارة العظمى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
نسأل الله سبحانه أن يصلح أمور المسلمين ويهديهم إلى جادة الحق ومنهجه، منهج محمد وآله صلى الله عليه وعليهم ويرزقنا شفاعتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
السلام عليك يا رسول الله، أشهد أنك رسوله وأنك محمد بن عبد الله، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وجاهدت في سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأديت الذي عليك من الحق، وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين وعبدت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين فبلغ الله بك أشرف محل المكرمين، والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

محرر الموقع : 2023 - 09 - 12