علي يحرر عائشة المسبية...!
    

رضوان العسكري

 

وقفت خلف الباب ترمي ببصرها ازقة المدينة، والخوف يملأ قلبها، حيث لا تسمع إلا لأزيز الرصاص صوتاً, ولقذائف المدافع صفيراً, قبل ارتطامها بالأرض، صوت الانفجارات يصم كل مسامعها.

أمسكت بيدها عصى وربطت فيها قميصاً ابيض لوالدها المنحور، تيمناً بشجاعته التي دفع ثمنها قبال شرفها، وأخرجت رأسها من باب الدار ومفاصلها ترتعد مما هي فيه، فتزاحم اخوتها الصغار خلفها دفعوها قسراً الى الشارع، وصوت امها الخافت يناديها بنيتي احترسي، فردت عليها ارى رجالاً من بعيد مدججين بالسلاح, يسيرون خلف آليتهم العسكرية, نادتها أدخلي أدخلي؟ فهمت بالدخول وتوقفت للحظة! وقالت لا يا امي اراهم حاملين راية "الله اكبر" تخفق بين ايديهم، ما إن اتمت كلامها هرول اخوتها الصغار امامها وهم يقفزون فرحاً بقدوم الحماة, والاباة, فلوحت بالعصى التي ترفرف بقميص السلام، طالبةً الامان؛ ولقد جفت الدم في عروقها، من شدة الرعب الذي كان يسكن فؤادها! خرجت الام مهلهلةً بزغاريد ممزوجة بالخوف والفرح معاً؟ وقلبها يحاكي اطفالها يا بشرى قد جاءنا الفرج.

هرول احد الجنود الابطال نحوهم، يحمل بيده قنينة ماء, قد سخنت من حرارة الدرع الذي يلبسه, فأخذ يقبلهم ويسقيهم منها واحداً تلو الآخر! وصل الجنود الآخرين فألتف حولهم الاطفال يعانقوهم وهم فرحين؛ وهي بين الضاحكة والباكية؟ رحبت بهم الام بدموع غمرة وجنتيها، لا كنها لا تستطيع أن تميز بينهم! لونهم ولون بزاتهم واحد! أقنعتهم متشابهة لأنها من " التراب والدخان"

أول كلام صدر من هؤلاء الجنود "لا تخافوا إنكم بأمان" نعم هو كذلك؟ انه الامان المفقود الذي حل بديارهم؛ أزاح الخوف والرعب الذي سكنهم مدينتهم، منذ ثلاث سنوات.

هذا هو حال اغلب العوائل العراقية في الموصل "خوف وترقب" وأمل بعيد يئِسَ منه الكثير! لأنهم انقطعوا عن العالم بانقطاع كل وسائل الاتصال, وقنوات الإعلام؟ لا يعلمون إن هناك رجال ولدتهم فحول العراق "لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا يتهافتون على ذهاب الأنفس" تركوا الأمهات والآباء, الزوجات والأبناء, من اجل العزةَ والشرف, لا من اجل الراحةَ والترف, من اجل العهد الذي قطعوه على أنفسهم, بأنهم لا يرجعون إلا "بالنصر أو الشهادة"

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الأحزاب[23].

 

رضوان ناصر العسكري, كاتب مقال من مواليد 1979 خريج معهد إدارة سنة 2001

محرر الموقع : 2016 - 10 - 28