الإصلاح ...عندما تتكلم الجراح دماً...!
    

وليد كريم الناصري
اليوم 21/2/20177 وأنا اطالع التشييع المهيب، لكوكبة الشهداء المبلغين والمرشدين في الحوزة الدينية، بعدما نالوا شرف الشهادة في الموصل، وهم يحررون جانبها الأيمن من سطوة عصابات داعش، وبعدما دخلوا باب الله الذي أعده لخواصه، تناغم بفكري لحن الاصلاح الحقيقي في الأمة، المدوي من قيثارة المجد والخلود بنغم قصيدة الشاعر الكبير "محمد مهدي الجواهري" المسماة "لغة الضحايا" والتي قال فيها:
أتعلم أم أنت لا تعلم ............ بان جراح الضحايا فمُ
فم ليس كالمدعي قولةً ......... وليس كآخر يسترحم
يصيح على المدقعين الجياع .. اريقوا دماءكم تُطعموا
ويهتف بالنفر المهطعين ....... أهينوا لئامكم تُكرموا
أتعلم أن جراح الشهيد ....... تظل عن الثأر تستفهم
أتعلم أن جراح الشهيد .... من الجوع تهضم ما تًلهم
تمص دماً ثم تبغي دماً ........ وتبقى تلح وتستطعم
 فقل للمقيم على ذلة ........... هجيناً يسخّرُ أو يُلجم

ما أجمل كلماتك سيدي الشاعر، وهي تتكلم لنا عن واقع نعيشه اليوم في العراق، واقع يفرض علينا لغة المجاهد المضحي والمدعي والمسترحم، والتي تسطر احرفها على جسد مسجى وضحية أسمه الشعب، قد لا يكون الشعب ضحية من يستغله فكريا وجسدياً، بقدر ما يكون ضحية عقله، الذي صار لا يميز بين ما ينفعه وما يضره، من بين تلك الأصناف الثلاثة..!

من بعد هذا السياق في المدخل، نذهب الى مقدمة بسيطة، نتعرف بها على واقع تلك المسميات و كالتالي:-
11- ضحايا الجهاد، الذي إدخر جراحه فماً يصلح بدماءها المجتمع، ممن ارخص دمه وجسده وسمعته لرفعة هذا المجتمع الضال والسمو به الى مباني الاصلاح الحقيقي، وبذلك كسر موبقات الصمت التي إتهمه بها غيره من "المُدعين" وصار عنوان يستدرج تحت فصوله كل عاقل متبصر، يؤمن بأن الاصلاح السياسي، لا يتم إلا بما يحفظ طلابه و مريديه بمبادرة السلم والتحاور، بعيداً عن الدماء وتكوير الجماهير وتجييرها بأدوات العاطفة السلبية.

2- المُدعي قولة، وأخطر ما يمييز هذا الصنف، بأنه بعيد كل البعد عن الإصلاح المنشود بالمجتمع، والأخطر من ذلك كله بأنه يستدرج مصالحة الشخصية والفئوية وما يطمح اليه، تحت عناوين الإصلاح، من حيث مفهوم "الغاية تبرر الوسيلة" ومن الملفت للنظر ان هذا النوع تجده فاعل في المجتمع البسيط المتلون،ويعتاش على سذاجة وفطرة الناس، كونه يلعب ويتحكم بعصا العاطفة، التي تتهاوى امامها مباني العقل المتبصر السليم.

3- المسترحم، والذي لا يقل ضلالة عن المدعي في المجتمع، ولكنه أقل خطورة، ودائما ما يلعب هذا الصنف مباريات الضعيف الذي لا يقوى، والقوي الذي لا يضعف، بمعنى التمسكن في المجتمع لكسب قوته من بين نظرات المستضعفين والمسترحمين له، فتجده يلبس لباس الملائكة نهاراً ويقضي ليله متعربدا في حانات الشياطين، حتى ضاع بين فكيه صدقه وكذبه وصار لا يمييز بينهما حتى مع إذنيه.

على فرض المُدعي والمُسترحم والمُجاهد، الثلاثة يريد الإصلاح في المجتمع، ويطمح الى مبتغاه، ولكن يبقى السؤال هنا أي الإصلاح أصلح للبلد..؟! وأي منها ما يُفسد البلد,,؟ قد تكون مصطلحات السؤال فيها شيء من الغرابة والتناقض باللفظ، بفحوى وهل هناك من الإصلاح ما يُفسد..؟! وحتى لا يذهبن بحلمك الشيطان، سأجيب "نعم" ...! لأن مفردة الإصلاح صارت تطلق في غير محلها، وصار كل شيء محذور يبرر من تحت طاولة الإصلاح..!.

على نحو ما سبق اخي القارئ الكريم، لعله لم يغب عن ذهنك تشخيص تلك الاصناف وقواعدها، وما اود طرحه هنا بشكل ملفت للنظر، هو إن الاصلاح دائما ينبع من رؤى معتدلة تحفظ حقوق الرعية والمجتمع، وتوجه مطالبهم بالاتجاه الصحيح، وتحت الاطر المشروعة، لا ان تستغل مطالبهم في نيل ما تريد، وما قدمته المرجعية الدينية اليوم من قرابين في سبيل الوطن، هو مصداق الى لغة المضحي المجاهد والدم الثائر، الذي ترك بصمته امانة في اعناق كل متصيد ومدعي ومسترحم، وما تبعهم من قواعد لا تفقه الا لغة الطاعة العمياء..

واختتم كلامي الى تلك القوى السياسية المدعية للإصلاح، وتلك المسترحمة تحت خيمة الإصلاح، لنيل مصالحها الشخصية، كفاكم ما أفرطتم به من دماء وأجساد وأموال شعبنا في سبيل مصالحكم، كفاكم دمارا وخراب بالبلد، واخرجوا شذاذكم من بين مفاصل الحكومة ومناصبها، فإدعائكم بات للعيان باطل، وشعاراتكم باتت محتقرة بعين الشرفاء..يا أيها اللئام، اخرجوا واتركوا نفر الشرفاء فينا، مناديلاً تمسح دموع اليتامى، وقناديلاَ تضيء قبور الشهداء، وقلوب تجبر خواطر الفاقدات الثاكلات، ومصلحين يتداركون ما أفسدتموه بالإصلاح..

محرر الموقع : 2017 - 02 - 23