السويد: سؤء الأوضاع النفسية للمهددين بالترحيل القسري قد يُوّلد ردود فعل غير متوقعة !
    

أثارت الجريمة التي قام بها لاجئ سوداني مؤخراً، كرد فعل على قرار إبعاده من النرويج، تساؤلات كثيرة، حول الدور الذي تلعبه الأوضاع النفسية، في التأثير على تصرفات اللاجئين ومدى خطورة ذلك على المجتمع الذي يستقبلهم.

فالإنتظار لدى هؤلاء مرير وأيامه رتيبة، وما يجعل كل ذلك قاتلاً هو العودة الى نقطة البداية، وما تعنيه من خسارة الجهد والمال والشعور بالهزيمة والتهميش. حيث يعيش معظم اللاجئين الحاصلين على قرار الإبعاد في دوامة عاصفة، لا هم بقادرين على الخروج منها ولا التكيف مع واقعهم الجديد.

والسويد كما هو معروف، بلدٌ يحكمه القانون لا إستثناءات إعتباطية فيه، ما يجعل أصوات المدافعين عن حقوق الإنسان، تتعالى عندما يتعارض أي فعل مع تطبيق القانون. لكن أخرين يرون، إن كثرة الإستثناءات قد تفضي الى جعلها حالة عامة، من شأنها، خلق شرخ في القانون نفسه، وهو أمر غير وارد في السويد.

مشكلة الأوضاع النفسية التي يعيشها المهددون بالترحيل، متشابكة وقد تطول تأثيراتها لأمدٍ بعيد. ولأهمية ذلك، تابع "الكومبس" الموضوع، محاولاً إستقصاء أراء الشرطة وخبراء علم النفس حول قرارات الإبعاد وما يخلفه تأخير تنفيذها من تأثيرات نفسية سيئة، قد تشكل خطراً على أصحابها وعلى المجتمع.

 

مفوض الشرطة العام في السويد يتحدث لـ " الكومبس " حول المشكلة

 

مفوض الشرطة العام في السويد بينغت سفينسون تحدث لـ " الكومبس " في لقاء سابق، عن الترحيل فقال إن هذه العمليات هي "صعبة للغاية، لكنها تبقى بالدرجة الأولى متعلقة بمصلحة الهجرة، لأنها هي الجهة صاحبة القرار، وليس للشرطة أية علاقة إطلاقا بهذا الشأن، الشرطة تساعد فقط في تنفيذ ما يترتب على هذا القرار، بعد أن نستلم ملفات القضايا خاصة ممن يرفض مغادرة البلاد".

وأوضح الأسباب التي لا تستطيع الشرطة القيام فيها بالترحيل فقال: " هي عدم توفر معطيات كاملة عن هوية الشخص المعني، وأحيانا عدم معرفة البلد الذي ينتمي له، أو فقدان لأجزاء مهمة من ملفاته الشخصية، أضف إلى ذلك أن هناك دول ترفض استقبال مواطنين مرحلين تابعين لها".

e7d15f68ca01cf96cec5d66314bc6b33.JPG

 

موقف شرطة حدود ستوكهولم

يقول كينت سودرلوند مفوض السكرتير الصحفي لشرطة حدود ستوكهولم في حديث لـ "الكومبس"، إن مصلحة الهجرة تُحيل الى الشرطة قرارات الإبعاد لغرض تنفيذها، وفقاً للفصل 12، الفقرة 14 من قانون الإجانب (12 kap. 14 § utlänningslagen).

ويوضح ان شرطة الحدود تعتبر جهة منفذة لقرارات الإبعاد ولا علاقة لها بإصدارها، مشيراً الى انه وبعد صدور قرارات الرفض والطرد من قبل مصلحة الهجرة وأحكام الإبعاد من قبل محكمة الهجرة، تُحال القضايا الى الشرطة، لغرض تنفيذها.

"هاربون"

يقول سودرلوند، ان " الأشخاص المحكومين بالإبعاد، ينقسمون الى فئتين، فهم اما ان يكونوا "هاربين" من تنفيذ القرار، وهنا تقوم الشرطة بالبحث عنهم، او ان يكونوا "مُجبرين" على ذلك، رغم رفضهم العودة، ما يدفع بالشرطة الى تنفيذ القرار قسراً بحقهم".

وفي شهر ايار (مايو) من العام الماضي 2012، جرى تغير في قانون الأجانب، ووفقاً للتغير، فإن الشخص الذي لا يغادر السويد خلال المهلة القانونية يُمنع عنه السفر مجدداً الى السويد.

يبين سودرلوند، أن أكثر القضايا المٌحالة إليهم من قبل مصلحة الهجرة تكون ضمن ما يسمى بفئة "الهاربين" وان هذه الفئة في أغلب الأحيان لديها عناوين سكن مسجلة، تساعد في تنفيذ قرارات الإبعاد الصادرة بحقهم، فيما تقوم الشرطة بالبحث عن الأشخاص الذين لا يتواجدون ضمن عناوينهم المسجلة.

ويلفت سودرلوند الى إن أمور اخرى تؤثر على تنفيذ الترحيل، كإمتلاك الأشخاص المقرر ترحيلهم لوثيقة سفر سارية المفعول او أية وثائق أُخرى تثبت هويتهم ومن أي بلد ينحدرون.

صورة البلداوي.jpg

 

خبير نفساني لـ "الكومبس": "سؤء الأوضاع النفسية يولد ردود فعل غير متوقعة"

يقول أخصائي علم النفس في السويد الدكتور رياض البلداوي لـ "الكومبس"، " إن سؤء الأوضاع النفسية التي يعاني منها الأشخاص المحكومين بالطرد او الرفض، قد تولد ردود فعل غير متوقعة"، موضحاً، انه وكلما طالت مدة الإنتظار لتنفيذ القرار، كلما ساءت الحالة النفسية أكثر، ما يزيد الشعور بالتهميش.

المشاكل النفسية التي يعاني منها المحكومون بالطرد، كثيرة ليس أقلها خطورة ان عدداً من هؤلاء يفكرون بالإنتحار او يقدمون عليه بالفعل.

يضيف البلداوي، ان الوضع النفسي يكون سيئاً لكل من طال به الإنتظار، وبالأخص لدى الأشخاص الذين ليس لهم ما يعودون إليه او يكونون مهددين او من ترك خلفه زوجة وأطفال، وسافر الى السويد بهدف الحصول على الإقامة فيها والبدء بحياة جديدة.

وكانت رئيسة وزراء النرويج الجديدة أرنا سولبرج دعت الى إعادة النظر ودراسة قضايا المُبعدين قسراً والتأكد من عدم خطورتهم على المجتمع.

لكن السكرتير الصحفي لشرطة حدود ستوكهولم نفى ان تكون الشرطة السويدية تسلمت أية تعليمات جديدة بهذا الخصوص. وقال إن الشرطة "لا تملك أي إمكانية لتغير قرار أًحيل عليها بهدف تنفيذه".

لكنه أكد أنه في حال وجود أسباب ودوافع صحية، تعيق او توقف عملية الأبعاد او الرفض، فإن على الشخص في هذه الحالة، تقديم طلب بهذا الخصوص لمصلحة الهجرة.

مهددون بالترحيل في إعتصام.JPG

الإنتظار يعقد الأمور أكثر

يوضح البلداوي ان "الإنتظار يكون مدمراً للمقدار القليل من طاقة التحمل المتبقية لديهم، يزداد الأمر سؤاً اذا كانت نتائج الإنتظار سلبية، بالرفض او الترحيل، حيث يتحطم ذلك الأمل لديهم ويتصورون كل ما حولهم وقد تحول الى عدم".

ويزيد انه كلما طالت فترة الإنتظار، كلما ساءت حالة الإنسان، وكلما شعر بالتهميش، ما يزعزع ثقته بنفسه وبالأخرين، موضحاً ان ردود الأفعال، تختلف من شخص الى أخر، الا انه ليس من المنتظر وسط هذا الكم الخانق من المشاعر السلبية ان تكون تلك الردود إيجابية، فالبعض منهم يعزل نفسه عن الأخرين ويرى نفسه أقل شأناً من غيره وكثيرون يصابون بالكآبة وقسم ليس بقليل يحاول الإنتحار، كما حدث قبل سنوات.

وحول كيف تتعامل الشرطة مع هذه الحالات النفسية، قال سودرلوند لـ " الكومبس " : " ان الحالة الصحية للمهاجرين الناتجة عن قرار الترحيل، أمر لا يمكننا إبداء الرأي فيه، لان مصلحة الهجرة، لديها مسؤولين عن تنفيذ مثل هذه القضايا وهم من يستطيعون الإجابة ".

ويلفت البلداوي الى إن " رد الفعل عند أشخاص فقدوا بتصوراتهم الحاضر والمستقبل لا يمكن لأحد توقعه، فالبعض قد تكون ردود أفعاله حدية او تتسم بالتحدي، كاللجوء الى الجريمة او حتى بيع النفس والجسد".

تفهم الوضع الإنساني للمرحلين ضرورة يجب على الشرطة تفهمها

ويرى البلداوي ان الإسراع بالبت في مسألة اللجوء، ضرورة شريطة ان لا تكون على حساب العدالة ومنح الإنسان حق الإعتراض.

وقال ان "القسوة التي يتعامل بها بعض عناصر الشرطة أثناء تنفيذ عمليات الإبعاد، غير مبررة، بل إنها أحياناً مفرطة"، مشيراً الى ان الأمر يحتاج الى تدريب متواصل من قبل الشرطة، لمعرفة كيفية التعامل مع الأشخاص المرحلين".

لكن لمن يلجأ اللاجىء بعد تنفيذ قرار إبعاده او طرده من السويد في حال جرت معاملته بشكل خاطىء من قبل الشرطة؟ حول ذلك، يجيب سودرلوند: في حال وجد شخص، جرى ترحيله إنه عومل بطريقة خاطئة من قبل الشرطة، يمكنه تقديم بلاغ الى وكلاء الشؤون القانونية JO او الى الشرطة، وحدة التحقيقات الداخلية، ووفقاً للحادثة التي جرت.

ويضيف، إنه وفي حال كان هناك إعتراض على قرار مصلحة الهجرة بخصوص الترحيل او الإبعاد، يجري تقديم إستئناف الى محكمة الهجرة، كما يمكن تقديم إستئناف على قرار محكمة الهجرة لدى محكمة إستئناف الهجرة.

ويلفت الى إنه وفي حال جرى إستنفاذ جميع الطرق القانونية في تقديم بلاغ في داخل السويد، يمكن اللجوء حينها الى المحكمة الأوربية، اذ كان للشخص الحق في ذلك، بموجب إنتهاكات محكمة حقوق الإنسان الأوربية، موضحاً إن بالإمكان إجراء ذلك عن طريق الشخص نفسه او وكيل له.

يقول البلداوي، اتمنى ان يجري تدريب الشرطة المسؤولة عن تنفيذ عمليات الإبعاد من قبل أطباء نفسيين مختصين، ورغم ان المهمة ليست سهلة، لكنها قد تكون أهم نقطة ترتكز عليها عملية الإبعاد برمتها، مضيفاً "إننا مطالبون جميعاً بعدم تجاهل إنسانيتنا بالتعامل مع أُناس لم يرتكبوا ذنباً او جريمة، بل ان كل ما رغبوا به هو التخلص من ويلات الحروب والإضطهادات الدينية والفكرية والسياسية".

 

لينا سياوش

الكومبس

محرر الموقع : 2013 - 12 - 04