في المركز الاسلامي في انجلترا ...دروس في تفسير القرآن الكريم:: يلقيها الدكتور علي رمضان الأوسي
    

 

الأحكام المفتراة وسنّة الآباء

 

(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[1]

 

أحكام كاذبة:

كان أهل الجاهلية قبل الاسلام يحرّمون على أنفسهم أنواعاً من الأبل:

1-            بحيرة: وهي الناقة إذا ما انجبت خمسة أبطن شقوا أذنها لتمييزها عن غيرها وحرموا ركوبها.

2-   سائبة: كان الجاهلي إذا ما مرض فيقول: إذا برئت من مرضي فناقتي سائبة، أو إذا عاد من سفر، فيحرم ركوبها.

3-   وصيلة: إذا ولدت الناقة ذكراً وأنثى في بطن واحد قالوا: وصلت أخاها ولم يذبحوا الذكر لأجلها.

4-   حام: إذا جاء من صلب الجمل عشرة بطون قالوا: انه حمى ظهره. فيحرم ركوبه ولا يحمّل عليه.

 

هذه الصور انما انطلقت من عادات ورثوها لا علاقة لها بالمشرع الحقيقي وهو الله سبحانه لكنهم كانوا يدّعون انها أحكام إلهية من غير ان يتعقلوا هذه الدعاوى المفتراة (واكثرهم لا يعقلون) وقد استدركت الآية المباركة انهم  كانوا كافرين وكذلك يفترون على الله الكذب.

 

الظاهرة تتكرر:

بعض المدّعين هذه الأيام وربّما باسم الدين وبقراءة خاطئة للنصوص يخرجون علينا بأحكام وتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان تخالف الفطرة وتعارض التشريع الالهي، ولا يعني مواجهتنا إياهم حجر الفكر الانساني فللإنسان أن يفكّر ويعقل ويتدبر عن علم والآية تنهى عن هذا النهج الخاطئ المفترى الذي ليس بمقدور أحد ان ينسبه لله سبحانه كما كانت الجاهلية الأولى.

 

سنة الآباء:

وحين واجهتهم الآية المباركة بالدعوة الى الله والرسول: (واذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول) حيث الايمان بالحق الذي أنزله الله واطاعة الرسول (ص).

ماذا قالوا؟

انهم تترّسوا (بسنة الآباء): (قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا) فهم يسلكون الموروث الذي جاءهم عن آبائهم حتى ولو كان آباؤهم يصدرون من غير علم ولا أهتداء لذا احتجّ القرآن عليهم: باستفهام انكاري موبّخاً إياهم: (أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون) فالدين الالهي هو دين الفطرة والعقل والوحي والتشريع الذي ينسجم وحاجات الانسان فهناك الكثير الذي يخفى عليهم ولا يدركونه ولا يهتدون اليه فأنّى لهم التشريع، ولا حجة في سنة الآباء والموروث التاريخي إذا ما كان تقليداً أعمى بعيداً عن شرع الله سبحانه بخلاف التقليد الذي هو العمل المستند إلى فتوى فقيه معين (وتفاصيل بيان التقليد في الرسائل العملية) وهذا النوع من التقليد يأمر به العقل حين نؤمن بضرورة اللجوء إلى الاختصاص ويأمر به الشرع للنصوص الواردة في ذلك.

 

شبهة عارضة:

يتمسك البعض ممّن يبرر لنفسه القعود عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بظاهر قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم) لكن الآية بنصّها كانت تتحدث عن واقع المسلمين حيث كانوا يتمنون لجميع الناس الهداية وان يدخلوا في الاسلام، فنبههم الله سبحانه من خلال رسوله الكريم: (فلا تهذب نفسك عليهم حسرات)[2]، فأنت يا رسول الله تبلّغ عن الله رسالته والهادي الحقيقي هو الله سبحانه، وأنتم أيها المسلمون يجب ان لا تذهب أنفسكم على من يعرض ولا يؤمن رغم هدايتكم له وممارستكم واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعليكم أنفسكم الزموها على الهدى واستمروا في هذا الطريق فلا يضركم الضالون إذا ما اهتديتم.

ثم تؤكد الآية المباركة أنكم جميعاً الى الله مرجعكم وان عودتكم الأخيرة إليه وهناك ينبئكم بما خفي عليكم ويحاسبكم على أعمالكم فيثيب ويعاقب وقد وضع الفقهاء شروطاً لممارسة هذه الفريضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) فهي واجبة على الجميع وجوباً كفائياً ومن هذه الشروط: امكانية التأثير في الطرف الآخر وعدم الضرر، ولابد ان يعرف الآمر والناهي ما هو المعروف وما هو المنكر، وإذا ما ترك العاصي معصيته وعلم منه ذلك سقط الوجوب. وضابطة هذه الفريضة تتوجه الى تماسك اجتماعي وبناء صف منسجم من المؤمنين بدفع نقاط الفساد الاجتماعي والمخالفة الشرعية وبدون ذلك سيعرض المجتمع برّمته الى مشاكل هو في غنى عنها وقد تبلغ الخطورة حداً تُمسُّ فيه هوية الانسان المسلم.

 

 

دروس اجتماعية مستفادة:

1-            بين الفكر الوضعي والتشريع الالهي.

2-            ليس من الحق حجر الفكر الانساني.

3-            سنة الآباء والتقليد الساذج الأعمى.

4-            أهمية التقليد الشرعي (تقليد الفقهاء) وتأثيره على الانسان والمجتمع.

5-            فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متى تجب ومتى ترتفع؟

6-            دورالانسان المسلم في مراقبة المجتمع الاسلامي.

 

 

محرر الموقع : 2012 - 09 - 04