الهليكوبتر.. اختراع بدأ برسم في القرن الـ15!‎
    

في حين أن إيغور سيكورسكي هو بلا شك أبو المروحية الحديثة، إلا أن الكثيرين يشيرون إلى أن تاريخ المروحية بدأ مع رسم بارع في القرن الـ15 بواسطة الرسام العالمي والمخترع، ليوناردو دا فينشي، وفق موقع "Prime Industries" الأميركي.

 وأطلق دا فينشي اسم "أورنيثوبتر" على آلة الطيران، إلا أن التصميم الذي يظهر في رسم دا فينشي عام 1488 لم يتم بناؤه أبداً. ويرجح معظم المؤرخين أن تصميم دا فينشي ربما كان هو مصدر الإلهام لإبداعات سيكورسكي.

وصمم دا فينشي، الذي استوحى فكرة تحليق الإنسان، آلة ذات مسمار لولبي حلزوني (بدلاً من شفرة المروحة الدوارة)، على غرار مفهوم لعبة صينية قديمة (نوع من الطائرات المروحية المصنوعة من الخيزران) التي تطير مثل لعبة النحلة الدوارة التي ترتفع عن الأرض نتيجة سرعة الدوران.

وفي وقت لاحق، قام العديد من المخترعين الآخرين أيضاً بابتكار ألعاب شبيهة بالهليكوبتر. كان أبرزها النموذج الدوار المحوري، الذي اخترعه ألفونس بينود في عام 1870، والذي يدعمه ببعض الشرائط البسيطة من المطاط. وهذا الابتكار أحد الألعاب التي حدث إجماع على أنها ألهمت الإخوة رايت الأميركيين، الذين اخترعوا أول طائرة في العالم، والتي كان وزنها أثقل من الهواء، في أوائل القرن الـ20.

 ويقال إن مسمى طائرة هليكوبتر اشتق من كلمتين يونانيتين، "هيليكس" (وتعني حلزوني) وبتيرون (أي الجناح)، لأن الفكرة الأصلية هي عبارة عن أن آلة الطيران تتمكن من الارتفاع عن الأرض بفضل الفجوات، التي تحدثها دوامات هوائية نتيجة دوران المراوح - لكن لم يفلح الأمر آنذاك.

مروحيات ما قبل هليكوبتر سيكورسكي

وقام بول كورنو، مهندس فرنسي، بتصميم وبناء طائرة هليكوبتر نجحت في الإقلاع في عام 1907 – بما يجعلها رسمياً أول طائرة هليكوبتر تجريبية تحلق في العالم. وتميز تصميم كورنو بـ2 من الشفرات الدوارة، التي تلف في اتجاهات متعاكسة بحيث يتم إلغاء عزم الدوران. ودعم كورنو مروحيته بمحرك قوة 24 حصاناً، وكان يجب أن يتم تثبيتها على وضعية محددة بواسطة رجال على الأرض، كما لم يكن لديها على الإطلاق قدرة على المناورة، لذلك لم تحقق نجاحاً باهراً في نهاية المطاف.

كذلك قام مهندس فرنسي آخر، وهو إتيان أوهميتشن بتصميم طائرة هليكوبتر ذات مراوح مثبتة رأسياً تدور في الاتجاه المعاكس لمراوح الرفع الكبيرة. كما طور مروحة الذيل في وقت لاحق. وحقق أول نجاح له عندما حلقت مروحيته Oehmichen No. 2 في نوفمبر 1922، التي دخلت التاريخ بعد النجاح في نقل شخص واحد على متنها. وفي نيسان/إبريل 1923، سجلت Oehmichen رقماً قياسياً، حيث حلقت لمسافة 360 متراً و525 متراً. وفي أيار/مايو 1924، حلقت طائرة هليكوبتر ذات دائرة مغلقة لمسافة حوالي 1 كيلومتر في 7 دقائق و40 ثانية. وفي العام نفسه، طارت أحد مروحيات أوهميتشن وعلى متنها راكبين.

في حين كانت تصاميم هليكوبتر أوهميتشن ناجحة بشكل معقول، إلا أن مروحية Focke-Wulf Fw 61 تعتبر بشكل عام أول طائرة هليكوبتر فعلية في العالم. وحلقت أول طائرة Focke-Wulf Fw 61 في عام 1936، وهي من تصميم وتطوير ألمانيين، هما هنريك فوك والطيار جيرد أشجيليس. وجاء تصميم الطائرة معتمداً على تصميم لطائرة أخرى كان فوك قد شارك في تصميمها، وهي Focke-Wulf Fw 44، واستخدمت تكنولوجيا المروحة المرخصة، التي اعتمدت على محرك قوي لدفع مروحتين توأم.

 

أول هليكوبتر فعلية في التاريخ Focke Wulf Fw 61 تم تصنيعها عام 1936

وحقق فوك إنجازاً غير مسبوق باستخدام تقنية المروحة المرخصة، لأنها جاءت كحل للغز رد فعل عزم الدوران. كما اشتمل التصميم على المروحة الأفقية صغيرة المحاور التي يدورها المحرك، والتي تقوم بتبريد المحرك أثناء دوران المروحة على الأرض بدون تحليق أو إذا حلقت المروحية بسرعة منخفضة.

وتم بناء نموذج تجريبي آخر في عام 1937 وخطت الطائرة خطوة إلى الأمام من خلال النجاح في عملية هبوط بنظام الدوران التلقائي دون تشغيل المحرك.

أبو الهليكوبتر الحديثة

لم يخترع سيكورسكي، الروسي المولد الأميركي الجنسية، أول مروحية في العالم، كما يتضح من سياق التاريخ الموجز الذي تم استعراضه أعلاه، لكنه اخترع بالفعل أول طائرة هليكوبتر ناجحة حتى يومنا هذا.

ويعد سيكورسكي من الرواد الحقيقيين في عالم الطيران، ليس فقط من حيث اختراع تصميم طائرات الهليكوبتر، ولكن أيضاً اختراع الطائرات الثابتة الجناحين. هاجر سيكورسكي إلى الولايات المتحدة عام 1919 وأسس شركته الخاصة Sikorsky Aircraft Corporation في عام 1923. وتتجلى ريادة Sikorsky على وجه الخصوص في تصميم المروحة، التي يتم استخدامها حتى يومنا هذا في معظم طائرات الهليكوبتر، وبالطبع تصميمه لأول طائرة هليكوبتر في العالم التي يتم إنتاجها بكميات كبيرة وهي Sikorsky R-4.

ومن الواضح أن Sikorsky كان شاباً واعداً لقى تشجيع والديه على حد سواء، وكانت والدته تتولى تدريسه بالمنزل حيث كان لها الفضل في إطلاعه على أعمال العبقري ليوناردو دا فينشي، أما والده فهو الذي شجع اهتمامه وشغفه بالعلوم الطبيعية. في سن الـ12، صنع سيكورسكي أول نموذج لآلة طيران من تصميمه، وكانت عبارة عن طائرة هليكوبتر تدعمها أربطة من المطاط.

قرر سيكورسكي، عندما كان في عمر الـ17 عاماً، أنه يريد دراسة الهندسة، بعد أن أمضى 3 سنوات في الأكاديمية البحرية الإمبراطورية الروسية. وبعدها بعامين تقريباً، شاهد صوراً فوتوغرافية للأخوة رايت وغيرهم من رواد الطيران، فقرر الذهاب إلى باريس لدراسة الطيران بدعم مالي من شقيقته.

بدأ Sikorsky مسيرته في تصميم الطائرات العمودية عام 1909 في روسيا، لكنه سرعان ما أدرك أن عوامل مختلفة تقف حائلاً أمام تحقيق طموحاته، منها نقص الخبرة والمال.

في حين أنه واصل تصميم الطائرات، وطور أول طائرة مقاتلة قاذفة للقنابل بـ4 محركات للمرة الأولى في العالم، والتي استخدمتها روسيا في الحرب العالمية الأولى. ولم يكن حتى عام 1939 قد وضع تصميم أول نموذج للطائرة الهليكوبتر. وفي عام 1942، أحرز سيكورسكي نجاحاً باهراً في تصميم أول طائرة هليكوبتر يتم إنتاجها على نطاق واسع في العالم.

شفرات مروحة معدنية

هناك ما لا يقل عن 2 من المخترعين الآخرين اللذين يستحقان بالتأكيد الإشارة إليهما بالبنان في تاريخ المروحيات وهما ستانلي هيلر، وآرثر يانغ.

فقد حاز هيلر على شهرته لصناعته أول طائرة هليكوبتر ذات شفرات مروحة معدنية بنسبة 100%، والتي مكنت الطيارين من التحليق باحترافية وبسرعات أكبر. كما كان هيلر أيضاً هو نفسه الطيار، الذي حلق بأول طائرة هليكوبتر، تحديداً من طراز Hiller 360، التي جابت جميع أنحاء الولايات المتحدة بنجاح عام 1949.

قمرة قيادة كفقاعة صابون

أما يانغ، الذي عمل لصالح شركة Bell Aircraft Company، فقد صمم طائرة هليكوبتر كانت قمرة قيادة هي الأولى في التاريخ التي تشبه شكل فقاعة صابون كاملة - Bell Model 47- في عام 1946. وهكذا يتضح أن الطائرات الحديثة ذات الأجنحة المزودة بمراوح، هي أفكار جامحة مستوحاة من التصميم الأول الذي أبدعه دا فينشي، ولكن مع إضافة إمكانات وقدرات أكثر مما كان يمكن أن يخطر على البال بفضل هؤلاء المبدعين التاريخيين.

 

المروحية بيل 47 التي تم بناؤها عام 1964 بقمرة قيادة بشكل فقاعة صابون كاملة

 

محرر الموقع : 2017 - 11 - 30