شيعة العراق بين السلة والذلة
    

عانى شيعة العراق ، كباقي شيعة العالم ، منذ استشهاد أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام عام 40 هجرية ( 661 ميلادية) ، وحتى سقوط النظام الصدامي الفاشي عام 2003 ، من القمع والظلم والاضطهاد والتمييز ، دون ان تشفع لهم كل الكم الهائل من نقاط الاشتراك مع اخوانهم السنة.

زاد من حدة الظلم الذي يعانيه الشيعة بشكل عام ، وشيعة العراق بشكل خاص ، ظهورعقيدة دينية متطرفة تحمل تفسيرا مشوها للاسلام في جزيرة العرب ، تركت كل الاسلام وتعاليمه السامية ، وبنت اساسها على تكفير الشيعة واشاعة الكراهية والحقد والبغضاء بين المسلمين ضد الشيعة ، وهي الوهابية ، التي نمت وترعرت في كنف المستعمر البريطاني ومن ثم الامريكي ، وتحولت الى خنجر غُرس في ظهر الامة الاسلامية ، كما غرس الثنائي المجرم ، بريطانيا وامريكا ، الخنجر الصهيوني في قلب العالم الاسلامي.

كان الشيعة يتوقعون ان ينعموا بشيء من الامان ، بعد اكثر من 1400 عام من الظلم والاضطهاد ، اثر سقوط نظام السفاح حجاج العصر المقبور صدام حسين ، ولكن جاءت الاحداث على عكس توقعاتهم بالكامل ، حيث تحولت شوارع قرى ومدن العراق الى مسالخ ذبحت فيها اطفال ونساء وشيوخ وشباب الشيعة من الوريد الى الوريد ، وتفنن البعثيون ، الذين تحولوا بين ليلة وضحاها الى اسلاميين متطرفيين ، في قتل الشيعة ، ولم يتركوا وسيلة ، لا تخطر حتى ببال الشياطين ، في ارضاء ساديتهم ، الا واستخدموها ، فجروا المستشفيات والمدارس والملاعب ورياض الاطفال والمساجد والحسينيات والكنائس والمقاهي والمتنزهات ، وذبحوا الاطفال والنساء ، وبقروا بطون الحوامل ، ومثلوا بالجثث وفخخوها ، واغتصبوا النساء وباعوهن في الاسواق ، فقتلوا وهجروا الملايين من البشر.

البعثيون والتكفيريون ارتكبوا كل هذه الفظائع ، التي تأنفها حتى الوحوش، باسم الدفاع عن السنة ، وباسم الدفاع عن التوحيد ، وباسم الدفاع عن الصحابة ، بينما حقيقة الامر ليس ذلك بكل تاكيد ، فهؤلاء الموتورون ، يتحركون باجندات سياسية ، ترفض ان يحكم العراق الشيعة ، رغم ان الشيعة يمثلون نحو 70 بالمائة من الشعب العراقي ، ومن حق الاغلبية ان تحكم بلدانها في كل مكان.

الكارثة من الشيعة الذين يمثلون الاغلبية في العراق لم يستفردوا بالحكم ، واعطوا اخوانهم من اهل السنة حصة اكبر بكثير النسبة التي يشكلونها من نفوس الشعب العراقي ، الا ان الاوضاع الامنية في العراق مازالت في حال تدهور منذ عام 2003 ، حيث يعمل البعثيون والتكفيريون جنبا الى جنب ، في ضرب كل جهد يبذل لتهدئة الاوضاع في العراق ، بهدف دفع الاوضاع الى الانفجار والفوضى ، لاثبات مقولة كان ومازال يرددها البعثيون والتكفيريون ، من ان الشيعة ليسوا اهلا للحكم ، فهم خلقوا ليكونوا رعية واتباع ، وان طرق الحكم في العراق كلها تؤدي الى اهل السنة ، فهم اسياد العراق واهله ، ومن عداهم اما مطعون في دينه او قوميته ، او مشكوك في وطنيته.

حالة التغول البعثي التكفيري في العراق ما كانت لتكون لولا دول اقليمية معروفه بعدائها القديم لاهل البيت عليهم السلام ولاتباعهم ، مثل السعودية وبعض الدول الخليجية امثال قطر والامارات ، ودخلت تركيا مؤخرا ناديهم الطائفي المقيت ، حيث تجند هذه الدول الحاقدة اموالا ورجالا وامكانات وامبراطوريات اعلامية ، هدفها الاول والاخير ضرب كل جهد قد يخرج العراق من دوامة القتل والفوضى ، وشن حرب نفسية على الشيعة ، ودفعهم الى الانكفاء ، عبر تشويه الحقائق ، ونشر الشائعات والاخبار المغرضة ، وقلب المشهد العراقي راسا على عقب ، واظهار الشيعة بانهم هم من يقتل ويذبح ويهجر ويحرق ويفجر ، بينما التكفيريون والبعثيون ، فهم الضحايا والمدافعون عن انفسهم وعن السنة.

هذا المشهد المشوه والكاذب يمكن تلمسه في الحرب التي يشنها التكفيريون والبعثيون في محافظة الانبار ، حيث يتم تحميل قوة وطنية مخلصة مكونة من ابناء الشعب العراقي ، وهي قوة الحشد الشعبي ، مسؤولية كل الجرائم البشعة التي يرتكبها البعثيون والتكفيريون ضد السنة في المناطق الغربية من العراق ، بهدف حشر قوات الحشد الشعبي في زاوية ضيقة ، ومنعها من الانخراط في الجهد العسكري من اجل تطهير المناطق السنية من العراق من ادران البعثيين والتكفيريين ، وهو ما حصل بالفعل ، عندما اضطرت السلطات العراقية لمنع قوات الحشد الشعبي من مواصلة عملية تحرير مدن الانبار ، تحت وقع وضغط الحرب النفسية التي شنها البعثيون المندسون في العملية السياسية ، والقنوات الفضائية الحاقدة على الشيعة والعراق بشكل عام مثل قناتي "الجزيرة" القطرية ، و"العربية" السعودية واخواتهما ، ولكن كانت النتيجة ان دخلت "داعش" الوهابية المجرمة الى الرمادي.

هذا التحالف القذر بين التكفيريين والبعثيين والرجعية العربية ضد شيعة العراق وحتى ضد السنة الاصلاء من العراقيين ، مازال يواصل حربه النفسية ضد الشعب العراقي ، وبشكل اكثر حدة ، بعدما قررت الحكومة العراقية ان تتجاهل هذه الحرب النفسية الخبيثة ، وطلبت من ابناء العراق الشرفاء المنخرطين في قوات الحشد الشعبي ، التوجه الى الرمادي وتحريرها ، بعد المجازر التي ارتكبها البعثيون والتكفيريون ضد اطفال ونساء هذه المدينة.

المتتبع لسياسة هذا التحالف الحاقد ، يعرف ان هدفه الاول والاخير اعادة عقارب الساعة الى الوراء ، الى ما قبل عام 2003 ، فهؤلاء لا يقبلون بغير هذا الهدف ، حتى لو تم تغيير رئيس الوزراء العراقي كل شهر ، وحتى لو تم تجريد الشيعة من كل الوزارات ، فالحرب النفسية ضد الشيعة تبقى تتواصل الى ان يقبل الشيعة بالذلة و يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية ، فلسان حال هذا التحالف المجرم يقول للشيعة اما ان تكونوا اتباع اذلاء ، واما ان نذبحكم من الوريد الى الوريد.

يبدو ان البعثيين والتكفيريين ومن يقف وراءهم ، لم يفهموا حقا الشيعة ، فالشيعة لو كانوا اهل مهادنة ومسكنة وذلة لما اختاروا ان يكونوا شيعة ، فهؤلاء الناس شربوا حب امامهم الحسين الشهيد عليه السلام مع حليب امهاتهم ، الذي وقف يوم عاشوراء وحيدا كالطود الشامخ وهو يخاطب جيش يزيد : "لا وإن الدعي ابن الدعي قد ركزني بين اثنتين ، بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى اللّه ذلك لنا ، ورسوله ، والمؤمنون وحجورطابت وطهرت واُنـوف حمية ، ونفوس زكية ، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".

بقلم: جعفر صادق

محرر الموقع : 2015 - 05 - 27