لحياة صحيّة.. دليلك العملي لنوم أفضل
    

 يوصف الحصول على قسط كافٍ من النوم بأنه أكسير الصحة الجيدة، ولكن كيف يمكنك تعظيم إمكاناته إلى الحد الأقصى؟ تجيب “نيو ساينتست” هنا عن الأسئلة التي تؤرقك ليلا.

نص التقرير

ثمة هوس متنامٍ بالنوم يستهلك ساعات يقظتنا. النوم ضروري للحياة مثله في ذلك مثل الطعام أو الشراب. تموت فئران المختبرات المحرومة من النوم في غضون شهر، كما أن الناس الذين يرثون مرض “الأرق العائلي المُهلِك” يلقوْن المصير ذاته، لكن بعد مدة زمنية أطول، ولا نزال نجهل السبب حول ذلك. وفي حين أن الأسباب الجوهرية للنوم لا تزال مُلغِزة، فإنه يمكننا التطرق إلى السبل العديدة التي تؤثر بها على صحتنا.

ما مدى أهمية النوم؟

يقول “مات ووكر” من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، إن النوم قد اعتُبِر في السنوات الأخيرة الركيزةَ الثالثة للصحة الجيدة، إلى جانب النظام الغذائي وممارسة الرياضة. لكن ذلك يبخس قدْرَه، فالنوم هو الأساس الذي تتّكِئ عليه هاتان الركيزتان الأُخرَيَان، إذ يقول ووكر “لايوجد نسيج داخل الجسم ولا عملية داخل الدماغ لا يعززها النوم، أو لا يضعفها قلَّته ضعفا واضحا”.

وبالإضافة إلى فوائده المعروفة جيدا من تقوية الذاكرة والإصلاح والنمو فقد بات يُعتقد أن النوم -أو غيابه- له مجموعة من التأثيرات الأخرى، إذ تُربِك قلةُ النوم انفعالاتك وتفسد قدرتك على اتخاذ قرارات سليمة، وتؤثر على جهازك المناعي وشهيتك، وترتبط بأمراض التمثيل الغذائي مثل السمنة والسكري من الدرجة الثانية. كما أصبحت متورطة، وعلى نحو متنامٍ، في التسبب في أمراض الصحة العقلية مثل ألزهايمر. وإلى جانب كل هذه الآثار السلبية يُدمّر النوم في وقت خاطئ ساعات جسمك البيولوجية.

ورغم ما نتعلمه حول كون النوم أمرا حيويا لكثير من جوانب الصحة الجيدة، يبدو أننا نفشل في الحصول على قسط كافٍ منه، إذ يشير تقرير صادر حديثا عن الجمعية الملكية البريطانية للصحة العامة إلى أن البريطانيين ينامون بما يقل بمقدار ساعة عما يحتاجون إليه كل ليلة، كما وجد استطلاع للرأي أن 17% من الأشخاص في الولايات المتحدة قد شُخِّصوا بالإصابة بأحد اضطرابات النوم، وأن ثلث البالغين يعانون من أعراض الأرق.

  

ما مقدار النوم الذي نحتاجه؟

نعلم جميعا أن 8 ساعات هو الرقم السحري للنوم الجيد ليلا، لكن ما مدى صحة ذلك؟ لا يبدو أن أحدا يعرف مصدر هذا الرقم بالتحديد، لكن يعتاد الناس في الاستبانات القول إنهم ينامون بين 7 و9 ساعات في الليلة الواحدة، وهو ما قد يُفَسِّر لماذا أصبحت هذه الساعات الثمانية قاعدة عامة. لكن الناس يميلون أيضا إلى المبالغة في تقدير المدة التي يقضونها وهم يغطّون في النوم.

ووفقا لـ “جيروم سيجيل”، الذي يدرس النوم في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، فإن قاعدة الساعات الثمانية لا أساس لها في ماضينا التطوري، وقد وجد في دراسته للثقافات القبلية التي تفتقر إلى الكهرباء أنهم ينامون لست أو سبع ساعات فقط. ويضيف “ديرك جان ديجك” من جامعة سري في المملكة المتحدة أن “هؤلاء الناس يتمتعون بصحة جيدة”.

لذا يبدو أن ثمان الساعات هي هدف خاطئ، وربما تكون السبعة كافية تماما، كحد أدنى، إذ خَلُص تحليل أجرِي مؤخرا في الولايات المتحدة إلى أن النوم بمقدار يقل عن ذلك، بانتظام، يزيد من خطر الإصابة بالسمنة وأمراض القلب والاكتئاب والموت المبكر، وأوصى التحليلُ بأن يسعى كل البالغين إلى النوم لسبع ساعات على الأقل. وقياسا على هذا المعيار، تشير التقارير الأخيرة إلى أننا في حالة من الحرمان من النوم، إذ تُقدِّر المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن 35% من البالغين في الولايات المتحدة ينامون بأقل من 7 ساعات ليلا، كما وجدت دراسة في المملكة المتحدة أن متوسط النوم كان 6.8 ساعات.

تذيع وسائل الإعلام، على نطاق واسع، أننا ننام بقدر أقل مما كنا عليه، وأن ذلك يؤثر تأثيرا خطيرا على صحتنا. لكن لايقتنع الجميع بهذا، فمثلا، يقول عالِم النوم “جيم هورن” إن النوم لم يتغير على مدار مئة عام الماضية، ويستهجن هذه الفكرة في كتابه الجديد “الأرق: تقييم حاجة النوم في المجتمع اليوم”. وتدعم هذه الفكرة مراجعة حديثة للدراسات العلمية المتعلقة بالنوم بين عامي 1960 و2013 والتي لم تجد صلة مُعتَبَرة في أي دراسة بين مدة النوم والسنة التي أُجريت فيها هذه الدراسة.

وما أظهرته الدراسات هو أن كمية النوم التي نحتاجها تتأثر بجيناتنا وتختلف من فرد إلى آخر، ورغم كون الجينات المعنية تحديدا غير مفهومة جيدا بعد فإن دراسة حديثة لأكثر من 50.000 شخص وجدت أن أحد المتغيرات الجينية يضيف .3.1 دقيقة ضرورية من النوم لكل نسخة تمتلكها. تتغير كمية النوم اللازمة لجسدك كلما تقدم بك العمر كذلك، وقد أخذت مؤسسة النوم الوطنية الأميركية ذلك في اعتبارها فقامت بتحديث إرشاداتها العامة العام الماضي وانتهت إلى توصية البالغين بالنوم من سبع إلى تسع ساعات يوميا مع السماح بهامش تفاوت قدره ساعة على أي من الجانبين مراعاة للتغيُّر الطبيعي.

إذًا.. ما القسط الكافي من النوم بالنسبة لك؟

القاعدة هي أنه لا ينبغي أن تحتاج إلى المنبه لإيقاظك صباحا، كما يوصي “ديجك” بكتابة موعد نومك لتحصل على سجلّ دقيق لمقدار نومك. لكن ينبه “شون يونغستدت”، من جامعة ولاية أريزونا في تيمبي، إلى أن لكل السلوكيات المتعلقة بالصحة بقعة مناسبة، وبخصوص النوم فهذه البقعة هي الساعات السبع، كما يحذر من أن الإفراط في النوم لثمان ساعات أو أكثر ربما يرسلك إلى القبر مبكرا، إذ إن الارتباط بين الأمرين على نفس القدر من قوة الارتباط بين النوم القصير والوفيات، بل أحيانا يكون أقوى.

لماذا؟ لا يزال ذلك لغزا، لكن ثمة حقيقة بسيطة يمكن ذكرها هنا، وهي أننا نتحرك قليلا جدا أثناء النوم، وهناك فيض من الأدلة يُظهر أن الخمول ضار بصحتك. ويرى يونغستدت أنه رغم كون الأمر لا يهمك إن كنت نشطا خلال النهار فإنه قد يصح أن من ينامون أكثر يبذلون جهدا أقل بالفعل، لأن لديهم وقتا أقل، ببساطة.

يرتبط النوم أيضا بالالتهاب، وهي استجابة مناعية موصولة بكل شيء من الاكتئاب وحتى أمراض القلب. ويضيف يونغستدت أنك “قد لا تحتاج قدرا كبيرا من النوم كما تظن، وأن النوم لفترة طويلة إنما يكون بحكم العادة أو الملل، وقد وجدنا أن بإمكانهما التسامح مع قدر معتدل من تقييد النوم، لذا حاول خفض كمية نومك، وانظر ماذا تشعر”.

لكن ماذا عن هؤلاء الأفراد الذين يدّعون أنهم على ما يرام مع بضع ساعات قليلة فقط من النوم كل ليلة؟ ربما يدخلون في فئة المحرومين من النوم لكنهم اعتادوا آثاره ومن ثَم يفشلون في ملاحظتها، أو ربما ينامون القيلولة في وقت لاحق من اليوم، ببساطة. وعموما، فإن أقلية صغيرة منا فقط، ربما أقل من 3%، هم من يمكنهم النوم من 4 إلى 6 ساعات فقط دون أي مشكلات على الإطلاق.

وقد وجدت “يينغ-هوي فو” هي وزملاؤها في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو جينا معينا في عائلة من هؤلاء قليلي النوم، وعندما صمم الفريق الفئران لتعبِّر عن هذا الجين تعافوا من الحرمان من النوم بشكل أسرع، وبدا أنهم مروا بمراحل نوم حركة العين غير السريعة بشكل أسرع من الفئران الأخرى الطبيعية.

ما الوسائل التي تعين على النوم بشكل أفضل؟

أطفئ الشاشات

تولّد الأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة كثيرا من الضوء الأزرق ذي الطول الموجي القصير، والذي يتعارض مع إنتاج هرمون النوم لدينا (هرمون الميلاتونين)، الذي يُفرَز عادة من منتصف المساء إلى آخره، لكن استخدام الشاشات لساعتين قبل النوم يقلل من تركيزات الميلانين بنسبة 22%. كما أن قضاء وقت الشاشة قبل النوم يعني أيضا استغراق وقت أطول ليغلبك النعاس وتنام، ما يبدو -بدوره- سببا لتقليص نوم حركة العين السريعة (مرحلة REM)، وربما يُفسَّر ذلك بأن إرباك الميلاتونين يؤخر دورة النوم بأكملها، تاركا وقتا أقصر للمراحل الأخيرة قُرب الصباح، ومنها مرحلة نوم حركة العين السريعة.

لكن إن كان عيبك الأكبر في هذا الشأن هو مشاهدة التلفاز قبل النوم فاطمئن، فرغم كون ضوء التلفاز ساطعا فإننا عادة ما نشاهده من مسافة بعيدة بما يكفي لتخفيف آثاره. ويبقى الضوء الخافت الأحمر قبل الخلود للنوم هو الأفضل. لذا، أبعِد الشاشات إلى خارج غرفة النوم، أو قيِّد استخدامك لها إلى أقل من ساعتين، إذ لايبدو أن ذلك يقلِّص إنتاج الميلاتونين بشكل ملحوظ، أو جرب استخدام تطبيقات تستبعد الضوء السارق للنوم. ومع ذلك، فإن مطالعة الشاشات بمجرد الاستيقاظ صباحا قد تساعدك لتنفض عنك الترنّح والضعف من خلال تحفيزها للكورتيزول (وهو هرمون مسؤول عن النشاط والحيوية) الذي يصل إلى ذروته بعد 20 إلى 30 دقيقة من الاستيقاظ.

اشرب عصير الكرز الحامض

هل يصعب عليك النوم ليلا؟ ربما ليست حبوب الميلاتونين هي الحل، لأن العمر النصفي لها في الجسم هو من 30 دقيقة إلى ساعتين فقط، وهو ما قد يفسر النتائج المتباينة التي انتهت إليها الدراسات حول إمكانية تحسن النوم عموما بفعل المكملات الغذائية من الميلاتونين من عدمه. وبدلا من ذلك، يمكنك تناول عصير الكرز الحامض الغني بالميلاتونين لتحظى بفترة نوم أطول. وقد وجدت دراسة حديثة أن عددا من البالغين الأصحّاء ارتفعت مدة نومهم بمعدل 34 دقيقة كما انخفضت قيلولتهم أثناء النهار بعد تناولهم عصير الكرز الحامض مرتين يوميا على مدار سبعة أيام. وربما يعود ذلك إلى أن الميلاتونين في الكرز أكثر توفُّرا حيويا عما هو عليه في أقراص المكملات.

تحكَّم في درجات الحرارة

انتبه لدرجة الحرارة إن رغبت في ليلة نوم جيدة، فالميلاتونين يخفض من درجة حرارة الجسم بمعدل بضع درجات أثناء النوم، وعليه فقد تتعارض غرفة النوم الدافئة مع هذه العملية. لكن البرودة الشديدة قد تصِرف النعاس عنك أيضا، إذ وجدت دراسة حديثة أن ضبط مكيف الهواء على درجة منخفضة جدا يجعل النوم أصعب لأن الجسم يبذل كل طاقته ليبقى دافئا. النمط الأفضل لنوم هانئ ليلا هو ذلك الذي نحاكي فيه تغيرات درجة الحرارة الطبيعية في الجسم، فنبدأ بالدفء فالتبريد قليلا ثم الإحماء في الصباح الباكر. والقاعدة العامة هي إبقاء غرفة النوم بين درجتي 18 و21 درجة مئوية، مع فتح النافذة إن لم يكن الضَجيج شديدا.

اسحق عقب سيجارتك

يؤثر التدخين على النوم بغض النظر عن الوقت الذي تشعل فيه سيجارتك، وتبيّن الأبحاث أن كل سيجارة تُدخَن أثناء النهار تقلص من وقت النوم الكلي بمقدار 1.2 دقيقة، وتشير الدراسات على الحيوانات إلى أن النيكوتين يُخِلُّ ببروتين الساعة اليومية في الرئتين والدماغ.

اضطرابات النوم

أشياء مرعبة تحدث في الليل

اضطراب انقطاع النفس النومي

هي حالة شائعة شيوعا مُدهِشا تتوقف فيها عن التنفس لعشر ثوانٍ أو أكثر أثناء نومك، ومن ثم يوقظك عقلك بسبب نقص الأوكسجين، أو يأخذك إلى مرحلة أخف من النوم، وتؤثر كلتا الحالتين على جودة نومك، ونوم من يشاركك الفراش، إذ يصحبها عادة شخير صاخب.

شلل النوم

هي تجربة مرعبة، يصبح الجسم فيها مشلولا عند الاستيقاظ، في امتداد للشلل الطبيعي الذي يحدث له في نوم حركة العين السريعة (مرحلة REM)، ويكون فيها المرء واعيا تماما لكن لا يستطيع الحركة أو الكلام، وقد يمتد ذلك لعدة دقائق. كما يعتري بعض الناس أيضا شعور بالاختناق أو كأنما تُسحَق صدورهم وربما تصيبهم هلوسات بصرية. يمكن لهذه الحالة أن تتفاقم بسبب الحرمان من النوم وبعض المخدرات والاضطرابات مثل اضطراب انْقِطاع النَّفَس النَّومِيّ.

اهتزازات بداية النوم (النفضة النومية)

هي تلك القفزات أو الارتعاشات التي تمر بها أثناء الغفوة أو الحالة التي تسبق النوم مباشرة، وغالبا ما يرافقها شعور بالسقوط. لا يزال سببها غامضا، لكن ثمة فكرة تقول إنك تحلم قبل أن يصبح جسدك مشلولا، وفكرة أخرى ترى بأن هذه النفضات هي نتيجة ثانوية لجهازك العصبي الذي يحاول الاسترخاء حالما تبدأ في الغفوة والدخول إلى النوم.

اضطراب نوم حركة العين السريعة

إن كنت وجّهت لكمة إلى شريكك أو صرخت في وجهه ليلا في أي وقت مضى ثم استيقظت ناسيا ذلك كله في صباح اليوم التالي فربما تستحوذ عليك هذه الحالة. وفيها لا يصاب الجسم بالشلل التام في مرحلة نوم حركة العين السريعة، لذلك يتمثل المصابون به أحلامهم ويتصرفون وفقا لما يرونه فيها، ويغلب أن تحدث هذه الحالة مع الأحلام السيئة فقط.

متلازمة الرأس المنفجر

تنطوي هذه المتلازمة على الشعور بدويّ مرتفع للغاية وكأنه انفجار قنبلة أو طلقة نارية في المراحل الأولى من النوم أو عند الاستيقاظ، وتصيب 1 من كل 10 أشخاص، وتبدأ عند سن الخمسين عادة. لا يعرف أحد أسبابها -ربما تكون التغيرات الجسدية في الأذن الوسطى أو نَوْبة جزئية في الفص الصدغي في الدماغ- وهي حالة غير مؤذية، على الرغم من اسمها.

محرر الموقع : 2017 - 12 - 24