بعيدا عن السياسة
    

علي علي

 

في بيت شعر قديم كان الشاعر فيه يدعو الى التجدد والتطور لاسيما في طباعنا، يقول فيه:

البس جديدك إني لابس خَلِقي

 لاجديد لمن لم يلبس الخَلِقا

  تطل بين الفينة والاخرى صيحة جديدة في عالمنا، لاسيما وأن الطفرات والقفزات النوعية باتت على قدم وساق بفضل الإنسان طبعا بالدرجة الأولى، ومن ثم بفضل ماابتكره من وسائل وأدوات سهلت له تأدية مهماته على وجه الدقة والكمال والسرعة. ومن مواضع الصيحات التي تأتي بالجديد، مواضع الفن بفروعه، كذلك الأزياء والأكلات والديكورات وطرائق التحية، وغيرها من اهتمامات الشعوب في شتى بقاع العالم، تجذب الأنظار اليها من كل حدب وصوب، ويقبل الناس بشغف شديد على سماعها او لبسها او ضمها الى أكلاتهم اواقتنائها على انها سابقة من نوعها، وقد تلقى استحسانا ويستسيغها الناس ويرون فيها تجديدا له مردودات مادية او ثقافية او اجتماعية لاضير فيها، فتأخذ بذلك مأخذ التطبيق على نطاق أوسع، فتخرج حينئذٍ من مفهوم الغرائب والشواذ الى مفهوم العادات والطبائع، وبذا يكون ذاك المجتمع قد مارس حقه في التطور المشروع والتغيير المجدي والنافع، ليتأقلم مع تغيرات الحياة والبيئة، لاسيما ان الحياة العملية والسعي الدؤوب للحاق بركب التطور السريع، والقفز والوثوب تزامنا مع قفزات العصر العلمية والعملية أصبح يحتم علينا العمل بطاقات قصوى لاسيما في مجتمعنا العراقي، الذي كبَّله الحكام والملوك والسلاطين على مر العصور، وقيدوا انفتاحه واندماجه مع العالم، وخنقوه في مستنقعات الحروب والاضطهاد والجور وانواع الحصارات آخرها حصار التسعينيات، ساعدهم في ذلك من الداخل؛ خونة ومرتزقة وباعة ضمير، ومن الخارج؛ طامعون وحاقدون و (ناقصون).

   في عراقنا العريق، هناك الكثير من الرواسخ والثوابت التي ورثناها عن أجدادنا، هي محل اعتزاز وفخر في انتسابنا اليها باحتسابها هوية تثبت شخصيتنا العراقية التي ننفرد بها وسط مجتمعات العالم. منها على سبيل المثال: طريقة السلام وردِّه، بدءًا من: المصافحة وتبادل القبلات من الخد والجبين والكتف واليد، واذا كانت العلاقة أكثر حميمية فالتعبير عنها يكون (بوسة من الحلگ). وبانتهاء هذا الشوط ومن دون انتظار صافرة، يبدأ الشوط الثاني بسيل عارم من الأسئلة بطريقة الـ (صلي لا المفرد): (شلونك) و (بعد شلونك) و (شلونك بعد) ثم الاستفسار عن أفراد العشيرة فردًا فردًا الأحياء منهم والأموات. كل هذه الطبائع تدل على صفاء المودة، وصدق المشاعر وحسن النيات. لكن نظرة آنية خاطفة الى البون الشاسع والهوة العميقة والفرق الكبير، بيننا وبين دول العالم في قرننا الواحد والعشرين، من حيث التقدم العلمي والحضاري والتكنولوجي وسائر العلوم كالفلك والطب والصناعة والزراعة، الأمر الذي يوجب علينا ممارسة تقاليدنا وأعرافنا الأصيلة وطبائعنا الجميلة بشكل لايؤثر على نهج عملنا وجدواه، فجلنا يصطبح يومه في دائرة رسمية او معمل حكومي او اهلي اومؤسسة انتاجية اوخدمية اومشفى او مدرسة، ومطلوب من الجميع بذل جهد استثنائي لبناء البلد.

  فهلا مارسنا تلك الثقافات الجميلة بعيدا عن سوح العمل. وهذا لايلغي التوادد والتواصل والتعاون والتآصر، وحتما لايمكن للعراقي ان يصطبح على زميله كما يصطبحون في شيكاغو او سان فرانسيسكو، حيث يبدأون السلام بـ HAY  ويكون الرد HAY  من دون رتوش ويدخلون فورا في صلب عملهم والسلام.

محرر الموقع : 2017 - 07 - 25