" أم قصي " و" أم جاسم " رمز الوحدة والغيرة العراقية .. رسالتي للمرجع الاعلى ورئيس الحكومة
    

بين دهاليز الظلام والقهر والموت المجاني الذي يعيشه الشعب العراقي ، تشرق بين مدة وأخرى شموس عراقية أصيلة تبدد ظلمة الليل الحالك، وتنثر التفاؤل والأمل في قلوب الناس الذين اتعبتهم الطائفية المقيتة التي تعتاش عليها أغلب الكتل السياسية الموجودة على الساحة العراقية.

 

 

 

فهذه " أم جاسم " من محافظة ذي قار، الأم العراقية المجاهدة الكريمة الطيبة، تطوعت هي وأبنائها لخدمة أبطال الحشد الشعبي الذين يقاتلون التنظيم الإرهابي "داعش " غير آبهة بالموت أو القتال الشرس مع شذاذ الافاق، فهي تقول أنها التحقت بالمعارك في بداية الأمر وكانت مهمتها الطبخ وتقديم الطعام للمقاتلين في تلك المناطق، ثم تطور الأمر الى حمل السلاح وشحذ همم الجنود عندما تشتد المعارك. وقد تعرضت "أم جاسم" في أكثر من مرة للموت المحقق عند سقوط قذائف الهاون بالقرب منها إلا أن الله سبحانه تعالى كتب لها السلامة، لتكون رمزاً للأم العرقية الغيورة على بلدها وشعبها ولتقول للعالم أجمع ان العراق برجاله ونساءه لن يقبل أن تدنس أرضه الطاهرة من قبل الإرهابيين.

وفي الجهة الأخرى تكتب المجاهدة " أم قصي" من محافظة صلاح الدين أسمها بحروف من ذهب بعد أن حققت ما عجز عنه شيوخ العشائر ورجال الدين والقوات الأمنية في تلك المحافظة ، ولا أتصور أن من يسمع القصة سيصدق انها في العراق الذي تتفجر في أروقة برلمانه ونوابه الطائفية اللعينة وتقوم عليه المحاصصة المذهبية والقومية والحزبية.

فبعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على أغلب مناطق المحافظة وتم أسر الجنود في قاعدة سبايكر وذبحهم وقتلهم، إستطاع عدد منهم الفرار من داعش ثم البحث عن مأوى وملاذ آمن يخلصهم من الموت الأكيد، فكان دار هذه المرأة العراقية الأصيلة هو الملاذ الآمن، فاستقبلتهم وأطعمتهم وسهرت على راحتهم لمدة اسبوعين تقريباً، وقررت أن يكون بيتها معبراً للجنود "الشيعة" وعددهم ٢٥ شابًا، فآوتهم واكرمتهم واحسنت ضيافتهم، ثم قررت أن تنقلهم الى مكان آمن عبر سيطرات داعش الإرهابية فكان الحل الوحيد أن تنقلهم برفقة ابنائها وبناتها ليكون التمويه والتعمية وتسهيل عملية اجتياز تلك السيطرات، وفعلاُ تم بمشيئة الله تعالى خروجهم من المنطقة التي كانت تحت سيطرة داعش ليصلوا إلى أهلهم سالمين. وقد أنقذت أرواحاً من القتل فكأنها أحيت الناس جميعًا ، لأنها انقذت عشرات العوائل من الموت والحزن والغرق في العذاب الازلي فطوبى لها من شجاعة ومجاهدة وغيورة على اولادها من العراق كله.

إن مواقف " أم جاسم" وملحمة "أم قصي" يجب أن لا تمرّ على التاريخ العراقي مرور الكرام، ومن غير المنطقي أن تكون قصص عابرة وتذهب في أدراج الإرشيف، خصوصاً وأن العراق يعيش حالة من "التهور السياسي الطائفي" الذي يُذكي نار التفرقة بين العراقيين، وأعتقد أن هذا الظرف هو الأنسب لنخلق رموزاً وطنية للأجيال والتاريخ ولا نسمح للطائفيين أن يسيطروا على المشهد العراقي برمته.

أنا أضم صوتي لمن أطلق على السيدة أم قصي لقب (طوعة هذا الزمان) إعتبارًا بالسيدة (طوعة) التي هي إمرأة من أهل الكوفة استضافت مسلم بن عقيل رسول الإمام الحسين عليه السلام بعد أن تخلى عنه جميع اهل الكوفة إلا هذه المرأة المجاهدة التي آوته وحمته من كيد الكائدين. فهي حقاً تاج على رأس كل السياسيين شيعتهم وسنتهم واكرادهم .

رسالتي الأولى الى رمز وحدة العراق صاحب مقولة " أنفسنا " سماحة المرجع الاعلى السيد علي السيستاني حفظه الله أن يكون لتلك المرأة السنية تكريم خاص من قبله شخصياً وهي تستحق ذلك .
ورسالتي الثانية الى رئيس حكومة التغيير الإصلاحية التي بدأت تعمل بشكل مختلف تماماً عن حكومة سلفه الذي لم يعرف كيف يتعامل مع طوائف شعبه وقومياتها.

اقول للسيد حيدر العبادي ان التضحية الكبرى والمجازفة المخيفة التي أقدمت عليها " السنية أم قصي " وهي تخترق صفوف الدواعش حاملة معها جنود " شيعة " برفقة بناتها، لا تقدر بتكريم ، ولا يمكن ان نستكثر عليها إقامة أكثر من نصب في وسط العاصمة بغداد ليشاهد القادم الى العراق من جميع الجهات أن العراق ليس بلداً مقسماً طائفياً وان شعبه متوحد ومتآلف .
كما اتمنى أن تكون هناك بوسترات كبرى في مناطق العاصمة بغداد تضم " ام قصي " و " أم جاسم" في صورة موحدة وعبارات تدل على الوحدة والأخوة والحب بين افراد الشعب العراقي .

كذلك أطالب جميع المنظمات والاتحادات والهيئات العراقية أن يكون لها دور في إبراز الصورة الناصعة للشعب العراقي وعدم التركيز بشكل دائم على الحالات السلبية التي تخلقها الكتل السياسية وليس افراد الشعب المتآخي .

غفار عفراوي
كاتب عراقي

محرر الموقع : 2015 - 07 - 27