هل تمنع الكتب شباب العراق من الهجرة؟
    

بعد احد عشر عاما على سقوط النظام السابق مازال الشاب العراقي، الذي يشعر باليأس من المستقبل، يحاول الهجرة من البلاد. لكن الكثير من الشباب يأملون ان يظهر البلد يوما ما بلدا عصريا كحال بلدان كثيرة مثل دبي. يقول علي المخزومي  "حقيقةً نريد بغداد ان تعود الى الثلاثينات أو الأربعينات أو الخمسينات، فلقد كانت اكثر تحضرا، لقد عرفنا ذلك من القراءة عنها".
 في غرفة بالطابق الثاني من مقهى الأطرقجي، أنشأ المخزومي مكتبة عامة تضم ما يقرب من 800 كتاب لتشجيع الزبائن على استغلال الوقت في القراءة و الهرب من العالم الخارجي. منذ وقت طويل والتفجيرات في  بغداد امر شائع لدرجة ان العنف لم يعد يقلق العراقيين اكثر من مصاعب الحياة اليومية في العاصمة التي صارت تشبه ثكنة عسكرية. الزحامات  الناجمة عن  إغلاق الطرقات ونقاط التفتيش، حوّلت الحياة الى محنة يومية، أما علي فانه يقضي رحلته اليومية بقراءة الكتب .
العراق هو البلد الذي اكتشفت فيه الكتابة، كما تشتهر بغداد بسوق الكتب الا أن الإجراءات الأمنية المشددة تعني ان القليل من الناس تستطيع الوصول بسهولة الى المكتبات العامة.
في شارع المتنبي الذي يكدس فيه التجار كتبهم المستعملة و الذي أعيد بناؤه بعد التفجير الذي طاله قبل سبع سنوات، تعرض كتب الشعر و الأدب و الثقافة كل نهاية أسبوع، لكن في الأيام الأخيرة  يتجمع الشباب حول كشك لبيع النظارات الشمسية غريبة التصميم اكثر من تجمعهم لشراء الكتب. يقول احد بائعي الكتب متحسرا " الشباب لم يعد يقرأ ".يقول المخزومي انه ورث حب الكتب عن أمه و أبيه الذي توفي و ترك الكثير من الكتب.
يقوم المخزومي – الموظف في وزارة الثقافة – بتمويل مشروعه من جيبه الخاص. حاول في البداية اطلاق المشروع في مقهى عصرية في مول المنصور الا انه وجد الناس مهتمون بالتبضع اكثر من اهتمامهم بالثقافة، فتحول الى دار الأطرقجي التي حولها مالكها الى مقاهي بغدادية تاريخية.
يقول عبد الرزاق الأطرقجي ، الذي تبيع عائلته التحف والسجاد في العراق منذ اكثر من قرن " لدينا في بغداد 1600 دار من القرن الثامن عشر لكنها بلا عناية .. لا أحد يهتم بالإرث". افتتح السيد الأطرقجي مقهاه قبل ستة أشهر في منطقة المنصور وزخرفها بشبابيك وأبواب وأعمدة رائعة من التراث القديم جمعها من الأسواق، مقاعد خشبية مغطاة بالوسائد ومرتبة حول موائد بغدادية تقليدية مطعمة ببلاطات من السيراميك مزخرفة بالزهور. في الطابق العلوي، و في غرفة تصطف فيها المرايا، يجلس رجال و نساء كبار السن متأنقين يتذكرون بغداد القديمة و يستمعون الى محاضرة عن الشعر .
يقول الأطرقجي والمخزومي انه اذا عادت الثقافة الأدبية و أصبحت جزءا من الحياة اليومية فان جيل الشباب يمكن ان يعيد بناء البلد .
المكتبة التي يؤسسها المخزومي تتضمن كتبا من مجموعته الخاصة و عشرات الكتب هدية من أستاذ الإعلام في جامعة فرجينيا التي ذهب اليها المخزومي قبل عامين في برنامج متبادل برعاية الحكومة الأميركية. تتضمن المجموعة كتبا عن التاريخ والسياسة والشعر والرواية. يقول ان معرض بغداد الدولي أهداه كتبا لكنه رفض العديد منها لكونها كتبا دينية تركز على الشريعة الإسلامية.
يقول "المجتمع الذي نريد دعمه هو مجتمع ليبرالي تحكمه الديمقراطية يقول فيه المرء ما يشاء، نحاول الحصول على كل أنواع الكتب لكننا نريد تشجيع الشباب لتكون عقليتهم متفتحة".
الكثير من أصدقاء المخزومي هاجروا الى الغرب او قدموا طلبات لجوء. في 2005 تم اختطاف شقيقه الأكبر سنا ، فدفعت العائلة جزء من الفدية لكنهم لم يسمعوا من الخاطفين شيئا منذ ذلك الحين . بالإضافة إلى المكتبة ، شكّل المخزومي مجموعة من المتطوعين للقيام بحملة تنظيف المواقع التاريخية و تعريف الشباب العراقي بالمتاحف، وهو يقول "نسمع ان الكثير من الشباب يتمنى مغادرة العراق، انهم يشهدون العنف كل يوم، بالإضافة الى عدم احترام القانون و زحمة المرور، لكن عندما نقوم بهذه النشاطات الثقافية فإننا نربط ميراث العراق بقلوبهم ، مما قد يمنحهم سببا للبقاء".

عن: واشنطن بوست

 ترجمة عبدالخالق علي

محرر الموقع : 2014 - 04 - 11