هذه فاجعة تحتاج ألم وليس قلم
    

امجد العسكري

 

رجل ضرير "جابر الانصاري"  وخادمه " عطية العوفي"يتبادلان مجالسة القبور، قبور يفوح منها عطر الشهادةفي ارض امتزجت فيها اشلاء الاجساد قبل دمائها، كانت رائحة ذلك العبد الاسود "الحر الرياحي"تطوف فوقسماء كربلاء، وهناك على مقربة ليلة وضحاها قافلة تسير، فحواها نياق هزل ونساء قد هتكت ستورهن، وأبديتوجوهن، بعد ان حدى بهم الاعداء بعيدا عن اهليهم والديار، فعادوا لنقطة البداية، واي بداية؟ صبيحة يومعاشوراء.

 

من هناك كانت بداية المسير، وبمقياس الزمن بعد يومين سيُلم شملهم، بعد رحلة السبي الطويلة ستقف "الرباب"وترضع طفلها فقد در حليب صدر الام بعد جفافه في يوم العاشر من محرم، ستنادي " ليلى" ولدها "علي الاكبر"فقد اشتاقت لرؤية رسولها الكريم، "سكينة" ستذهب بعيدا عن القبور وتنحدر في الوادي تبحث عن قبر عمها"العباس" تشكي له ظلم الاعداء، وجور الايام، وسياط الشمر لايزال اثرها على ظهرها العفيف، بين اصوات البكاءوالعويل سيعلوا صوت تلك المرأة مرتفعا بالهلاهل والتباشير وبيدها اناء وضعت فيها الحناء والشموع وتوقضعزيزها " القاسم" فمراسيم الزفاف لم تكمل بعد، "ورملة" مازالت تترقب ليلة زواج ولدها. 

 

لكل امرىء منهم تلك الساعة شأن يغنيه، وشاغل يشغل تلك النساء الثكالى اللاتي ارهقهن زجر السياط، وحرقةالفراق، سيقف " السجاد" يشكي لجابر الانصاري وكيف فُرق بين اجساد القوم ورؤسهم، كيف ذبح الرضيع ونحر،سيحدث جابر عن لوعة عطش ابيه الحسين وعن السهم الذي اعمى عمه العباس، سيصف لجابر كيف احرقتالخيام وسلبت النساء، و اخذهن سبايا من بلد الى بلد، يتصحف وجوهن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليسمعهن من حماتهن حمي. 

 

حر قلبي، وعجزت كلماتي، وتوارت عن القلم مفرداتي، جلست اتوسل بمخليتي، استجدي الصور والاحداث، اقلببين صفحات كتبي، فلا " ابو الاسود  الدوئلي" ولا "سيبويه" ولا حتى اعظم الشعراء واكثرهم من تغنى وراقصالمعاني العربية والمرادفات النحوية قادر على وصف ذلك اللقاء بين ادم وحواء، لا بل من هو اكبر، عذرا ياربي،مازلت اعجز وسأظل كذلك امام ذلك الملتقى، حين يجالس جبل الصبر الفداء، وحين يحاور العز الاباء، حين مرجالبحرين يلتقيان بينهم مصائب "فاطمة" و "علي" يتبادلان،  اي لقاء؟ واي حديث؟ واي عتاب واعذار؟ 

 

ستحط رحالها، وتخرج من تحت عبائتها رأس أخيها، تتوسد "زينب" التراب، فحبيب لا يجيب حبيبه ياحسين،تناديه بتلك الكلمات فأنى لك بالجواب وقد فصل بين رأسك وجسدك، تحطم زينب عليها السلام سلاسل صبرهاوتبث شكواها وحزنها لاخيها الحسين، شاكية له جور الدهر، ومافعل الاعداء، وكيف كان "يزيد" جذلانا مسرورا،ينكث ثنايا الرأس الشريف بمخصرته، كثيرة هي تلك الآلام في قلب الحوراء، وكأني بجسد الحسين واقفا يتفحصالعائدين، نحره الطاهر، وجسده المقطع الاشلاء، حوافر الخيول، وسهم ذو ثلاث شعب، وحجر "ابو الحتوف"،الحسين بتلك الحال سيسأل الحوراء، فتلك سكينة بقرب العباس، وليلى جنب الاكبر و رملة عند القاسم، والرضيعفي حضن الرباب، والسجاد يحادث جابر، ورقية؟ مالي لا أرى رقية؟ ستخبره زينب وسيكون الرأس شاهدا انهافارقت الحياة بين جدران خريبة الشام، ماتت وهي تحتضن الرأس الشريف. 

 

في مدينة الرسول الاعظم، امرأة هرمة طاعنة في السن، على يدها رضيع وفي اليد الاخرى قارورة مليئة بالرمال،وفي صحن دارها فتاة مريضة تركها الاهل وهي تنتظر رجوعهم، تواسي احداهما الاخرى ويصبران بعضهما،وهن ينتظرن "بشر بن حمبل" فصوت وقع فرسه بات قريبا، وقلوبهم مشتاقة لخبر الحسين، فهل ياترى يطمئن قلب"ام البنين" ويطيب خاطر تلك الفتاة "فاطمة العليلة" بعودة المسافرين القادمين من كربلاء، ربما نجد الجواب فيابيات "ام كلثوم" ؛

 

مدينة جدنا لا تقبلينا  

فالبحسرات والاحزان جئنا

وقد ذبحوا الحسين ولم يراعوا

 جنابك يارسول الله فينا

ذهبنا عنك بالاهلين جمعا

 فعدنا لا رجال ولا بنينا

 

محرر الموقع : 2017 - 11 - 10