الدين وهم أم حقيقه
    

قضيه فلسفيه شغلت الانسان كثيرآ , كما شغلتهم في كل مكان وزمان , وهي محط نقاش الطبقات المتعلمه والجاهله , كما هي موضوع  أهتمام الشعوب البدائيه والمتقدمه . أنها القضيه التي شغلت الأنسان منذ مرحلة أحساسه بوجوده بالحياة والى خاتمة حياته.

من الملاحظ أن المؤمنين والناكرين للدين لا يفتأو يبدون ألآراء  تلو الآراء والدليل بعد الدليل في النفي والأثبات, لكن في نهاية الأمر لا يسعنا الى الركون الى أحداها .

أن وجهت النظر الناكره تقول أن الدين نتاج نفسي ولدته الحاجه على أمل أن يضفي على مشاعر الناس المتعبه والقلقه الهدوء والسكينه, وهي أهم عناصر الشعور بالسعاده, أنه الأحلام كما يدعون التي لولاها لعاش الأنسان حاله من الجدب والتصحر الشعوري, وهذا يشكل أحد أكبر مشاعر الأكتئاب عند الأنسان , وكما قال الشاعر العربي :

أعلل النفس بالآمال أرقبها            ما أضيق العيش لولا فسحت الأمل

كما أن أصحاب هذه النظريه يقرون بأن العلم لا يستطيع أشباع كل التساؤلات وأشباع كل مشاعر الأنسان, لأن العلم لا يستطيع أن يوعد أو يكذب لأنه يرتكز على حقائق ويتحدد بحدود الموضوعيه وهذين العنصرين لا يستطيعان الأحاطه بتطلعات النفس الأنسانيه لما تمتلكه النفس الأنسانيه من حاله من الطيران خارج حدود الأنسان المادي, ولكي يسد الأنسان هذه الحاجه ويشبع هذا التساءل أخترع الدين من عنديات مخيلته وأطلق العنان لها لكي تأتيه بما يسد رمقها من الأجوبه حتى أذا على شكل أوهام لكي تقنعها أو على الأقل أرضاءها , وتهدأ روعها, فلطالما يرتعب الأنسان من المجهول وماسينتظره ما بعد الموت, كما هناك شعورآ قويآ لايقاوم من رغبة الخلود.

هذه المشاعر لا يسد فراغها الا الأمل الذي يصنعه الدين, كما أن هذه المشاعر والمطامح هي ما أنعشت الأفكار الطوباويه ,كما هو يعبر عن لسان حال أصحاب هذه النظريه, وهذه الطوباويه تشمل الأديان والأفكار الفلسفيه والأجتماعيه التي ظهرت عبر التاريخ ومنها ما ظهرت على شكل أفكار فلسفيه مثاليه وأشتراكيه(شيوعيه) , ويوتوبيا على شكل روايات كمدينة الشمس وغيرها من الروايات المثاليه وهي كثيره لا يسع المقام هنا ذكرها.

من المهم الأشاره الى أن أصحاب هذه النظريه لم يقللوا من ضرورة هذه الأوهام كما يسموها, لأن هذه الأوهام كما يزعمون هي الدافع والمحرض الرئيسي لأنجاز أعظم الفنون , وأعظم النصب والمنشأت في كل بقاع المعموره حتى أن ألغاءها أو هدمها سيجرد العالم من كل الأعمال العظيمه , ويجعل منه عباره عن بقاع مجدبه وخاليه من كل روح.

نلاحظ وخاصه خلال القرنين الأخيرين قد بذلت جهود كبيره من قبل متبني هذه النظريه, وبكل حماسه لتدمير هذه الصروح والمتبنيات الدينيه بأعتبارها متبنيات قد عفى عليها الزمن ويجب على الأنسان الحديث مغادرتها وأسدال الستار عليها بعد أن دخلت الأنسانيه طورآ جديدآ , وعهدآ مختلفآ من التفكير لا مكان لهذه الأوهام فيه. بل يجب أن تكون شيئآ من التاريخ , وصفحه من صفحات تطور البشريه , وهو ما يعبر عنها بالتراث المكتوب يمكن الرجوع اليه للأستئناس لا أكثر.

بعد أن قطع أصحاب هذه النظريه فتره طويله من العمل المضني بتدمير هذا التفكير وأستعملت كل الطرق لألغاءه ومنها العنف الذي وصل الى حد اعدام الكثيرمن معتنقيه , فتفاجئ العالم من جراء ذلك بظهور أعراض مشاعر اللا معنى والتيه الفكري والخواء الروحي , وهذا ما ساهم بظهور أعراض الأكتئاب النفسي والجنون العقلي, وهو بالحقيقه تهديد خطير للمجتمعات الأنسانيه , كما أكتشف الأنسان بأن العلم لم يسعف الأنسان بتحقيق ما يأمل من سعاده رسمته له نظريات الألحاد والتي لم يجني منها الا السراب الذي لم يروي ضمأهم النفسي. لهذه الأسباب نشاهد الزحف العظيم لجموع البشر بالرجوع الى الدين هاربآ اليه من وحشة حياة الا معنى.

كما أن العلم عجز , كذلك الفلسفه الماديه عجزت من أن تقدم للأنسان ما يطمئن مشاعره ويحقق أمانيه, فعجزت هي الأخرى بتقديم مثل أعلى كنموذج أخلاقي أو فكري أو مشاعري حتى أنساني يقنع الأنسان ويملي عليه وحشته التي حولت واقعه الى جحيم وما الأمراض النفسيه والعقليه والتذمر العام والشامل في كل المجتمعات الا مصداق لما ندعي.

هذا الحضور القاسي لما يعانيه الأنسان هو من جعل البعض من أصحاب هذه النظريه بالأضطرار الى القول بضرورة وجود الأوهام بأعتبارها ضروره حتميه تعالج عنصر مهم بالكيان الأنساني, فشل بالأستجابه له العلم والفلسفه, فقد فشلت كل النظم السياسيه والأفكار الفلسفيه والأجتماعيه والنظريات العلميه بأشباع هذه الغريزه.

أن المسار الصاعد والمندفع في أوساط الناس لم يأتي من فراغ وأنما هو سعي لتلبية حاجه موضوعيه, وهي كغيرها من حاجات الأنسان الذي لها وجود واقعي , فمثلآ الحاجه الى الطعام حاجه واقعيه , والحاجه الى الجنس كذلك الكثير من الحاجات التي تطلب أشباعها والأستجابه لها , هي بالحقيقه وجود واقعي , كذلك مواضيع أشباعها هي من ذات الموضوع أي لها وجود من طبيعة الحاجه , وكما أن للحاجه طبيعه واقعيه , يكون أشباعها لها طبيعه واقعيه أيضآ , فبما أن للأنسان حاجات ماديه وغير ماديه , كذلك تكون طبيعة ما يشبعه من كلا الحالتين , وبهذا لا يمكن الوصول لأي حاله من الأستقرار للأنسان الا بأشباع هذين الطبيعتين الماديه والروحيه . خلاصة الموضوع أن الأنسان لم يحس بحاجه شئ ما لم يكن له وجود واقعي , وأن نكران أحد هذين الجانبين من قبل الفلسفات ذات الطبيعه الماديه هي ما ساهمت بظهور أراء متطرفه زادت من حيرت الأنسان وفاقمت من معاناته النفسيه والروحيه .

يتضح مما سبق ليس للأنسانيه الا تصحيح مسارها وذلك بالرجوع الى الله , وهو من هندسها والعارف بمقتضيات حاجتها , وهو العارف بخريطة الأنسان بجانبها الروحي , والتي لا عهد للأنسان بها حيث قال الله في محكم كتابه (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) . ان الله ترك للأنسان كل حلقات حياته وجعل فيه كل القدرات التي تلبي حاجاته الماديه وترك لنفسه حلقه واحده الا وهي حلقة الروح والتي جعلها من صلب أختصاصه لكي يربط الأنسان به .

هذه النظريه هي التي أميل أليها وأعتقد بها والتي تنطلق من نظرة هندسة الوجود, أما النظريه الأولى فتعتمد على فوضوية ولا أدريه الوجود.

هناك مسأله ينبغي الأشاره أليها ألا وهي بعض الممارسات التي يقوم بها البعض على أنها ممارسات عباديه , وهي بالحقيقه لا تعبر عن حقيقة الدين وأنما هي أعمال تمارس لأشباع الجانب الحسي للأنسان , كما هي من ضمن دائرة المسموح بها , وهي تعتبر كمقدمه لغايه من أصل الدين ,هذا الأمر نشاهده بالمناسبات التي يعبر بها المؤمنون عن حبهم , أو حزنهم لأمام أو نبي أو شخصيه صالحه , وهي ممارسات مسموح بها ما دامت تمارس في حدود دائرة المعقول. فمثلآ أن الممارسات الشعائريه التي تقوم بها الطائفه الشيعيه لا تتنافى مع مبادئ الأسلام , ما عدى بعض المظاهر التي دخلت مؤخرآ وهي مما لا يعتد بها حتى جمهور الشيعه أنفسهم . هذه الممارسات الشعائريه تدخل على ممارسيها شعور الراحه والأطمئنان , وهي تصب بنفس المصب العبادي , حيث يشتركوا في أشباع الحاجه النفسيه , وأضفاء مشاعر السعاده والرضى في نفوسهم وهذا هو واحد من أهم أهداف الدين , كما هو دليل واقعيته.

أياد الزهيري

محرر الموقع : 2017 - 11 - 10