دخلت السعودية حقبة الإنقلابات العسكرية
    

محمد ضياء عيسى العقابي

 

إستطاع النظام الوهابي السعودي تفادي نمط الحراك السياسي الذي ساد المنطقة العربية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ألا وهو نمط الإنقلابات العسكرية والإنقلابات المضادة الناجحة منها والفاشلة. لقد دشن العراق أول إنقلابين عسكريين وهما انقلاب بكر صدقي عام 1936 ثم رشيد عالي الكيلاني عام 1941.

 

وإشتد نمط الإنقلابات في خمسينيات وستينيات ذلك القرن بالتزامن ونتيجة لنكبة فلسطين. بعض الإنقلابات آلت إلى ثورات حقيقية كالثورة المصرية والعراقية والسورية.

 

تم اللجوء الى الإنقلابات العسكرية بسبب الحنق الجماهيري على النظم العميلة للإمبريالية السائدة بعد معاهدة (سايكس – بيكو) ومثيلاتها وبعد نكبة فلسطين، وبسبب كبت الحريات ومنها حرية التعبير. وبالمقابل كانت القوى الإمبريالية تدبر الإنقلابات العسكرية وغير العسكرية المضادة.

 

لم تكن السعودية بأحسن حال من الدول العربية الأخرى فلماذا لم يحصل فيها إنقلاب عسكري أو حتى محاولة إنقلاب؟

 

تعقيباً على أحداث إنقلابية حدثت في اليمن في مستهل ستينات القرن الماضي وفي أعقاب إنقلاب 8 شباط 1963 البعثي الطغموي(*) الفاشي في العراق، قالت صحيفة التايمز اللندنية في مقالها الإفتتاحي بأن لعبة الإنقلابات العسكرية الجارية في المنطقة هي لعبة أمريكية. كانت الصحيفة المحافظة بالطبع تتكلم عن الإنقلابات المضادة التي تدبرها أمريكا.

 

إن الدور الأمريكي الذي إحتضن المملكة السعودية إحتضاناً شديداً شكّل أولَ أهم الأسباب التي أبعدت النمط الإنقلابي عن الرياض. هناك عوامل أخرى مهمة أيضاً. فوجود قبلة المسلمين أي مكة في الجغرافية السعودية منحها موقعاً خاصاً مشفوعاً بالرشى التي كانت تقدمها السعودية للحكومات الإسلامية الدائرة في فلك المعسكر الإمبريالي. تأريخياً، قطع الإستعمار البريطاني الدول الخليجية بضمنها السعودية عن المنطقة العربية وأحداثها وأراح "ضمائر" أبنائها حيال القضية العربية الأولى أي القضية الفلسطينية بالدعم المالي وكفى. كما أقنع الناس عموماً بمستويات معاشية أعلى نسبياً من الآخرين. وفي السعودية كان هناك التجهيل الوهابي المقرون بالقمع الوحشي.

 

أُسند للسعودية الوهابية الغنية بالبترول دور خاص ينفذ بوسيلة خاصة تغلب عليها الدبلوماسية الهادئة والعمل الهادئ الدؤوب فكانت الحاضرة الغائبة في الأحداث. كانت تترك الإصطدام العلني للإمبرياليين وللحكومات الرجعية في المنطقة وهي حكومات إيران وتركيا وإسرائيل وتنشغل سراً ببث الفكر الوهابي المتطرف في الدول الإسلامية الأفريقية والآسيوية الفقيرة. كانت تنشر التطرف الإسلامي وتحارب الأفكار الإشتراكية أثناء الحرب الباردة. أما الحج فقد شوهت السعودية أغراضه الأصيلة وجعلته شعيرة جامدة تدعو للإستكانة بدل مواجهة المؤامرات الإمبريالية الصهيونية.

 

ذكرت الوثائق البريطانية التي أُزيلت عنها السرية بأن ملك السعودية كتب بالمعنى التالي لتشرتشل بصدد تشكيل الجامعة العربية بعد الحرب العالمية الثانية وقد نشط في هذا المجال جهد مشترك بين مصطفى النحاس ونوري السعيد: الهاشميون في العراق يريدون إسترجاع الحجاز لحكمهم والمصريون يريدون زعامة الأمة وإني سوف لا أتحرك إلا بما تشيرون به علينا.

 

من الحالات التي كشف الغباءُ السياسي النشاطَ السعودي التآمري هو سعيها لإغراء مدير المخابرات السوري عبد الحميد السراج على إغتيال  الزعيم العربي الراحل الرئيس جمال عبد الناصر وكان السراج مقرباً من الرئيس ناصر أثناء الوحدة بين مصر وسوريا وتأسيس (الجمهورية العربية المتحدة). لقد كشف ذلك على الملأ السراج نفسه وأبرز للإعلام نصف الصك الذي إستلمه والذي يحمل المبلغ الذي تجاوز المليون دولار مقابل إغتيال الرئيس ناصر على أن يُستكمل الصك بعد تنفيذ العملية.

خلاصة فإن المجتمع السعودي كان منقطعاً عما يدور حوله من أحداث تغلي بسبب القضية الفلسطينية وبسبب النزعة نحو التحرر والوحدة وتحقيق العدالة الإجتماعية. وبذلك لم يلعب العسكر السعودي أي دور سياسي كما لعبت الجيوش العربية الأخرى.

 

خلال الأيام القليلة المنصرمة زج ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المملكة في دهليز سوف يفضي بالضرورة الى مرحلة من الإنقلابات العسكرية. لقد أصدر أوامر قبض بتهمة الفساد بحق أمراء وأغنياء وقائد عسكري. وسبق له أن حجّم دور بعض المؤسسات الوهابية كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لقد تحرش هذا الأمير الذي يبدو عليه الطيش "النافع" بأهم دعائم النظام السعودي وهي: مؤسسة العائلة المالكة، المؤسسة الدينية الوهابية، مؤسسة أهل المال والإعلام المدرب أمريكياً، وبقدر أقل المؤسسة العسكرية عبر إلقاء القبض على قائد القوة البحرية بتهمة الفساد أيضاً.

 

أزال كل هذا إضافة الى الفشل الذريع في اليمن وفي البحرين وفي سوريا وفي العراق وفي ليبيا وفي لبنان – أزال برقع القداسة عن العائلة المالكة وبرقع العزلة مما فتح الباب واسعاً أمام العسكر من شتى الأنواع والاتجاهات الفكرية أن يفكروا بالتحرك لإنقاذ الوضع.

 

الأسباب التي ستُعزى اليها الإنقلابات العسكرية القادمة هي واحدة أو أكثر أو جميع العوامل التالية المترابطة بدورها مع بعضها وفق الصيغة الجدلية السبب والنتيجة:

 

نمو شريحة واسعة ديمقراطية في المجتمع السعودي مقابل تشدد وإنغلاق على الجانب الوهابي الحكومي الشمولي، إزدياد منسوب القمع والإبادة للطوائف غير الوهابية التي تشكل الأغلبية في المجتمع السعودي، إزدياد الرفض المجتمعي لإضطهاد المرأة السعودية، ضغوط أمريكية (ترامبية) للإنفتاح غير مبالية بإحتمال تفكك البلد حيث أن ذلك مفيد بحد ذاته لسياسة المحافظين الجدد لأنه سيسهم في تفتيت السعودية خدمة لإسرائيل، تذمر جماهيري من المغامرات الفاشلة والمنافية لإدنى المعايير والقيم الدينية والقومية والإنسانية والأخلاقية في كل من البحرين وسوريا واليمن والعراق وليبيا ولبنان، رفض سياسة التحالف مع إسرائيل ومعاداة إيران وشيطنتها دون وجه حق إلا لأنها تدعم الحق الفلسطيني بقوة، في الوقت الذي تتقرب السعودية فيه أكثر فأكثر من إسرائيل وتنخرط في تآمراتها تستعيد القضية الفلسطينية أولويتها في حياة المجتمعات العربية والمجتمعات الدولية.

 

 حتى لو تراجع الأمير الطائش عن أعماله فقد فاته القطار والعملية غير قابلة للعودة. الإنقلابات العسكرية قادمة في السعودية إن عاجلاً أو آجلاً.

محرر الموقع : 2017 - 11 - 10