الربيع العربي في السعودية
    

ثامر الحجامي

    ما زالت أحداث ثورات الربيع العربي حاضرة في أذهان الجميع، منذ انطلاقتها أواخر عام 2010 في تونس، ثم اتجهت لأكبر الدول العربية فأطاحت بنظام حسني مبارك، الذي تبعه الرئيس الليبي معمر القذافي، ومن ثم عبرت البحر الأحمر ليعلن عبدالله صالح تنحيه عن السلطة في اليمن، واتجهت الى سوريا التي ما زالت المعارك مستمرة فيها الى هذا اليوم.

    حدثت خلال هذه الثورات، العديد من المتغيرات السياسية والمعارك الدامية، وراح العديد من الضحايا حتى وصل في معارك ليبيا الخمسين ألف قتيل، وفي سوريا تجاوز هذا العدد بكثير، ومازالت المعارك مستمرة دون وضوح الصورة التي ستؤول إليها هذه الحرب في المنظور القريب، وهذا الحال ينطبق على اليمن الذي يتعرض لحرب إبادة بقيادة التحالف الدولي، إضافة الى الصراعات الداخلية المسلحة بين أطرافه السياسية، كما كان من تداعيات هذا الوضع، دخول داعش الى العراق واحتلاله ثلث مساحته عام 2014، وخوض العراق حربا ضروسا مع المجاميع الإرهابية منذ أكثر من ثلاث سنوات، انتهت بخسارة التنظيم الذي أريد له تغيير الخارطة الجيوسياسية في المنطقة.

    في كل الأحداث الدراماتيكية هذه، التي ضربت المنطقة منذ سبع سنوات، كان الدور السعودي واضحا في مجرياتها، فالتحالف الدولي الذي اسقط القذافي كان مدعوما من دول إقليمية في مقدمتها السعودية وقطر والإمارات، ثم تحولت ليبيا الى ارض للصراع بين هذه الدول، وخصوصا بين السعودية وقطر كان الضحية فيها الشعب الليبي، وهو الأمر نفسه الذي حدث في الثورة المصرية، حيث كانت مصر مسرحا للصراع الشديد بين قطر وتركيا، اللذان يدعمان الأخوان المسلمين من جهة، وبين السعودية من جهة أخرى، وليس بعيدا عنا ما يحدث من حرب إبادة وتجويع وتشريد للشعب اليمني، من قبل التحالف الدولي بقيادة السعودية.

    أما في سوريا والعراق، فقد اتخذ التدخل السعودي منحا آخر، تمثل بالتدخل المباشر في شؤون هذه الدول، وتزويد العصابات الإرهابية بالمال والسلاح، والتحاق الكثير من الإرهابيين وخصوصا السعوديين بهذه المجاميع المسلحة، إضافة الى حجم الدعم الإعلامي الطائفي الكبير الذي وفرته السعودية لهذه المجاميع، والشواهد كثيرة في هذين البلدين على ما كانت تفعله السعودية، وكميات الأسلحة وأعداد الإرهابيين لاتعد ولاتحصى، وكأن السعودية أصبحت مملكة للشر وأفعى تضرب بذيلها في كل أرجاء المنطقة، ولم يسلم منها حتى جارتها الصغيرة وشريكتها في مجلس التعاون دولة قطر، التي انقلبت عليها هي الأخرى.

     ولم يخطر ببال احد أن السعودية سيصيبها ما أصاب بلدان المنطقة، من تغييرات سياسية وتبدلات في أوضاع الحكم، وأنها ماضية الى تقاسم المنطقة مع إيران وتركيا، اللذان تعيش معهما السعودية صراعا سياسيا واقتصاديا، وتنازعا في مناطق النفوذ سواء في سوريا أو العراق واليمن، مستعينة بالدعم الأمريكي الذي وفره الرئيس ترامب، مقابل كميات ضخمة من الدولارات السعودية وصفقات كبرى من الأسلحة، جعلت من الجيش السعودي الثالث عالميا من حيث استيراده للأسلحة، إضافة الى حجم أموال الأمراء السعوديين المستثمرة في أمريكا، تجعل من السعودية وأمرائها في مأمن من أي تغيير سياسي.

    وما هي إلا سويعات؛ وانشغل العالم بإعصار تسونامي الذي ضرب السعودية، واسقط أمرائها من بروجهم العاجية، ولم يكد ينتهي إلا ووجد هؤلاء الأمراء أنفسهم محتجزين في غرف مغلقة، بعد أن دعي بعضهم الى حضور اجتماعات وجر البعض الآخر من منازلهم بطرفة عين، في عملية مرتبة ومدروسة من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث كانت تنتظرهم تهم الفساد وسرقة المال العام، ولكن حقيقة الأمر التي اتفق عليها الجميع، أن الموضوع هو تغيير للطبقة الحاكمة في السعودية، وتمهيد لتولي العرش من قبل ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، الذي لن يتحقق له ذلك إلا بإزالة كل معارضيه، من عواجيز العائلة الحاكمة.

     ويبدو أن ما فعله الأمراء السعوديون في بلدان المنطقة، من فوضى وإرهاب ونزاعات طائفية وسياسية قد ارتد عليهم، وجاء يوم السداد عن كل ما اقترفوه، وربما لن ينجو منهم احد حتى لو تم الاستيلاء على جميع أموالهم، بل إن ما ينتظرهم هو الموت المؤكد، الذي لن يتواني عنه ملك السعودية الجديد، فهل سنشهد سعودية أخرى غير التي رأيناها ؟ ذلك ما ستجيب عنه الأيام القادمة.

محرر الموقع : 2017 - 11 - 11