في السويد ... "الاختطاف الشرعي" متى تأخذ الدولة الأطفال من عائلاتهم؟
    

 مصادرة حق الأم أو الأب برعاية أطفالهم، وانتزاعهم من عائلاتهم، هو أمرٌ قانوني وشائع الى حد ما في السويد، تلجأ إليه السلطات الاجتماعية، عندما تقرر أن كلا الوالدين، أو إحداهما، غير قادرين على رعاية وتربية الأطفال، فتقوم الدولة بتدبير أمور تربية الأطفال والبحث عن عائلات بديلة.

وعندما يكون الأطفال ينتمون إلى عائلات شرقية، تصبح هذه الظاهرة أكثر تعقيدا، ويظهر على السطح الإختلاف الكبير بين قيم المجتمع القديم والجديد، وتزداد تداعيات عدم الفهم الصحيح لقوانين وحقوق الأطفال، إضافة إلى عوامل أخرى عديدة، تنتج قصصاً مأساوية تفككت من ورائها عدة عوائل. 
جريدة الكومبس اطلعت على قصة جمال عقيل، والتي تعد واحدة من هذه القصص التي تعكس مدى التعقيدات الاجتماعية التي تنتج عن عدم التصدي لتفاقم الخلل في تربية الاطفال، ومنع وصول هذا الخلل إلى حد "اختطاف" الأطفال من عوائلهم، حتى لو كان هذا الاختطاف شرعي ومن قبل مؤسسات الدولة وبحسب القانون. 
قبل عشرة أعوام، قررت دائرة الخدمات الإجتماعية Socialtjänsten في لوند جنوب السويد، أخذ الأطفال الأربعة من جمال وأسرته، وهما فتاتين وصبيين، لتوصل هذه الدائرة الحكومية، الى قناعة تفيد بأن جمال غير قادر على تربية أطفاله بالشكل الصحيح. 

عائلة جمال.JPG 

عائلة جمال 

 

جمال رب الأسرة يرفض تماما هذه التهمة، حيث يواصل حتى الآن، محاولاته من أجل إسترجاع أولاده عن طريق المحكمة، لكن دون جدوى!

يقول لـ " الكومبس " إن جميع المحاولات التي بذلها لم تُثمر عن نتيجة، بل أنه بدلاً عن ذلك، إستلم قبل ستة أشهر، قراراً يمنع عنه الإتصال بأولاده الأربعة، بأي طريقة من الطرق، لكن وبحسب قوله، لم يرضخ للقرار ولا يزال يواصل إتصاله بأولاده دون معرفة الجهات المختصة.

ويتابع جمال لـ "الكومبس"، أن دائرة الخدمات الاجتماعية (السوسيال) انتزعت أبناءه" على عجلة، دون ان تبين هذه الدائرة ، سبباً واحداُ جيهاً لذلك، وإنهم في كل مرة كانوا يتذرعون بشيء مختلف، وإنهم يمنعون أطفاله من الإتصال به رغم رغبتهم بذلك".

إلا أن الموظفة آن غارديستروم من الوحدة الإستراتيجية للقضايا الإجتماعية في العاصمة ستوكهولم، تؤكد لـ "الكومبس"، ان قرار أخذ الأطفال من رعاية الوالدين، يتم بعد تحقيقات ونقاشات طويلة، وإن التفكير بأخذ طفل من رعاية والديه آخر شيء يمكن ان تُقدم عليه الخدمات الإجتماعية (السوسيال)، وان هذا الأمر، يحدث فقط عند عدم التوصل الى اتفاق مع العائلة، وعندما تكون الأوضاع سيئة بشكل حقيقي على الأطفال.

"الكومبس"، حاول الإتصال بأبناء جمال لمعرفة ما يجري معهم، لكنهم لم يرغبوا بالإفصاح عن شيء أو التحدث مع الصحافة.

قصة جمال عقيل مع السوسيال

يقول جمال، إنه فوجىء في أحد الأيام أثناء جلبه لأطفاله من الروضة والمدرسة، أن السوسيال قد أخذهم.

وعند سؤاله عن السبب الذي دفع بالسوسيال للإقدام على ذلك، أجاب: " كانت لدي ديون متراكمة، لكني تمكنت من دفعها ولم يكن لدي مشكلة في ذلك، بعدها تحجج السوسيال، بأنني وزوجتي لا نعرف كيف نربي أطفالنا، وبأننا نضربهم، ثم قالوا بأن الأولاد مرضى وإنهم بحاجة الى رعاية، رغم ان تقارير المحكمة أثبتت غير ذلك".

جمال لديه بالإضافة الى أبناءه الأربعة الذين يعيشون الآن عند عوائل آخرى، أربعة أطفال آخرين، يتولى رعايتهم مع زوجته التي هي أم الأطفال الثمانية، لذا فهو يتساءل: لماذا كان سيفشل في تربية ورعاية أبناءه الأربعة، اذا كان قادراً على رعاية وتربية الأربعة الآخرين؟

وبحسب جمال، فأنه يُضطر للإتصال بأبناءه والإلتقاء بهم، خفية دون علم السوسيال الذي منعه من لقاءهم بقرار، متذرعين بأن الأطفال يخافون الحديث له كما يقول، فيما يؤكد أن أبناءه يبكون عند الحديث إليه بالهاتف، وإنهم يرغبون بالعيش معه.

وتبلغ أعمار أبناء عقيل الأربعة الذين يرعاهم السوسيال، لدى عوائل آخرى فتاتين 18 و17 عاماً، ويافعين 15 و 14 عاماً، وقد أخذوا من رعاية والديهما قبل عشرة أعوام.

ويعتبر جمال وهو مسلم، ان التقاليد الدينية والسير وفقاً لأحكام الشريعة، خط أحمر لا يجوز تجاوزه، لذا فهو حريص على إرتداء بناته الحجاب، معتبراً ذلك فرضاً دينياً لابد منه. وحول سؤاله فيما اذا كان قد عرّض إبنتيه للضغط في سبيل اتداء الحجاب، أجاب: " السوسيال يدعيّ ذلك، الا ان بناتي لم يكن معارضات لوضع الحجاب".

المحكمة تحكم لجمال والسوسيال يستأنف

يؤكد عقيل ان المحكمة، كانت قد حكمت بإعادة أطفاله إليه، إلا ان السوسيال، إستأنف القرار وكسب الحكم، لافتاً الى الأوضاع الصحية السيئة والأمراض التي آلمت به نتيجة بُعد أبناءه عنه.

ويعتقد عقيل ان جار سويدي له، يمتاز بميول عنصرية، يقدم تقارير كاذبة عنه وعن تصرفه مع أبناءه، حتى إنه في مرة كان في طريقه لزيارة شقيقه مع زوجته وأولاده الأربعة الاخرين، عندما إتصلت الشرطة، متحققة منه فيما اذا كان قد ترك أولاده الأربعة في المنزل، واقفل عليهم الأبواب. 

 آن غارديستروم.JPG

آن غارديستروم 

رأي السوسيال

في حديث خاص لـ "الكومبس"، قالت آن غارديستروم من الوحدة الإستراتيجية للقضايا الإجتماعية في العاصمة ستوكهولم، ان قانون الخدمات الإجتماعية، يركز أولاً وأخيراً على رعاية الأطفال وحمايتهم ومساعدة الأهل، موضحة إن التفكير بأخذ طفل من والديه، اخر شيء يمكن ان تقدم عليه الخدمات الإجتماعية (السوسيال) وان هذا الأمر، يحدث فقط عند عدم التوصل الى اتفاق مع العائلة وعندما تكون الأوضاع سيئة بشكل حقيقي على الأطفال.

وتشرح غارديستروم، ان السوسيال، مسؤول عن بدأ التحقيق في مثل هذه القضايا عندما يتقدم شخصاً ما لطلب الدعم، سواءَ أكان أحد الوالدين او كلاهما او شخص ثالث، يشك بوجود خطورة على الطفل، وذلك وفقاً للفصل 14 من قانون الرعاية الإجتماعية (14 kap 1 § Socialtjänstlagen)، وان ما يفعله السوسيال هو تطبيق القانون.

ووفقاً لـ غارديستروم، فإن مهمة أخذ الأطفال من عوائلهم، تمر بمراحل عدة، يجري خلالها لقاء أصحاب الشأن جميعهم، الأبناء والوالدين والمقربين إليهم والتأكد بشكل دقيق من الأوضاع التي يعيشها الطفل في كنف والديه، لافتة الى أن الأمر لا يحدث بين ليلة وضحاها، وان التشريع القانوني وضع ليحمي الاطفال ويقدم الدعم للوالدين أيضاً.

تختلف أسس تربية الأطفال في السويد بشكل جذري عن مثيلاتها في البلدان الأخرى، وبالأخص الشرقية والشرق أوسطية، لذا فإن كثير من اللاجئين المنحدرين من تلك الأصول، يواجهون صعوبات حقيقية في التكيف مع تلك الأسس والتماشي معها، اذ يبقون متمسكين بالأعراف الموروثة من أجدادهم والتي من الصعب ان تجد قبولاً في مجتمع كالمجتمع السويدي، يواكب أحدث الطرق التربوية في تنشئة الأطفال ولا يكتفي بالموروث، رغم الكثير الذي يملكه من ذلك.

تقول غارديستروم، ان جميع العاملين في مجالات تتيح لهم الإحتكاك مع الأطفال، كالمدارس والمستشفيات تقع عليهم مسؤولية الإبلاغ اذا ما وجدوا أن طفلاً ما يتعرض للأذى او هناك مخاطر من تعرضه لذلك، وفي حال حدوث ذلك، يُفتح تحقيقاً بالأمر، يمكنه له أن يستغرق أربعة أشهر أو أكثر في حال وجود أسباب قوية لذلك.

وتبين غارديستروم، إنه وخلال مدة التحقيق، يلتقي السوسيال بجميع الأشخاص المهمين من المحيطين بالطفل، كالوالدين والاقارب، لأخذ فكرة حول إحتياجات الطفل والظروف البيئة والأسرية التي يعيشها ونوعية الدعم الذي يحتاجه وقدرة الوالدين على تربيته، بعدها تُقدم الخدمات الإجتماعية مقترحاتها في شكل المساعدة التي يمكن تقديمها، ويتم الحديث حول ذلك مع الوالدين والأبناء (الأطفال والمراهقين دون سن الثامنة عشر) حول المقترح الذي يرونه مناسباً، لأخذ القرار.

ماذا لو رفضت العائلة؟

تجيب غارديستروم، إنه في حال رفض الوالدين او الأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاماً، المقترح الذي تقدم به السوسيال، يُنهي السوسيال إتصاله بهم، لكن فقط في حال لم يكن هناك مخاطر كبيرة على الأطفال من بقاءهم على حالهم، حينها يكون من الضروري إتخاذ إجراء ما، حيث تتقدم الخدمات الإجتماعية بطلب الى المحكمة بخصوص رعاية الأطفال، وفق قانون رعاية الأحداث LVU، وللمحكمة القرار في ذلك.

وتوضح غارديستروم ما يحدث في المحكمة بعد ذلك وكيف يكون لكل طرف، الأطفال والوالدين والسوسيال، ممثلاً قانونياً مخول بالحديث عنهم، اذ يتحدث كل طرف بما لديه، فيما تبرز السوسيال الخدمات الإجتماعية، تحقيقاتها، مبينة الأسباب التي تُرجىء إليها الحاجة لرعاية الطفل/ الأطفال، رغم عدم إعتقادهم ووالديهم بذلك، بعد ذلك تصدر المحكمة حكماً، قابلاً للإستئناف.

وتلفت غارديستورم الى إنه يمكن في بعض المرات ان يجري تطبيق قرار المحكمة بشكل فوري، فيما اذا كان هناك خطر حقيقي على الفرد، كأن يكون معرضاً للعنف او الإعتداء الجنسي او الجرائم الجنائية او الإدمان. ما يعني ان اللجنة الإجتماعية او سياسيي اللجنة او رئيسها، يمكنهم أخذ قرار فيما اذا هناك حاجة فورية للمساعدة، وحينها يتطلب تطبيق القرار أربعة أسابيع، لحين قيام الخدمات الإجتماعية بتحقيقاتها والتوصل الى مقترح بهذا الخصوص.

وسحب حضانة الأطفال من والديهم في السويد، أمرٌ ليس موجهاً ضد اللاجئين فقط، بل ينطبق على الجميع. اذ ما ثبت ان هناك قصوراً بشأن تربية الأطفال ورعايتهم بما يضمن لهم حقوقهم الإنسانية، لكن بفارق إختلاف الأسباب، ففيما ترتكز الأسباب لدى غالبية السويديين المنحدرين من إصول شرقية وشرق أوسطية بالضغط على الأبناء في إلتزام العادات والتقاليد، تتمثل لدى السويديين المنحدرين من إصول سويدية بالإدمان والمخدرات وأمور على هذه الشاكلة.

وتؤكد غارديستروم على أن غالبية الأطفال والمراهقين الذين لديهم إتصال مع الخدمات الإجتماعية (السوسيال)، لا يُوضعون خارج منازلهم، بل يتلقون المساعدة أثناء عيشهم في المنزل مع ولي أو أولياء امورهم.

هل يمكن إسترجاع الأطفال؟

تجيب، غارديستروم "نعم". وتوضح قائلة: " التشريع القانوني يهدف الى إعادة الأطفال الى منازلهم اذا كان ذلك ممكناً وبأسرع وقت ممكن. حيث إن الخدمات الإجتماعية مسؤولة عن تقديم المساعدة للأطفال وأولياء الأمور، لخلق أفضل وضعية مناسبة للأطفال في المنزل وعلى الوالدين والأبناء أن يعبروا عن ما يرونه مناسباً لهم، لكن ما يحصل أحياناً ان الأطفال لا يملكون رغبة العودة الى منازلهم من جديد".

وتعتقد بعض العائلات أن سحب الطفل/ الأطفال من حضانة الوالدين هو تدخل سافر في حياة الفرد العائلية والشخصية، وان على أولياء الأمور ان يربوا أبناءهم بالطريقة التي يجدونها مناسبة.

وحول ذلك، تجيب غارديستروم، قائلة: ان العاملين في السوسيال كأفراد ليسوا من أوجدوا ذلك. بل الجهة المنفذة للقانون.

وتعتقد غارديستروم، ان الأمر ليس سهلاً. حيث من المهم إحترام حقيقة ان الناس قد يشعرون بالإهانة اذا ما تدخل احد ما في محيطهم الخاص، لذا يجب الإستماع بتواضع الى كيف تشعر تلك العوائل وإعطاءهم الفرصة للتوضيح وشرح نظرتهم حول تنشئة الطفل.

لكنها ومقابل ذلك، تؤكد مجدداً أن الأمر لا يجري بهذه السهولة، وهناك دائما حق إستنئاف القرار، لكن من الضروري ان نتذكر دائماً ان للأطفال حقوقاً وعلى المجتمع إلتزاماً بحمايتهم.

المصدر : الكومبس

محرر الموقع : 2014 - 04 - 13