على نفسِها جَنَتْ برَزان
    

محسن ظافر آل غريب 

لَم تكن جَنَتْ على الرَّئيس «العِباديّ» راشَ السَّهمَ، ركّبَ فوقه الرّيش بعد بريه، بعدَ خطَل برزاني في ذلك على رأي الشّاعِر الاُمويّ الفحل “الأخطل التغلِبي” (عاش 70 حَولَاً وحجّة 19- 72هـ 640- 710م) في الابتهال لهند بالسَّلامةِ وهجاء عشيرَة القيسيَّة، رُغم أن حيَّه وحيّها (بني بدر) عدوّان، لكن الحُب يجمعه مع هند. ويصف دِعاية بني مُحارب الخاوية بنقيق ضَفادع لا تريش ولا تبري- كناية عن عدم تأثيرها، تنقُّ في العتمةِ ويتجاوب نقيقها الزّاعق، بحيث غبائها يدَع حيَّة البحر تفترسها. إذ في روايةِ (ابن عبدر ربه: العقد الفريد، ج2، ص 468- 469): دخلَ رَجلٌ مِن مُحارب على عبدالله بن يزيد الهلالي والي أرمينية، وقريب منه غدير فيه ضفادع، فقال عبدالله بن يزيد:
 
- ما تركَتنا شيوخُ مُحارب ننام اللَّيلة (لِشدَّة أصواتهم)!، فقال له المُحاربي:
- أصلحَ اللهُ الأميرَ، أوَ تدري لِمْ ذلك؟. قالَ:
- ولِمَ؟. قال:
- لأنها أضلَّت برقعًا لها. قالَ:
- قبَّحكَ اللهُ، وقبَّحَ ما جئتَ به!.
 
أراد ابن يزيد الهلالي قول الأخطل: “تَنِقُّ بلا شيءٍ شُيوخُ مُحاربٍ!”. وأرادَ المُحاربيُّ قول الشَّاعِر:
 
لِكُلِّ هِلالي مِنَ اللُّؤم برقع * ولابن هِلال برقعٌ وقميصُ.
 
وهذا مُستهلُّ وبعضُ أبيات مُطَوَّلَة الأخطل وختامها:
 
أَلا يا اِسلَمي يا هِندُ هِندَ بَني بَدرِ * وَإِن كانَ حَيّانا عِدىً آخِرَ الدَهرِ
 
وإن كنتِ قدْ أقصدتني إذ رَميتني * بسَهْمكِ، والرَّمي يُصيبُ، وما يدري
 
يُسِرُّ إلَيها، والرّماحُ تَنُوشُهُ:   فدًى لكِ أُمّي، إن دأبتِ إلى العَصرِ
 
فطاروا شقاقاً لاثنتينِ، فعامرٌ * تَبيعُ بَنيها بالخِصافِ وبالتَّمْرِ
 
وأمّا سُلَيْمٌ، فاستَعاذَتْ حِذارَنا * بحَرَّتِها السّوْداء والجَبلِ الوَعْرِ
 
تَنِقُّ بلا شيءٍ شُيوخُ مُحاربٍ * وما خلتُها كانتْ تريشُ ولا تبري
 
ضَفادعُ في ظَلْماءِ لَيْلٍ تجاوَبَتْ * فدَلَّ عَلَيْها صَوْتُها حيّة  البَحْر
 
ونحنُ رفَعْنا عَنْ سَلولٍ رِماحَنا * وعَمْداً رَغِبْنا عَنْ دماء بني نَصْرِ
 
على غير إسلامٍ ولا عنْ بصيرة * ولكنّهُمْ سِيقوا إليكَ عَلى صُغْرِ
 
ولمّا تَبَيّنّا ضَلالَة  مُصْعَبٍ * فتَحْنا لأهْلِ الشّامِ باباً مِنَ النّصْرِ
 
جماجمَ قومٍ، لمْ يعافوا ظلامة * ولمْ يَعْلَمُوا أيْنَ الوفاءُ مِنَ الغَدْرِ. 
 
لَم يكُن إقليم شَماليّ العِراق شِبه دَولَةٍ بل مَحمِيَّة مُؤقتة تحتَ سلطَة التحالف الدّوليّ، انتهت حِمايتها باستمناء استفتاء 25 أيلول الأغرّ 2017م ونهاية داعش وخروج العِراق مِن وصاية الفصل السّابع لميثاق منظَّمَة الاُمم المُتحدَة؛ الغذاء والدَّواء مقابل النِّفط، وعودَة العِراق مِن زاخو إلى الفاو إلى وضعِهِ الطَّبيعي. شِبه جزيرَة الفاو على أيّام صدّام أيضاً احتلتها إيران مُؤقتاً ثم عادَت إلى الأصل مِثل شَماليّ العِراق العائِد إلى عاصِمتِه المركزيَّة بغداد التي يكرهها الانفصالي اللّاشرعي المُدان برزاني. وقد صرَّحَ المُستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، ان الحكومة العِراقيَّة تعتزم استرداد أموال العِراق المُجمَّدَة في الخارج، عقب خروج العِراق مِن طائِلَة البند السّابع. وصرَّحَ الرَّئيس العبادي في كلمته على هامش مؤتمر باريس للمناخ ان "العِراق طهَّرَ أرضه مِن الإرهابيين، ونتحرك باتجاه الإعمار والاهتمام بالبيئة التي اُهمِلَت لعقودٍ مِنَ الزَّمَن بسبب الحروب. وان مُحارَبة الفساد جزء مِن إعادة الإعمار والاستقرار، فإذا كان هنالك فساد لايمكن ان يتحقق الإعمار والاستقرار في البلد" لافتا إلى ان أهم اسباب دخول الإرهاب إلى العِراق الفساد، ومُحاربته أساس حيوي".
 
 
آخر مصير لفلول داعش مُحاصرتهم في نفق في مدينة هيت عندَ إعلان العِراق النَّصر النَّهائي عليهم، تزامُناً تعرّض عَجَلَة أحد مُحققي مكتب المُفتش العام لوزارة النقل إلى عمل تخريبي في مرآب العَجلات الخاص بشركة الخطوط، تمثل بتحطيم الزّجاج الخلفي للعَجلة ووضع رَصاصة إطلاقة بُندقيَّة كلاشنكوف على المقعد الخلفي كتهديد وإرهاب وإنذار لثني المكتب عن أداء مَهام عمله. وهيهات ان يتخاذل الأبطال أمام مُناورات الجُّبناء، وكما تحقق النَّصر على داعش سيتحقق النصر على الفساد، وقد انتهت اُحجيَّة أميركيّ غبيّ كرَئيسِه ترمب ردَّدَها فَرحَاً حفيد مُلّا برزاني «مسرور»؛ بأنَّ العِراق انتهى!.. وهيهات.
 
لَم تكن على أرض الواقِع دولَة كُرديَّة مُحتلَّة قُدسُها كركوك يُنكّل الحشدُ الشَّعبيّ (الشّيعيّ العِراقي وفيه مسيحيّون، وسُنَّة وشيعة تُركُمان) 
بتُركُمنِها وسائِر مُكوّناتِها الأصيلَة التأريخيَّة المُتآخية الاُخرى، كما ليسَت لكُرد العِراق أفضليَّة فاضِل ومفضول وراجح ومرجوح في مُكتسَبات الابتزازات على سائِر كُرد المِنطقة تُرشّحهم لتقسيمها مُرعاةً ومُحاباةً للنزوع الفرعي القومي- الطّائِفي، على الانتماء الوَطني الرّوسيّ أو السّوريّ أو العِراقيّ أو التُركيّ أو الإيرانيّ بعد مرور أكثر مِن قَرن مِنَ الزَّمَن القار على تقسيم سايكس- بيكو وانهاء عبث بداوَة حزب البعث القومي بلُعبة الحُكم الذاتي شَماليّ العِراق التأريخي العريق العظيم، مع قوميَّة بداوَة برزاني الأب واستمناء استفتاء الإبن وروح التسلّط العشائِري والاستحواذ النِّفطي والمنافذ الحدوديّة التي بسَطَ يدَهُ على بعضِها في الاقليم (أكثر مِن 20 منفذ غير رسمي غير المنافذ الخمسة الرَّسميَّة خارج سيطرة الحكومة العِراقيَّة مُستمرة بأعمال التهريب والنهب)، بسَطَ يدَهُ خريفُ الغضب 2017م العِراقي على داعش وحاضنته برزاني وتهاوي أوراق الخريف الدّاكِنة والصَّفراء. الدّرس حجَّة الثقافة وكلِمة حقّ اللُّغة القوميَّة انتهى بتجربة عِراقيَّة حضاريَّة مُنصِفة لِفقط كُرد العِراق لا غير، يحذر مِنها الجُّوار العِرقي، بعد إعلان النصر العِراقيّ الرَّسميّ النَّهائِيّ على داعش وحاضِنته.
 
صحيفة «عُكاظ» السَّعوديَّة في عدَدِها الصّادر في 11 كانون الأوَّل 2017م حاوَرَت وزير خارجية حزب العُمّال الكُردي “رضا آلتون” فقال إن “برزاني اتخذ خطوة خاطئة منذ البداية وأصر عليها، رغم علمه بأن قواته لن تستطيع الصمود مع خطوته، وبموجب هذا القرار ساءت علاقته مع تركيا وإيران بعدما كانت مستقرة”، مشيرا إلى أن “منطقة الشرق الأوسط لها خصوصية، فالأحداث السياسية تخدع المتابع لها، فمثلاً يحقق أحد الأطراف نصراً كاسحاً، وتصيبه ــ على إثره ــ نشوة النصر، لكن بعد يومين يكتشف أنه مهزوم. ونحن لا نستطيع أن نصبح طرفاً، يقول إن كركوك كُرديَّة خالِصَة، لكن أيضاً ليست عربيَّة خالِصَة أو تركمانيَّة خالِصَة، هي مدينة لكُلِّ الشّعب، مدينة موزاييك، وموقفنا أنَّ حلّ الأُمور لايجب أن يكون على أساس العصبيَّة القوميَّة. ولفت القيادي الكُردي بأنَّ “الحالة الكُرديَّة ومُكتسباتها ليست وليدة اللَّحظة إنما كانت نتيجة لمخاضات طويلَة تصل لمائة عام مِن الكفاح في إقليم كُرد العِراق، لكن كيف يمكننا قراءة لَوحة هذه الموجودة الآن، لا إرادَة لهذا الكُردي فقد أصبح دُمية بيد أميركا وإسرائيل ولا حولَ له ولا قوَّة سياسيّاَ، وعسكريّاً لَم يستطع الصّمود ولو ليوم واحد في كركوك أو الموصل”. وبشأن العلاقة مع الحشد الشَّعبي أوضحَ آلتون أنه “لا توجد أيّ علاقة مُباشرَة إطلاقاً، هنالك تواصل بمناطق التماس دون وجود تفاهمات سياسية أو عسكريَّة.
 
في يوم صدور عدَدِ صحيفة «عُكاظ» هذا، توصَّلَ السَّيّاف مسرور برزاني” بحضرَة السَّفير الألماني إلى لهجَةٍ اُخرى قالَ فيها: أن "الاقليم يرغب بعدم تكرار الأخطاء السّابقة في العِراق التي تؤدّي إلى عدم استقرار الأوضاع وتنامي الإرهاب وخلق المشاكل للمِنطقة والمُجتمع الدّولي"، مُدَعياً أن "بغداد تتهرب من اجراء الحوار، والأوضاع الميدانيَّة في هذه الأيّام تشير إلى أنَّ سلطات بغداد (لا يقول العاصِمة بغداد/ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) مازلت تحاول حسم المشاكل عبر الأساليب العسكريَّة. وأنَّ هذه مُؤشرات خطيرة تُهدد استقرار المِنطقة، مؤكدا "رغبة الإقليم في إجراء الحوار مع بغداد بأسرع وقت ورفع الحصار عن الاقليم".
 
 
الدُّبلوماسية الحضاريَّة العِراقيَّة تُقدِّم حقيقة الحشد الشَّعبي للمُجتمع الدّوليّ في ندوَة وزارَة الخارجيَّة العِراقيَّة الحِواريَّة بحضور عدد مِن أعضاء مجلس النُّواب وقادَة الحشد الشَّعبي وسُفراء الدُّول المُعتمَدين لدى العِراق والأُمم المُتحدة وجامعة الدّول العربيَّة ومُنظمة التعاون الإسلاميّ ومُنظمة عدم الانحياز بأنَّ الحشد الشَّعبي ليس تنظيماً تقليدِيّاً كجيوش العالَم التي تتشكل في ظروف طبيعيَّة إذ جاء تلبية لنداءِ المَرجعيَّة في ظرف طارئ بعد أن تعرَّضت المُحافظات العِراقيَّة لدخول عصابات داعش الإرهابيَّة. ولَم يكُن سهلاً على العالَم تقبُل مُفرَدَة الحشد الشَّعبي وتركيبته التي ضمَّت كُلّ المُكوّنات العِراقيَّة مِن كُلِّ المُحافظات ومسؤولية الوجه الإنسانيّ والتضحية والإيثار في التعامل مع أبناء المُدُن التي تم تحريرها، إلّا أنَّ إصرار إبراز إنسانيَّة وتضحية أبطال العِراق أصبح الحشد الشَّعبي يحظى باعتراف واحترام المُجتمع الدّولي. ذكـّرنا دُول العالَم بمراجعة تاريخها وكيف شُكلت الجُّيوش الرَّديفة وغيرها على غرار تجربة الحشد الشَّعبي الذي تشكل تلبية لنداء الحراك المُجتمعي ومساهمة العِراقيّين كُلّهم في الدِّفاع عن العِراق وشدَّدنا على أن يستفيد العالَم مِن التجربة الرّائدة للحشد الشَّعبي في العِراق الذي يعمل تحت إمرَة القيادَة العامَّة للقوّات المُسلَّحة العِراقيَّة.
 
 
 

 

محرر الموقع : 2017 - 12 - 14