سعد بطاح الزهيري
كثيرة هي الأحداث التي مرت بها مسيرة الحياة، فمنها ما تلاشى وضاع كذرات التراب في مهب الريح ، ومنها ما هو عالق في ذاكرة الزمن ولا يكاد يمحو أثره.
لازلت أتذكر جيداً تلك اللحظات المفرحة التي رأيتها في قلوب من كانوا حولي ، كنت طالباً في جامعة البصرة كلية الآداب، بعد انتهاء الدوام وفي أيام العطل و العطلة الصيفية أعمل في مطعم في وسط مدينة العشار، "مطعم الحاج ابو ستار" ، اقبل إلينا أحد أبناء الحاج قال السيد ابن السيد اليوم يدخل العراق من الشلامجة، أخذتني الصفنة طويلاً !، ركزت في حديثهم من أين نذهب واين ننتظر قدوم السيد؟.
زينو سياراتهم وحجزوا أماكنهم في الجلوس ، بقينا انا وبمعيتي ثلاثة من عمال المطعم، نتطلع إليهم و نحن نود الذهاب معهم ولكن ؟، ماهي إلا برهة والصوت ينادي بإسمائنا أغلقوا المطعم وهلموا معنا ، لا أعرف كم هي الفرحة بذلك الوقت.
بقينا ننتظر وننتظر، إلا أني وجدت في نفوس المنتظرين وكأني أسمع هتافهم " مرحباً بك يا ابن الاطياب "، أدركت ذلك وسالت دموعي حينها قلت عاد الامل من جديد.
سرنا بركب الحكيم والهتاف كان "وينه الحاربك وينه صدام النذل وينه"،والدموع تبلل لحيته الشريفة، وهو يقول" بعد طول الغربة وبعد المسافة انا خادم لكم "، اي عظيم انت يا ابن العظماء حينما تخاطب محبيك وتقول لهم انا خادم لكم.
غربت شمس يومنا وعدنا إلى مكان عملنا ، واقبل إلينا أحد أبناء الحاج واكرمنا " يومية كاملة أجرة العامل "، قلت له اليوم لم نعمل قال هذا ببركة السيد ، منذ ذلك الوقت عشقت تلك الشخصية الرحمانية، وبقيت اتلذذ في السماع لكلامه المبارك.
بقيت في محل العمل فترة ومن ثم أسافر إلى موطني حيث الناصرية، وذات يوم اقبل إلى أحد إخوتي بعد صلاة الظهر كان يومها جمعة وهو الأول من شهر رجب الاصب، اقسم بالله حينما قال" اليوم قتلوا السيد الحكيم وقد فجروه فجروه وقتلوه "!، لم اتمالك نفسي و تجمعنا في مسجد الرسول الأعظم وسط المدينة ، وهبت العشائر والمواكب وجميع الموالين ، بهتاف واحد "وصلت لينا الاخبار.. يا وسفه علينا .. قالوا صار طشار..يا وسفة علينا .. بس اصبع لقينا.."، الدموع و الألم معاً، وكأننا نعيش ذكرى واقعة الطف الأليمة.
نعم هي تلك المسيرة الخالدة، وتلك هي الأحداث التي لا يمحوها الزمن مهما طالت الازمان واختلفت الأوقات، الحكيم فينا خالدا وسيبقى عنوان للزمن