طريق نحو التحديث
    

 

ن المتتبع لطريق التحديث التي نهجته أوربا , وهي تمثل بؤرة الحداثه والمدنيه في عالم اليوم , لم يكن هو ذات البأرنامج الذي تسير عليه الآن , الا وهو المزاوجه بين الديمقراطيه والتنميه , والسير معآ بأيقاع متوازي , مما ألبس أوربا وأمريكا حله حضاريه مميزه عن غيرها , والتي يعبر عنها اليوم بالليبراليه الغربيه. النقطه الجوهريه في هذا السير نحو التحديث الغربي مر بمرحله تعبويه غير قصيره, حيث أعتمدت في بدايات نهوضها على نمط أقتصاديات ما قبل الرأسماليه, قاصدين الوصول الى حاله من الوفره الماديه تؤهلها بالأنتقال الى مرحلة تنمويه أكثر تقدم بالتوازي مع فتح مجال مقنن للقوى الأجتماعيه الفاعله بكل أشكالها وألوانها, بأن تأخذ مدى أوسع بالمناداة بالحقوق والمساواة , وبقية عناصر دمقرطة المجتمع. طبعآ هذه المرحله تكون للسلطه اليد الطولى بأدارة الدوله والمجتمع, وهذا يعني أن هناك طابعآ مركزيآ للسلطه, ولكن بجانب ذلك دورآ متميزآ للطبقه المثقفه , والتي مارست دورآ تعبويآ للجماهير , وليس هناك متسع لذكرهم , فأعدادهم كثيره يصعب حصرهم بهذا المقام , فقام هؤلاء بعمليه توعويه جذريه للمجتمع الأوربي, كما أنهم ساهموا بتقديم النصح والأرشاد للدوله . فالدوله تقتفي أثرهم , وتستمع لأرائهم , بعكس ما يجري في بلدنا من أستبعاد لكل الطاقات العلميه والثقافيه والتي اندفعت بشهامه وغيره عراقيه لخدمة بلدهم من غير أن تترجى مقابل مادي , ولكن للأسف كان للمستعمرات السياسيه من الأحزاب الحاليه اليد الطولى من منعهم والوقوف بوجه مساهماتهم , فحرموا العراق من فرصه تاريخيه تنقله الى مصاف الدول المتقدمه.

على كل حال نستخلص من خلال التجربه الأوربيه أن هناك منهجيه بالعمل , وتدرج بالتقدم , بينما في أوربا الشرقيه , وبالتحديد المنظومه الأشتراكيه وعلى رأسها الأتحاد السوفيتي السابق قد نهج طريقآ قصريآ بأتجاه التحديث , وسلكوا مركزيه مقيته ولم يتركوا للنخب المثقفه تقول كلمتها, ما عدا من يمشي على خطى السلطه ونظامها الشمولي( التاليتوري) والذي يلمع لها واجهتها السياسيه. فالنموذج الأول تقدم وأخذت السلطه فيها تنسحب من الحياة العامه شيئآ فشيئآ , ولكنها لم تختفي , بل هي مازالت تسهر على سير النظام العام وتراقبه , ومن يدعي غير ذلك فهو يجهل ميكانيكية هذه الأنظمه في الحكم , فهذه الدول الأسكندنافيه , حيث ترى الدوله حاضره في كثير من المفاصل , وخاصه في التنميه الأجتماعيه , وفي البطاله , والرعايه الصحيه , والمدارس , وغيرها من شؤون البلديه.

أن ما نشاهده من أنفتاح على كل الأصعده في العراق , وفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب من أنماط ثقافيه وأقتصاديه , وسياسيه , شكل واقعآ فوضويآ بكل ما للكلمه من معنى. والدليل ما نعيشه من نتائج كارثيه على الدوله والمجتمع. فالفوضى ضاربه أطنابها بكل مفاصل الدوله , ومجتمع يعيش حاله من التشتت , والنزوع نحو فردانيه حولته الى جزر متناثره لا يربطه رابط , وليس لديه أي هدف الا الأستهلاك الشره. هذه الظواهر الشاذه ما كان لها أن تكون لو أن القاده الجدد بكل أصنافهم وألوانهم هيئوا لحالة ما بعد السقوط للدكتاتوريه , وهي كما هو معلوم حاله لها خصوصيتها وتتطلب خبراء يراعون متطلباتها , وكيفية أحتواءها, كما حصل مثلآ في بولونيا وهو مثل قريب لظروفنا , فقد تجاوز المجتمع البولوني الأزمه بنجاح وبسرعه قياسيه بسبب حكمة قادته.

يمكننا أن نأخذ التجربه الصينيه كمثال لتجربه قامت على التوجيه والتنضيج المجتمعي , وذلك بالأنفتاح المقنن على الحداثه, فغيرت التعليم , وفتحت الأستثمارات الأجنبيه , ولكن من دون أن تلغي موروثها الثقافي . هذا الأنفتاح التدريجي أتاح فرصه ذهبيه للممارسه التقنيه والعمليه للشعب الصيني , وأن كانت بشروط الدوله الصينيه , ذات الأقتصاد المختلط , والتي من أهمها أبقاء الأجور المنخفضه أو الأقرب للأعتدال لكي تساهم ببناء أقتصاد الوفره الماليه الذي يساهم ببناء البنيه التحتيه للبلد , ويجعلها في موقع المنافس القوي في سوق التجاره العالمي , وهذا هو السر في تحقيق أعلى نمو أقتصادي عالمي في العصر الحديث , وهو ما أثار حفيظة أمريكا وقد يكون السبب بحرب أقتصاديه بين البلدين. هكذا تعمل الكثير من البلدان لكي تتحاشى السقوط بحالة الفوضى وتنهض بأقتصاديات شعوبها , التي هي الأساس بتقدمها . الصين لم تكن وحدها في ميدان النجاح , فهذه سنغافوره وتايوان وأندنوسيا , وهي مجموعة دول ما تسمى بالنمور الآسويه.

أن الأنفتاح السريع والغير مدروس على السوق العالمي , قد أضر الصناعه الوطنيه , بل وجه لها الضربه القاضيه لعدم قدرتها على المنافسه من ناحية النوع والسعر بالأضافه الى رفع الرواتب والأجور العالي والسريع , مما شكل عبئآ ثقيلآ على الميزانيه التشغيليه , وهذا سوف يمتص الجزء الأكبر من ميزانية الدوله المتأتيه من الأقتصاد الريعي , وهو أقتصاد بطبيعته متذبذب ومحدود الزمن. أن العراق يكاد أن يخسر فرصه تاريخيه للانطلاق بالتحديث التقني والأجتماعي والسياسي أذا أستمر من يقوده من الأحزاب الحاليه بكل ألوانها على حالة الصراع المستمر وأبتزاز الجانب الكردي للمركز وعدم الأتفاق على خطة أنقاذ أستراتيجيه تنقذ البلد مما هو فيه من ورطة الدوران في صراع غير شريف بين قادته من سياسيين أوغلوا بالمال الحرام . كما ينبغي للحكومه أن تعيد النظر ببرنامجها الحكومي وتندفع العمليه السياسيه بأتجاه حكم الأغلبيه , والتي هي من مقومات العمليه الديمقراطيه والصفه الداله عليها, وأن تقتفي أثر الأقتصاديات الناميه مع الأعتبار للخصوصيه لأن البلدان لا تتماثل بكل شئ , وهذا يتطلب أجراءات حازمه وسريعه وخاصه في جانب الهدر المالي , والتقليل من نمطية الأنفتاح الكلي على السوق العالمي, والأعتماد على البناء الذاتي , مع الأستعانه بالآخر المتقدم تكنلوجيآ , وهذا الطريق لا يخلو من تحمل أعباء على كاهل المواطن لكي نبني ميزانيه تنمويه قادره على توفير فرص البناء لبنيه تحتيه , تشمل الجانبين المادي والأنساني.لا شك أن العمليه تحتاج الى عمل تاريخي يكون للشعب العراقي له فيه موقف.

أياد الزهيري

 

محرر الموقع : 2018 - 03 - 23