ثورات الربيع العربي وحرية المعتقد
    

علاء حميد/مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

 

خلقت ثورات الربيع العربي جدلًا واسعًا داخل المجتمعات العربية وخارجها، فهناك من يرى فيها تخط غير مسبوق للاستبداد والفساد السياسي الذي خرب النسيج الاجتماعي، لكن جملة من الباحثين والمراقبين تعاملوا معها بأنها فسحت المجال أمام قوى الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة.

على ضوء هذا التشخيص نجد أننا بحاجة إلى توصيف علمي يضعنا أمام الصورة بشكل واضح، تقدم المنهجيات التاريخية المعاصرة قراءتان "كتابة التاريخ من فوق/كتابة التاريخ من أسفل"؛ لهذا نجد أن من تكفل بتدوين تاريخ ثورات الربيع العربي هم من برزوا مع هذه الظاهرة "المدونون، الناشطون على صفحات الفيسبوك، الفاعلون على تغريدات تويتر".

خلال ثورات الربيع العربي أعيدت أسئلة قديمة وأخرى جديدة، كشفت عن حال المجتمعات العربية والتحديات التي تواجهها، حيث ظل مطلب الدولة ونمط الحياة الاجتماعية هما الأبرز من بين تلك الأسئلة، ربما ساهم تراكم البحث العلمي والعمل السياسي بشكل واضح في تحديد الأجوبة التي يحتاجها المجتمع بخصوص بناء الدولة ومضمونها السياسي، وماذا تحتاج من مقومات سواء كانت اجتماعية أو دستورية.

كان نمط الحياة الاجتماعية وما تتطلبه من حريات مدنية التحدي الأصعب الذي واجهته المجتمعات العربية، ونلاحظ المفارقة في أن ثورات الربيع العربي خلصت تلك المجتمعات من الاستبداد السياسي، ولكنها كرست الاستبداد الاجتماعي بين المكونات الاجتماعية، وهذا ما دفع الكاتب السوري المعروف هاشم صالح للتعامل مع ثورات الربيع العربي على أنها تكريس للماضي وانسداد أفق المستقبل، فقد بحثت المجتمعات العربية عن أجوبة لأسئلتها في الماضي، لكن ما زلت القوى الاجتماعية والسياسية العربية مختلفة حولها.

ظل مفهوم حرية المعتقد غير مكتمل المعنى في التصور العربي والإسلامي، بسبب الأولويات التي وضعها الفكر الإسلامي منذ تأسيس مقولاته الفكرية على ضوء مخرجات أحداث الفتنة الكبرى؛ حيث كانت تنحصر بين مفهومين أساسيين "صفة الحاكم/ العدالة".

غاب مفهوم الحرية لأسباب عديدة منها أن المجتمعات العربية لم تكن تبحث عن حريتها بقدر المطالبة بعدالة توزيع الثروات وانصافها من سطوة الحاكم، هذا ما يفسر عودة المجتمعات العربية للماضي من أجل تحديد معنى الحرية، قامت العودة إلى الماضي على رؤية فقهية وسياسية هيمنت على المجال العام الإسلامي تبلورت مفاهيمها بعد انهيار الخلافة في عام 1924.

ارتبط مفهوم العدالة بضرورة وجود حاكم تحت عناوين متعددة منها "لا بد للناس من أمير كان برا أو فاجرا/ سلطان غشوم ولا فتنة تدوم"، بينما ألحق معنى الحرية بالفوضى وغياب الاستقرار، أثرت ثنائية الجماعة/الفرد في تعيين معنى العدالة والحرية وبالتالي ضمر مطلب حرية المعتقد.

يشير مفهوم حرية المعتقد إلى حرية الفرد أو الجماعة في اعتناق ما يعبر عن معتقداتها الدينية والمذهبية مع احترام المعتقدات الدينية للجماعات المختلفة عنها، حرية الاعتقاد تستند إلى احترام مواثيق السلم الأهلي من دساتير وطنية ومعاهدات دولية، ثورات الربيع العربي كشفت عن ضعف احترام حرية المعتقد؛ حيث عاشت الأقليات الدينية والعرقية محنة البقاء في البلدان التي عاشت فيها منذ آلاف السنين.

مع ثورات الربيع العربي تغير معنى الضبط الاجتماعي، سابقًا كانت تتحكم فيه السلطة السياسية ثم أصبح بيد الجماعات المتطرفة التي حددت معنى الآخر في المجتمعات العربية، الخاضع لاشتراط تلك الجماعات دينيًا واجتماعيًا، لقد أمسى الصراع على المجال العام يوجه قوة تلك الجماعات كونها تملك السلاح والأتباع.

وضعت مخرجات ثورات الربيع العربي المجتمعات العربية أمام خيارات مغلقة لا يمكن الخلاص منها، دارت بين إعادة إنتاج الاستبداد ولكن برؤية مغايرة، أو استمرار الفوضى التي وضعت النسيج الاجتماعي العربي تحت طائل التدمير وإزاحة الآخر الشريك الذي حمل تراث المنطقة لعقود طويلة من الحفاظ على سلامة اللغة العربية إلى بذر روح المدنية الاجتماعية، كيف يمكن لنا أن نفسر رجوع مقولات عفي عليها الدهر من قبيل "الجزية، الذميين، دار الحرب ودار الإسلام، تكفير المماثل المختلف مذهبيًا".

 أظهرت ثورات الربيع العربي، وكأنها تغير من فوق لم يطل بنية المجتمعات العربية التي يذهب فيها أغلب الناشطين العرب إلى أن تلك الثورات لم تكتمل أشواطها، لتحقق معنى الثورة سياسيًا واجتماعيًا، حتى تفسح المجال أمام جدل فكري واسع يطول الماضي وتراكماته الدينية والسياسية، لذا يظل السؤال قائمًا، هل تتمكن قوى المجتمع العربي من انجاز هذا المطلب؟، واقع هذه الثورات لا يعطي الطمأنينة المطلوبة لإطلاق مثل هذا الجدل، ولكن تبقى حركة التاريخ الرهان الحاضر في نضوج مطالب المجتمعات.

محرر الموقع : 2019 - 03 - 21