الاقتصاد الإيراني واثار الصدمة القادمة
    

د. حيدر حسين آل طعمة/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

 

انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران والعقوبات الاقتصادية المرتقبة بعد شهور، تهدد استقرار ونمو الاقتصاد الإيراني الذي لم يلتقط انفاسه بعد من العقوبات السابقة. حيث يعاني البلد منذ سنوات من اضطراب مالي وضعف في مناخ الاستثمار وتدهور حاد في المستوى المعيشي، ناجم عن الارتفاع المستمر في معدلات التضخم، فضلا على ارتفاع حجم المخاطر الناجمة عن الصراع الاقليمي في الشرق الاوسط وتورط الحكومة الإيرانية بعدة ملفات اهمها ملف العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها من بلدان الشرق الاوسط.

وكما كان متوقعا، فان اسعار الصرف والمؤشرات المالية والمصرفية هي الضحية الاولى لقرار ترامب بإعادة العقوبات، حيث لامس سعر صرف الدولار قرابة 65000 ألف ريال، بينما كان قد وصل إلى 57500 في نهاية الشهر الماضي، و42890 في نهاية العام الماضي. ويتوقع ان ينهار الريال الإيراني بشكل أكثر حدة حالما تدخل العقوبات الامريكية حيز التنفيذ. وبموجب القانون الأميركي، فإنه يجب الانتظار (90-180) يوما لإعادة العقوبات مرة أخرى على إيران، ما لم يتم التوصل لاتفاق جديد قبل انتهاء المدة.

من جانب اخر، تهدد العقوبات الاقتصادية صادرات النفط الإيرانية التي تقارب 2.5 مليون برميل يوميا، وهي صدمة جديدة قد تؤثر على كافة القطاعات الاقتصادية وتكبح معدلات النمو وتزيد من الفوضى الاقتصادية في البلد، نظرا للدور الضخم الذي تؤديه الحكومة في حركة الاقتصاد الإيراني، وما قد يتسبب به انحسار ايرادات النفط من عجوزات مالية ضخمة تفضي حتما الى انتهاج سياسات تقشفية جديدة تطال الانفاق العام، وترفع من معدلات الضرائب والإيرادات غير النفطية الاخرى لتوفير التمويل البديل للمورد النفطي. كافة هذه السياسات من شأنها توليد حركة لولبية باتجاه الانكماش والركود الاقتصادي في إيران.

على مستوى القطاع الخارجي، فان ميزان المدفوعات الإيراني مهدد بصدمة مزدوجة ناجمة عن انقطاع الايرادات النفطية من جهة وتراجع معدلات التبادل التجاري بين إيران وعدد من دول المنطقة واوروبا نتيجة العقوبات المتوقعة من جهة اخرى. وسيثير ذلك مشكلة شحة العملة الاجنبية من جديد وما لها من تداعيات على الاستقرار السعري لكافة القطاعات الاقتصادية في إيران.

طبيعة العقوبات الامريكية

مؤخرا كشف وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوشين عن تفاصيل السياسات التي ستتخذها الولايات المتحدة لإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران بعد قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي. مشيرا إلى أن العقوبات سيعاد فرضها في مدة تتراوح من 90 إلى 180 يوما. وستكون على عدة محاور، فيما يخص المحور النفطي، فإن الولايات المتحدة ستستأنف جهودها للحد من صادرات النفط الإيرانية بعد 180 يوما. وخلال هذه الفترة ستجري الخارجية الأمريكية مشاورات مع الدول المستوردة للنفط الإيراني لتقليص مشترياتها. مع التأكيد على سعي الحكومة الامريكية الى تأمين تعويض النقص الحاصل في المعروض النفطي من قبل أطراف عدة، ويتوقع ان تكون السعودية في مقدمة تلك الاطراف، لأجل ضمان استقرار اسعار النفط ضمن المعدلات التوازنية الجارية.

 كما ستفرض الولايات المتحدة قيودا شديدة على بيع العملة الأمريكية لإيران، وشراء الذهب والمعادن الثمينة الأخرى من إيران، بالإضافة إلى شراء الصلب والألومنيوم والاستثمار في السندات الإيرانية، وتقليص الصفقات التجارية مع شركات صناعة السيارات الإيرانية. وسيتم أيضا سحب تراخيص التصدير من شركات الطيران المدني، بما فيها "بوينغ" و"إيرباص". واعتبارا من 6 أغسطس سيفرض الحظر على استيراد السجاد والمواد الغذائية الإيرانية. وبعد الـ180 يوما ستطال العقوبات الامريكية الموانئ الإيرانية وسفنها ومصانع السفن، كما ستفرض قيودا على التحويلات المالية بين المؤسسات المالية الأجنبية والبنك المركزي الإيراني وخدمات التأمين.

المسارات المتوقعة ما بعد العقوبات الامريكية

رغم الاضطراب الاقتصادي والمالي الذي قد تخلفه العقوبات الاقتصادية الامريكية على الاقتصاد الإيراني، الا ان سيناريو الانهيار الاقتصادي المستهدف في الاستراتيجية الأمريكية مستبعد ضمن المعطيات الحالية ولعدة اسباب:

1- رغم كافة التحديات التي فرضتها العقوبات السابقة، استطاع الاقتصاد الإيراني التعايش مع هبوط الصادرات النفطية والتعامل مع الحصار المالي والاقتصادي بالإمكانات الداخلية نظرا لنجاح سياسات الامن الغذائي والاقتصادي التي عملت عليها الحكومة الإيرانية لعقود توخيا لعقوبات دولية مستقبلية.

2- تدهور قيمة الريال الإيراني وما يخلفه من اثار تضخمية داخلية قد يكون مربحا ايضا إذا ما وظف في تشجيع الصناعات التصديرية الإيرانية الى العراق وبعض بلدان العالم. فلا يخفى ما تدره الصادرات الإيرانية المتنوعة من فوائد اقتصادية متعددة اهمها تنشيط الصناعات الإيرانية وتوليد فرص عمل جديدة تؤمن جانب الطلب الكلي، والذي يزيد بدوره مجددا من حجم الانتاج. فضلا على ما تدره تلك الصناعات من عملة اجنبية للبلد.

3- يساهم هبوط الريال الإيراني في إنعاش قطاع السياحة في إيران، وهو ما يعني تحريك معظم القطاعات الاقتصادية بفعل دولارات السائحين، كقطاع النقل وقطاع الخدمات وقطاع المال فضلا عن القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية، نظرا للتشابك المعقد بين كافة هذه القطاعات.

4- قد تستفيد الحكومة الإيرانية من تجربة العقوبات الاقتصادية السابقة والاليات التي التفت بها إيران على تلك العقوبات، واعادة تفعيل القنوات القديمة لتوثيق الارتباط بالنظام المالي والاقتصادي العالمي وتفادي جزء من الاثار السلبية للعقوبات.

مع ذلك، هناك بعض الاثار الاقتصادية والمالية التي قد تكبح افاق النمو والاستقرار في إيران لعل اهمها انخفاض التصنيف الائتماني العالمي وارتفاع مخاطر الاستثمار وضعف بيئة الاعمال، فضلا على انسحاب معظم الشركات العالمية العاملة في إيران. واضطرار الحكومة الى التعايش مع العزلة الاقتصادية والمالية. ايضا قد تزيد الانهيارات المستمرة في اسعار الريال الإيراني من حمى المضاربة على الدولار والاصول المالية الاخرى. ناهيك عما ستعانيه شرائح كبيرة ومتنوعة من انخفاض في مستويات المعيشة والحرمان وارتفاع في معدلات البطالة وانتشار لمعدلات الجريمة والفساد. كل تلك المؤشرات تنذر بخريف اقتصادي قادم سيعتمد اجتيازه بنجاح على رباطة وعزم المواطن الإيراني ومدى تمسكه بقيادته السياسية والدينية.

محرر الموقع : 2018 - 06 - 11