خيبة أمل المرجعية الشريفة
    

كانت إشارة المرجعية الدينية العليا واضحة وضوح الشمس وعلى لسان ممثلها في كربلاء السيد احمد الصافي إزاء حُزم الإصلاح التي أطلقها د. العبادي منذ آب المنصرم،لاتخلو من خيبة الأمل والإحباط المرير كرد فعل كان مرتقبا من زمان بعيد تجاه هذه الحُزم التي سميت مجازا بالإصلاحات وتضمنت تلك الإشارة ولأول مرة الرأي الصريح للمرجعية الدينية العليا التي عودت الشارع العراقي على لغة التلميح وليس التصريح اي انها ترسم الخطوط العريضة للمشكلة او الأزمة التي هي بصدد معالجتها تاركة تفعيل المعالجة الى المعنيين بها.

و تضمنت قلقها من أنها كانت تراقب عن كثب وتائر الإصلاحات التي اطلقها د. العبادي ولفترة طويلة من عمر هذه الحكومة وكانت تترقب انجازا ملموسا على الأرض يمكن ان يُعد بالقياسات الحكوماتية انه إصلاح الا انه لم يتحقق شيء بهذا الصدد وصفة التنكير لكلمة (شيء) توجز لنا أعلى مناسيب الإحباط وكما عبرت عنه المرجعية: (في العام الماضي وعلى مدى عدة أشهر طالبنا في خطب الجمعة السلطات الثلاث وجميع الجهات المسؤولة بأن يتخذوا خطوات جادة في مسيرة الإصلاح الحقيقي وتحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد وملاحقة كبار الفاسدين والمفسدين ولكن انقضى العام ولم يتحقق شيء واضح على ارض الواقع) ومن يستقرئ هذا المقطع الصغير من خُطبة الجُمعة الفائتة التي ألقاها السيد الصافي بشيء من الفتور.

 يستنتج للوهلة الأولى أن المرجعية الدينية العليا هي غير راضية بالمرة على الأداء الحكومي بسلطاته الثلاث وغير مقتنعة بما يسمى مجازا مسيرة الإصلاح ولو كانت ثمة حقائق “إصلاحية” ملموسة لأشادت بها المرجعية ولاستمرت بتفويضها الذي منحته للسيد العبادي على خلفية إطلاق حزمته الإصلاحية الأولى وهو مضارع للتفويض الذي منحه إياه الشارع وان كان بسقوف تنفيذية/ اجرائية أوسع كالمطالبة بتحسين الواقع المعيشي للمواطنين وواقع البنى التحتية المتهالكة في العراق لاسيما ملف الكهرباء وهو الملف الأكثر تداعيا وبسببه اندلعت المظاهرات في مطلع آب القائظ المنصرم ناهيك عن مطالب اخرى لم تكن مطالب تعجيزية في وقتها او تمس الأسس الديمقراطية التي قامت عليها الدولة العراقية بعد التغيير النيساني او تطالب بإلغاء العملية السياسية تحت شعار “ارحل” التسقيطي…الخ. بل كانت مطالب عفوية نابعة من حاجة الجماهير الى الإصلاح.

ولكن المرجعية الدينية العليا المتمثلة بآية الله السيستاني (دام ظله) لم تخذل الشارع العراقي المنتفض والمطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين بل تواشجت مع مطالب الشارع وكانت ظهيرا قويا له سواء بتفويضها التاريخي للدكتور العبادي كي تعطيه دافعا معنويا كبيرا، ولم تبخل عليه بالنصيحة والإرشاد الأبوي وليتواشج التفويضان (المرجعية والشارع) في مسيرة واحدة هي مسيرة الإصلاح التي عبر عنها ممثل المرجعية بصراحة ودون مواربة او مداهنة أنها وبعد هاذين التفويضين (لم يتحقق شيء واضح على ارض الواقع) وهو تعبير يدل على إن التقييم السلبي للمرجعية .

وهو مايتوافق ايضا مع نبض الشارع الذي لم ينفك عن تحشيد الرأي العام وباستمرار ولحد الآن بتواصل المظاهرات المطالبة بالإصلاح ووأد الفساد والفاسدين وتصحيح مسار العملية السياسية وان استمرار هذه التظاهرات هو الآخر يدل على خيبة الشارع العراقي بمسيرة “الإصلاحات” وهي مسيرة لاتستدعي الى قرارات ترقيعية او انفعالية لكسب ود المرجعية وامتصاص غضب الشارع الذي انتفض ضد سوء الأوضاع المعيشية وتردي واقع البنى التحتية وملف الخدمات كون المواطن العراقي لم يلمس شيئا ينتشله من واقعه المزري الذي عاش حيثياته قبل التغيير النيساني اذ بقي كما كان يرزح تحت خط الفقر وهامش الحياة التي توفر له ابسط مقومات الإنسانية ومرتكزاتها في وقت يرى مقدرات الدولة التي كان يحلم بها تذهب الى جيوب الفاسدين بعد ان عززت المحاصصة السيا/ طائفية / مناطقية من وتائر الفساد ولهذا فان جوهر الإصلاح يعني تصحيح جذور الأخطاء البنيوية / التأسيسية التي قامت عليها العملية السياسية في العراق، وليس فقط ترشيق او دمج وزارات وإلغاء مناصب وتحجيم رواتب لكبار المسؤولين او سحب حماياتهم وهي قرارات إصلاحية وان جاءت متأخرة.

 إلا أنها مطلوبة في الوقت الراهن، الوقت الذي يشهد العراق فيه أزمة مالية خانقة إلا أنها لاتكفي لوحدها، لان الموازنة الشحيحة وفي ظل تراجع أسعار النفط لم تعد تكفي لأبسط متطلبات ديمومة الحياة، ولطالما كانت المرجعية تعبر عن استيائها للمآلات الوخيمة التي يفرزها الفساد الذي استشرى في جميع مفاصل الدولة العراقية بعبارة (ولات حين مندم) وهي اليوم تصرح بان (هذا أمر يدعو للأسف الشديد ولا نزيد على هذا الكلام في الوقت الحاضر) متجاوزة مرحلة التحذير من عواقب الندم الى مرحلة الأسف الشديد والإشارة الى ان ثمة كلاما وإجراء في المستقبل قد لايكون في صالح حكومة العبادي ومسيرة “الإصلاحات” المتلكئة، وان غدا لناظره قريب.

بقلم: عباس الصباغ

محرر الموقع : 2016 - 02 - 05