السيد السيستاني حبر الإنسانية
    

الغوص في أعماق الرجال، يتطلب معرفة تامة بكل تفاصيل التاريخ الحقيقي وغير الحقيقي لهم، فأيّ تقييم غير موضوعي، سيحرف التاريخ سلباً أو ايجابباً حسب مقتضيات الأوضاع السياسية والأجتماعية لأيّ أمة في التاريخ، كل ذلك، لذوي العقل، يخضع لظوابط التقييم المنصف، وأهم تلك الظوابط هو الضمير.

لكل مرجع من مراجع الدين الشيعة، دوٌر في زمانٍ ومكانٍ معينين، عند دراسة الدور السياسي لكلٍ من الإمام محسن الحكيم، نراه يختلف عن دور الأمام الصدر الأول، ودور الشهيد الصدر الثاني، يختلف عن دور السيد محمد باقر الحكيم، ودور الإمام الخوئي يختلف عن دور السيد السيستاني وهكذا، بالاعتماد على العوامل القومية والاقتصادية والسياسية لفترة كل منهم لنترك كل ما لم نعشه، لمن عاش معهم ،ونتفرغ لدراسة ما حصل وراء سقوط الطاغية بأمعان وتصرف واحتراف، ليس لشيء، سوى التدوين فالتاريخ لايرحم ،وأحياناً يقسي ،بقسوة ماحصل.

بعد عام 2003، قاد السيد السيستاني سفينة نجاة العراق، بطريقة أذهلت العالم، فقد وُفق في أفشال جميع المخططات الرامية ألى أحداث الحرب الأهلية وتقسيم البلاد والقتل والتهجير الطائفي فاتجه صوب الانتخابات وأقرار الدستور الدائم للبلاد وتشكيل الحكومات لأدارة شؤون الناس ومصالحهم.

مرجعية السيد السيستاني تُعتبر من أطول المرجعيات عمراً فقط بلغ عمر مرجعية الإمام الحكيم 22 عاماً، ومرجعية الأمام الخوئي 20 عاما، أما مرجعية السيد السيستاني أطال الله عمره الشريف أكثر من 26 عاماً، وكل ذلك له ارتباط غيبي بالخالق سبحانه وتعالى لحاجة المسلمين والأنسانية العظيمة له في هذا الوقت.

السيد السيستاني لم يفّرق يوماً بين المسلمين, ولاحتى غيرهم ، ولذلك أطلق عبارته المشهورة والتي كان من الحق لها أن تأخذ جائزة نوبل للسلام ((السنة أنفسنا))، والتي حفظت دماء العراقيين من أن تسيل في الشوارع وأنقذت البلاد من حرب أهليةٍ حادثة لامحال بعد تفجير قبة الامامين العسكريين (عليهما السلام).

الأمام السيستاني في أكثر من مناسبة، كان صمام الأمان للعراقيين جميعاً في العراق وفي خارجه، في جميع ما ممر به العراق سياسياً واجتماعياً، كان لايفرق بين أحد, كلّ العراقيين، ويعتبر كلّ عراقي مواطن له حقوق وواجبات، كل مع القانون والدولة، وضد من يخالفهما ويعبث بالممتلكات العامة، ونتذكر موقفه بداية سقوط النظام في حفظ الممتلكات وتشكيل اللجان الحوزوية في حفظ الدماء والأعراض والممتلكات، وكان موقفاً مشابهاً تماماً لموقف أستاذه الإمام الخوئي في عام 1991 أبان الانتفاضة الشعبانية.

السيد السيستاني لايؤمن بولاية رجل الدين المطلقة في الدولة، فهو من رجال المرجعية التقليدية، التي تبني الدولة المدنية المتعشقة مع الدين، على حساب الدولة الراديكالية المتشددة التي تكون على مسافة واحدة من ابناءها في كل شيء.

السيد السيستاني -وللتاريخ -تُرك وحيداً في الساحة خُذل من الحكومة والشعب معاً، فظُلم ظلامة كبيرة في موضوعيين مهمين:عندما نادى بعدم أنتخاب الفاشلين والسراق والخونة (المجرب لايجرب) ومع الأسف اتجه الكثير نحوهم لحلاوة دينارهم القبيح، والثانية عندما نادى بالإصلاحات في الدولة العراقية، فُخذل ثانية من قبل أصحاب القرار، بالتسويف والمماطلة.

السيد السيستاني ،بفتوى الجهاد الكفائي أنقذ العالم الأسلامي والعراق بالخصوص من محرقة اسمها داعش، فعلم العالم عندها من هو السيد السيستاني، وكيف دب خطابه في عروق مئات الملايين من المسلمين في العالم وحتى من غيرهم.

مظلومية السيد السيستاني ،ستتحدث عنها الأجيال يوماً ما،عن رجل أعطى كلّ شيءٍ للانسانية، أعطى حياته وسمعته وجهده، من أجل بناء الانسان، قبل بناء الدولة، لم يأخذ شيئاً سوى بيته القديم الذي يسكن به أيجاراً منذ ربع قرن، تأسياً بعلي عليه السلام الذي وعده بأن يصون الأمانة ولايخذله، فكان خير الواعد وخير الموعود إلى أن يأخذ الله أمانته، عندها سيجتمع الخصوم عند الله وسيحدّث الله بما لاقاه من ظليمة.

بقلم: علي هادي الركابي

محرر الموقع : 2016 - 02 - 13