سَيدتي بغداد
    

 

  فاضل البياتي
 
 
*الى  حُبي العراق ولكل من في العراق،  الى بغداد المُتيّم حُباً فيها، والتي تَسكنني في حِلي وترحالي....
 
 
 
تَهمسُ لي ..تَسألني
 هل كُنتَ هناك ؟
هل عُدتَ أليها في ألأحلام؟
*
أصّحو غَفلة  
  مَفزوعاً مِن حُلُمي
مع أن الحلمَ جميل
أحلمُ أنيّ عُدتُ أليكَ ياوطني
ولكن في زمنِ التَقتيل

أَصّغي
وَيُصغي قَلبيَّ سَيدَتي
لصَوتكِ مَجُّروحاّ يأتيني ألآن
  ياأنتَ 
 عَجَّلتَ خُطاكَ الى المَنفى
فَخَسرتَ جُلَّ شُموعِ العمرِ
في تَيهِ الغربةِ والنِسيان
..يا كَهلاً
غادَرتَ فتىً عَنّي
ما أحسبُ أنكَ مازلتَ فتى ألان 

رذاذُ الثلجِ يَهوي كَثيفاً كالقطن 
 يَتراقصُ ويَميل
نَورس فضيّ
يَحطُ قَربَ  زجاجِ نافذتي
..يَنظرُ نَحوي وَيُطيل
   ثُمَّ يَطير..
 يَتحدى البَرد القارِس بِبهاء
يَتركُني أتسأل
   ـ ما بال هذا النورسُ العاشقُ للدفءِ
 يُغرم بِصقيعِ شتاء! 
*
   رذاذُ الثلجِ يُداعبُ زجاجَ الشباك 
 وستوكهولم تعويذة شقراء مفعمة بالحب
وملاك 
لحنٌ روحاني
 يُرتّلهُ آلهة أساطير الفايكينغ 
 وستوكهولم ُ فاتنةٌ تَغفوعلى صدري 
  أمنَحها..تَمنحني
ثقةً ووفاء
هياماً..دفئأ..وحنان.
 تَهمسُ لي ....تَسألني وتَبتَسِمُ 
هل عُدتَ هناك ؟
إلى بغداد...؟

ياهذا ألحائِر.. ياهذا الطائر
ياهذا المُنتَظِر الشَيخُّوخَة
ياهذا الباحِثُ عَن أمجاد 
صارِحَني إذّ مازِلتَ جَريئأ
   وأنتَ بَعيد عني
 عَن بغداد
وَلو بِلحظَةَ ثمل
تَهُربُ فيها مِن عَلّقَمِ مَنفاك
إلى مَنفى السَخطِ والهَذيان
صَرّح ليّ عَن فَوزِكَ يا وَلَدي
عَن كُلِ فَداحَةِ خِسرانك
  وأيّ مُراد 
*
رَجلٌ يَتَمرّد...حَيٌّ يَتمرّد بِعناد
يَشتاقُ الى المهدِ أو اللحدِ
لا فَرق
أن يبقى أولايبقى
لا فَرق
أن يَختار
أولا يَختار
لا فَرق 
 لكن لايعرفُ خذلان 
 وبذا صارَ عليهِ أن يرحل دون متاع
فَتياً مازالتُ أنا..لا يُهزم  
  مُكابر..جَلِدٌ .. وشُجاع  
و ماضاع ...
إن كُنتِ تظني ضاع
 فألعشقُ أليكِ سَيدتي مازالَ هو العشق
يابغداد.
*
أعوام  تتلوها أعوام ...
صَقر مَصْلوب عَلى لَوحِ ألغُربَة
  صَقرٌ يَتَدفّقُ في دَمِهِ ألنَهرين أَنا
 ...يَنتَحِرُ يَومِياً بالمَجّان
أَستيقظُ من كابوسيَ مَحضُ جَسَدٍ
وَروحي هُناك ..
في كلِ زاويةٍ
 ومنعطفٍ عَزاءٌ وَحِداد.
أعوام  تتلوها أعوام ... أصحو مِن حُلمي ...أتاملُ وَطني.  
قشّة فوقَ جَمرِ رَماد.

 طُوبى دارالسلام، بل وأسفاه..لم تَنعَمي بسلام
أيا بغداد.. أيا مالكةً ذاكرتي بِرمتها
أيا بغداد مَولاتي
تُعاتبُني أُعتَابُها.. صَمتاً دونَ كلام.  
يا ساكنةً بدمي، وانتِ دمي
أيا مَعبد إيماني، إذ صِرتُ أُصلّي فيهِ عَن بُعد
 مِن المَنفى
لا في المِحراب..

أَعتِقُ نَفّسي من نَفّسي
أصّحو فَزِعَاً مِن حُلُمي
مَع أنَّ الحُلمَ كان بَديع
أَحلمُ أنيّ رَجَعتُ إليكِ ياحُبّي
 ولكن في عصرِ أخر لِلتَرويّع. 
.أستيقظُ من كابوسي الوَردي كنتُ هناك
أجولُ بشوارعكِ لِلتوِّ
  أراها تَسبح في ظلمةٍ ودماء
   خَوفٌ وبُكاء
..سَيدتي
يا مُؤنسَةً أَسراريَّ، وَوجَعي والأتراح.
يا غَزَلي 
 صَعاليكٌ، حُكّامٌ مَخبولين على مرِالأزمان
مَملوكين للبلدانِ وللجيران
...أحالوكِ رثاء 
 خَمائِلكِ،  فَراديسكِ المُبهرةُ
 دهاليزٌ مُرعبة صارت وأقبية للموتِ
لاشمسٌ للحريةِ في أيِ سَماء
لا صوتٌ حُرٌ حَيٌ يجرؤ أن يَهمس
وسط ألذعرِ وفوضى الأشباح..
*
لا تَلمِ سَيدتي
كفِ اللومَ أُناشدكِ
كيلي الّلومَ على الزمنِ الأهوجِ
 على الزمنِ الأبّكمِ
عَلامَ يزج الأهل في بلدي
الى المَوتِ رَخيصاً 
 صُبحاً ومساء؟ 
 كيلي الّلومَ على القَتَلة
  والأفاقينَ ورعاعِ السلطان
 خَيَالُ مآتة.. لاخَيَّالة
 في ألمرآةِ وفي ألأوهامِ جَعَلوا من أنفسهِم 
  فرسان..!
*
   أجل، غُرباء
عراقيونَ.. غُرباء نحنُ اليومَ في منفانا
 وغرباءٌ أيضاً لو عُدنا بَعدَ طولِ غِيابٍ وَ بُعاد.. 
هل من عودة أليكِ سيدتي بغداد؟؟
وَمازالَ الجلادُ هوَ الجلاد.. والحَرباءُ هي الحرباء
وغادةُ وطني الحَسناء
نَهبوا حُلتها..
 والعَنبرُ .. والمِسك
 وَسريرالعِشق
.. وخِدْر أنوثتِها   
 دونَ إستحياء  
 .فأمسَت تَنعمُ في كُلهُموالجرباء. 
*
 أبغداد .. وأهلي
تَعالوا نُخضع هذا التاريخ
نُلزِمُ ..
نُرغمُ هذا التاريخ
ليشهدَ ولادة عَنقاء خَصبة لا عاقر
تَتَمخض تَوقا
كي تلد عيداً أزلياً ظافر
يَترنم فيه أطفال بلادي
نساء بلادي،شيوخ بلادي، والفتيان
بقصائد من عجبٍ
 لم تُسطر أبداً في ديوان.

 لاعَصفٌ شِريرٌ أصفر يَقوى على أفسادِ بَهجَتكِ بغداد 
لا ريحٌ نَتنة قَدرت أطفاء شَمسُ فَتاكِ أوالأحلام.
أفازَ الموبوئين أوالأغراب؟
 ماقَدِروا أنصاف ألأزلام..
 ريحَهمو ألصفراء تَندَحِرُ
  مافَتِأت مَحضُ هُراء.
يُرعِبهم ديكُ الصباح "الهارتيّ" ألعَنيد
 وعِشقٌ قَديمٌ جَديد
يُوَحَّدُ دجلة وماء الفرات
يُبشّرُ بِعُرسٍ بَهيٍ سَعيد
 لشهريارِالفتى
و لشهرزادِ الفتاة.
*
ياألله
  .... يادُنيا ألله   
  ..وَيا قَدَر
نُناديكم ..... عالياً .. جَهر
ماذا دهاكَ يا قدرُ! أنصِف بِنا
يا قدر بلادي المُنتَظرُ؟
أتشهدُ ما حَلَّ بِنا.. هل أنتَ تَسمَعنا 
 أم أنتَ عَنّا بَمنشغِل؟
ماذا دَهاكَ يا قَدَرُ .....هل أنتَ تَحتَضِرُ
!......أجِبْ
هل مُتَ ياقَدرُ ؟
إِنهَض......هَلمَ يا قدرُ
ولتمّنح شَعبَي سَعداً وإطمئنان  
  حَياةٌ لاعُنفٌ، لا كرهٌ فيها
لا سِجنٌ لا سَجّان  
لا قتلٌ لاحِرمان.
فَليسّطع ضوءكَ ياقدرُ
وَأتِ لنا بِمُعجِزَةٍ منها الخيرُ
..والأفراحُ تَشدوا وتَنهَمِرُ
 قُبيلَ أن يُهدر مَزيداً مِن دَمَنا ظُلماً 
أو يَخدَعنا سَماسرة الخَرسان
ودكاكينُ الساسة المأجورين
المَهووسين بالتفجير وَألتَقّتيّل..
الممسوُسين بالتكفيرِ بأسمِ الدين
أو أيِ مُسمّاً كان.
قُبيلَ أن يَجرفنا لِلقَعرِ موج الهِجرة بَعيداً
وَيبتلِعنا جَوف النسيان.
*
  يَعوُد ألنورس...
  ..يَهبِطُ بِفخرٍ وإستعلاء, يلامس زجاج  نافذتي
   يتأملني...
عَلّه يسآءل نفسه عَنّي 
  ما بال هذا ألصَقرُ ألبغداديّ العاشقُ للدفءِ   
مُغرم بِصقيعِ شتاء؟ 
 ..يحلق ثانية..وأحلّق مَعهُ 
إلى الاعلى  بِبَهاء
  ..وستوكهولم رائعتي
مَلاكٌ ووِداد 
 .. تهمس لي .. وتَبتَسِمُ
  هل طُرتَ لِهناكَ ثانيَةً
...  إلى بغداد
  
فاضل البياتي
     السويد/ ستوكهولم
 
 
 
 
 
 
*الأذاعي والمسرحي والكاتب  والفنان العراقي فاضل صبار البياتي هو من أهم ألمبدعين ألإذاعيين من جيل ألسبعينات. يعيش في المهجر منذ 26 عاماً.
  كتب وأخرج للمسرح وللإذاعة،عمل ممثلاً في المسرح وألإذاعة والتلفزيون.
 إستقال من عمله ومنصبه رئيسا لقسم التمثيليات في إذاعة بغدادعام 1991  كردةِ فعلٍ إحتجاجية للهاوية التي زج بها العراق من قبل السلطة آنذاك.
 عمل خارج العراق في عدة دول عربية منذ عام 1992 أستاذاً مشرفاً ومدرساً للفنون والدراما المسرحية. وفي الصحف الليبية في مجال الثقافة والفنون.
تخرج
  من معهد الفنون الجميلة 1975  وهو في 23 سنة من عمره.
وأجحافا بحقه تآمرعليه الوشاة الوصوليين والفاشلين وأعداء النجاح، فزج به ألى الجيش والحرب الأكثر من 12 سنة بدلاً أن يأخذ فرصته الدراسية والطبيعية كأي شاب عراقيوفنان واعد في مقتبل العمر ليواصل دراسته.
لكنهُ ورغم حياته الصعبة كجندي مكلف ومن ثم كجندي أحتياط في حروب لا طائل من ورائها، أستطاع أن يتنفس برئة واحدة ليواصل سنوات أبداعهُ الفني والإعلامي
وهو في الأصل كان موظفاً على الملاك الثابت ومخرجاً إذاعياً في إذاعة بغداد منذ عام  1972 حينما كان لم يزل طالبا أنذاك..
 عمل ونشر في العديد من الصحف العربية.  نشرالقصيدة والقصة وكتب في السياسة والنقد يكتب وينشر القيم أعماله المسرحية باللغة السويدية.
عام 2014 أصدركتابه الأول باللغة السويدية "عمت مساء ياصدام "Godnatt Saddam" الذي يحتوي على 6 مسرحيات.
 
ويصدر قريباً في مطلع شهر آب المقبل  وبالسويدية أيضا كتابه الثاني "سويدي لاسويدي"Osvensk Svensk"  والذي يضم في متنهعدة  مسرحيات جديدة.
 
 
محرر الموقع : 2018 - 07 - 18