باب النقاش " العلمي" مفتوح :
لا شك أن كل مسلم يجزم بأن هناك واجبات ومحرمات في الشريعة الإسلامية - وإن كان قد يجهل تفاصيلها وأدلتها - ، ويؤمن أيضا أن هناك ثواب وعقاب ثابتان في الكتاب الكريم والسنة القطعية ، ومن انكر ذلك فقد انكر ضرورة من ضروريات الدين ، ويرجع انكاره لها ( ونقصد إنكار الواجبات والمحرمات والثواب والعقاب ) الى تكذيب الكتاب والسنة القطعية او تعطيلهما وهو ما يخالف أبده البديهيات العقائدية الثابتة . إذن .. فهو أمام أمرين : الأول : أمام تكاليف شرعية لابد من إفراغ ذمته منها . الثاني : أمام ضرر محتمل ، في حالة عمله من دون إجتهاد او تقليد ، إذ قد تكون أعماله التي أتى بها من دون إجتهاد او تقليد غير مرادة من قبل الشريعة فتكون غير مجزية . والآن تأتي الفطرة لتحكم ..... إن الفطرة التي اودعها الله تعالى في مخلوقاته الحاسة تحكم بلزوم دفع الضرر المحتمل ، وهذه الفطرة لا تقتصر على الانسان فقط بل تعم حتى الحيوان ، حيث نجد ان الحيوان اذا تعرض لأذى في مكان ما ... لن يرجع اليه مرة أخرى لدفع احتمال الضرر . وعليه فإن وجوب دفع الضرر فطريا امر مفروغ منه ( والعقل البشري يعطي نفس النتيجة ، وحين لم نعنون الدليل بأنه دليل عقلي انما هو اشارة الى ان هذه الحقيقة -وهي لزوم دفع الضرر - امر غير مختص بذوي العقل بل لكل ذي حس) . وهنا يأتي السؤال : أننا آمنا بلزوم دفع الضرر المحتمل عقلا وفطرة .. ولكن من قال بأن العمل وفق الإجتهاد او التقليد دافع للضرر المحتمل ؟ والجواب : أما بالنسبة للإجتهاد ... فلأن الاجتهاد هو بذل أقصى درجات الجهد لاستخلاص الحكم الشرعي من مناشئه العقلائية المقررة (وأهمها القرآن والسنة المعتبرة والعقل ) فيكون المجتهد من أهل الإختصاص في هذا المجال ، وممن انكشفت له مدارك الأمور ، واطلع على ادلة الأحكام وملابساتها ، وأيقن أن ما توصل له هو غاية مايمكن ان يتوصل اليه اصحاب التخصص ، فيكون على علم بأداء وضيفته المكلف بها -حين يعمل وفق اجتهاده - وبما أن العلم حجة عقلا ، فيكون عمله وفق اجتهاده دافعاً للضرر بحجية العلم العقلية وهي أقوى الحجج على الإطلاق . وأما بالنسبة الى التقليد (ويدخل فيه الإحتياط ايضا) ... فأولا : أن العقلاء جميعا (بما هم عقلاء ، ومع الغض عن الأهواء والرغبات والميول) يحكمون بوجوب الرجوع في أي مجال لصاحب التخصص فيه ، ورجوع الجاهل بأي شأن الى العالم بهذا الشأن ، فإنهم يهزئون برجوع المريض الى الفقيه ، ورجوع صاحب البناء الى الطبيب الخ .. فكذلك لا يجيزون ابدا رجوع العامل في الدين لغير المجتهد( الذي هو متخصص بالعلم الديني ) وهذا ما يسمى ب(سيرة العقلاء الممضات) . وثانيا : أنه ليس بوسع الجميع أن يكونوا مجتهدين ، فليس أمام المكلفين طريق الا التقليد ، حيث انسد عليهم باب الحصول على احكامهم التكليفية الا من هذا الطريق بعد غيبة مولاهم (عجل الله فرجه الشريف ) وهذا مايسمى ب(الإنسداد) . فتبين بهذين النقطتين : أن التقليد (عقلائيا وعقليا) شيء لازم لابد منه في تأمين المكلف -غير المجتهد- من الضرر المحتمل. والنتيجة : لابد ان يكون المكلف إما مجتهدا وإما مقلدا .. وهناك ادلة جزمية أخرى سنأتي عليها إن شاء الله تعالى في حلقات اخر . ولكن هناك سؤال قد يتبادر الى أذهان البعض ، وإن كنا قد أجبنا عنه ضمنا في طيات الحديث ، وهو : مادام بين أيدينا الكتاب الكريم وسنة أهل البيت ع فلماذا لا نأخذ أحكامنا مباشرة منهما من دون الحاجة للرجوع الى الفقيه ؟ والجواب : يأتي في الحلقة الثانية يوم غد في نفس الوقت بإذن الله . باسم اللهيبي
|