ازدواجية اللغة في المجتمع العراقي: دوافع اجتماعية ام نفسية
    

باسم جبير كاظم

 

يعيش الفرد  العراقي في مجتمع تحفه الصلات الاجتماعية من مختلف النواحي، فالمجتمع يمد الفرد بأسباب الحياة المادية و المعنوية، وكذلك يمده بالثقافة و الخبرات و المهارات التي تمثل محطة التجارب الإنسانية الطويلة، فالعلاقة بين الفرد والمجتمع علاقة تفاعل و تأثير متبادل كما أن المجتمع يؤثر في الفرد ويطبعه بطابع عام يتلائم معه، و الفرد يؤثر بدوره في حياة المجتمع بما يضفيه من أفكار وابتكارات جديدة له. ويعد الملبس جزء لايتجزء من التأيثرات المجتمعية إذ ان المظهر الخارجي للفرد يؤثر بصورة مباشرة في طريقة التفاعل مع الاخرين والتواصل في سياقات اجتماعية مختلفة. وقد توحي طريقة اللبس بصورة لائقة الى ان الفرد يمتلك ثقة عالية وطريقة مؤثرة في كيفة تقبل الاخرين له حسبما يراه علماء الاجتماع. ولكن يشيع السؤال حول وسيلة التأثير هل هي بصرية ؟ عرفية؟ ثقافية؟ ام انها تعود لأمور لغوية تتأثر بالمظهر الخارجي للانسان؟ وقد يتبنى الفرد موقفا تجاهك اذا كنت ترتدي ملباسا عاديا وسيتخذ موقفا مغايرا تماما لو كنت قد اترتديت ملبسا متانقا حضاريا مثل البدلة الرسمية وربطة العنق. وبالمقابل سيعتقد المنتسبين في دائرتك والزبائن على حد سواء انك تعمل بمهنية وبعكسه فأنك تنقصك المهنية بسبب الزي الذي ترتديه. فمما اتذكره في مرحلة دراسية معينة ان استاذنا الذي اعتدنا عليه بالبدلة الزرقاء اي الزي الرسمي قد جاء في يوم من الايام مرتديا زيا مغايرا وهو مما يعتبرة المجتمع المدني "كاجوال" او الزي غير الرسمي. الملفت للنظر هو انه كان يستخدم لغة ليست تلك اللغة التي عودنا عليها، وبعد سؤاله اجاب معللا الملبس غير الرسمي الذي كان يرتديه هو من سبب استخدام اللغة غير الرسمية، وانتهى الموقف مع ضحك الطلبة وجدية الاستاذ. الان وبعد دراسة الظاهرة وملاحظتها لاحظت ان الملابس هي الوسيلة الأكثر شيوعا من ضمن وسائل الاتصال غير الكلامي. حيث يعبر شكل الملابس التي يرتديها الفرد بشكل لالفظي عن شخصيته، خلفيته، وحالته المادية، وكيف سيستجيب الآخرين لها. وعلاوة على ذلك فان الوسيلة الوحيدة التي من خلالها يتم التقييم هي اللغة.

اليوم نجد الكثير من افراد المجتمع العراقي غير واثقين من انفسهم بسبب عدم رضائهم عن شكلهم الخارجى و مظهرهم وبالتالي يسقط من امامهم الحضور المسرحي او القدرة على مخاطبة العامة والتأثير بالشكل الذي من شأنة يوصل الهدف المنشود. وهذا يزداد سوءا في حالة الانطواء الذاتي وما شابه، فللوهلة الاولى قد تظن ان المشكله تكمن فى شكل الفرد الخارجى و لكن حينما تبحث اكثر ستجد ان المشكله موجوده فى ذهن الفرد او بالاصح فى صورته الذهنية. الصوره الذهنيه هى الصورة التى ترى نفسك عليها وفى اغلب الاحيان لا تكون تلك الصوره مطابقه لشكلك الحقيقى.  كثير من الناس يظنون ان شكلهم الخارجى غير جذاب رغم انهم فى الحقيقه اشخاص جذابون. الفرق بين الحقيقه و الصورة الذهنية هو احد الاسباب الرئيسة التى تفقد الكثير من الناس ثقتهم فى انفسهم. وان الذهنية هذه تلقي بظلالها على اللغة وانتاجها واستخدامها كونها جزءا جوهريا من العقل اذا لم تكن كنه العقل. ويتشظى هذا التفكير القائل بعلاقة الذهنية بالمظهر الخارجي ليصل الى اللغة كونها عملية ترتبط بعلم النفس نصيب من هذا التشظي وبالتالي يطوع الفرد استخدامه اللغوي للملبس الذي يظهر شخصيته من خلاله. وبذلك قد يمتلك الفرد بالنسبة لهذا الطرح عدة شخصيات معتمدا على نوع الملابس التي يترديها فإذا لبس الزي الرسمي كانت له شخصية ولغة في غاية الثقافة والتكليف اما اذا قام بلبس الزي غير الرسمي "الكاجوال" فسبحان مغير الاحوال. ويكاد للفرد العراقي ان ينفرد بهذه الصفة كونه لديه القدرة على التعامل مع عدة سياقات لغوية وكل على حسبما يريد من لغة. 

ولا يخفى على المجتمع العراقي ذي الاطياف المتلونة والطوائف المختلفة ان يمتلكوا شخصية مزدوجة تلك التي حكى عنها علماء الاجتماع، ياتي في مقدمتهم الدكتور علي الوردي حيث وصف استخدام الفرد العراقي للغة على مستويين المستوي الطبيعي والذي يستخدم فيه الفرد العراقي اللغة على سجيته وذلك يتم في السياقات اللغوية التي لا تتطلب لغة مبهمة وشائكة وملتوية. اما المستوى الاخر فهو الذي يتكلف بإستخدامه المتلكم العراقي وذلك من اجل التناغم والحدث اللغوي بشكل او بآخر. وان من اهم الموثرات التي ذكرها الوردي في بحثه حول ازدواجية الفرد العراقي كان المظهر الخارجي واردفه بالانتقال من لغة الشارع الى لغة الطبقة المثقفة. وبربط هذين العاملين نلاحظ ان ما يقرر مستويات الفرد العراقي المتبانية داخل المجتمع الواحد هو المظهر الخارجي وبالاعتماد عليه يتم انتقاء اللغة المراد استخدامها حتى اصبح يعاب على الفرد العراقي اذا كان ذو مظهرا لائقا متأنقا ولا يتكلم بلغة بليغة فيقال: "كل هذي القيافة وماكو منطق (المنطق هنا هو اللغة اللائقة بالسياق)؟". ومن جهة اخرى فأن هذا لا ينفي وجود الكثير من الناس ممن يظن ان الجمال مرتبط بالشكل فقط ولكن الابحاث اثبتت ان هناك عوامل اخرى كثيره تجعل الفرد جذاب مثل طريقة التحدث والثقه بالنفس وطريقة المشى وحركات الجسد واختيار الملابس و الصفات الفردية ولقد وجد ان بعض التغيرات البسيطه فى الالفاظ التي يستخدمها الفرد يؤثر على تقييم الناس لجاذبيتك.

ومن هنا فقد يتضح ان المسألة تنضوي في مضمار الحالة النفسية الذهنية للفرد العراقي فهي فقط من يؤثر على طريقة استيعاب الفرد لشخصيته ويؤدي هذا سلبا او ايجابا على طريقة التعامل مع الاخرين الا انه لاينعكس هذا التأثير على الملبس بصورة مباشرة ومؤثرة انما ينعكس جل الانعكاس على انتقاء الالفاظ التي يستخدمها الفرد العراقي للتعبير عما يدور بداخله متأثر بالعوامل الذهنية التي يرى نفسه من خلالها. فقد يظهر الانسان مزودجا اي مستخدما اوجه ذهنية متعددة، فمرة تجد ان طريقة التفكير ورؤية الاشياء لموقف معين متجلية بصورة تامة عندها يختار الفرد اسمى الالفاظ او قد يظهر الفرد مظطرب الذهنية ولايقوي على توفيق الموقف واللغة فيتنج لغة ركيكة الالفاظ لا ترتقي لمستوى الحدث. وان كل هذا لاينفي تأثير الفرد العراقي بالملبس عند تغيير نوع الالفاظ المستخدمة غير ان السبب هو ليس سببا ماديا متمثلا بالملبس بل انه دافعي نفسي يؤثر على طريقة التفكير للفرد ورؤيته للاشياء من حولة عند لبس نوع معين من الملبس.

 

محرر الموقع : 2016 - 07 - 24