السید السيستاني.. رسالة علوية
    

قبل أشهر كُتِبت سلسلة مقاربات بعنوان ( السيستاني رسالة مهدوية عاجلة ) وكان الغرض محاولة إعطاء صورة مبسطة وقريبة من الواقع لما سيجري في عصره أرواحنا فداه .. بناء على الروايات الشريفة في دلالتها الواضحة .. من خلال مايجري مع نائبه المفدى دام ظله .B3841F33-601B-4A2A-ADA6-7F2889991D84_cx30_cy21_cw44_w987_r1_s_r1

أما اليوم فعلينا أن نعود قليلا  للوراء .. ونرى كيف كان أمير المؤمنين عليه السلام يعاني .. ولنشعر بحسرته وحزنه ومدى ( غربته ) سلام الله عليه .. وذلك من خلال النظر في حال خادم من خدامه .. وعبد من عبيده .. وهو سماحة الإمام السيستاني دام ظله الشريف وفرج الله عنه وعنا كربة هموم العراق .

وليس غريباً أن ترى السيد في كل وصاياه للمجاهدين يردد كلمات نهج البلاغة .. وفي نقده السياسي لأداء الحكومة يردد كلمات الامام علي في عهده لمالك الأشتر .. وفي وصاياه للشباب .. وتحذيراته من الدعاوى العقائدية الباطلة .. وفي كل مايصدر عنه .. تجد كلمات علي عليه السلام .. ونهج علي عليه السلام حاضراً  بوضوح .. وما ذلك إلا لشدة تأثر السيد بجده أمير المؤمنين عليه السلام ومحاولته السير على خطاه .

 فشائت حكمة الله أن يواسيه ببعض أحواله .. وهذه المقاربات صورة قاصرة بسيطة منها :

المقاربة الأولى :

إنقسام الناس واختلافهم في علي عليه السلام كان حاداً شديداً جداً .. بين محب يفديه بروحه ويخوض معه الأهوال ولايبالي بالموت .. وبين مبغض يحقد عليه مهما عرف من إحسانه ومكانته .

وقد قال عليه السلام (( لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني )) نهج البلاغة /ج٤ ص١٣

 ونرى إنقسام الناس اليوم في هذا السيد من ذريته شديداً وحاداً جداً .. بين مطيع يضحي بكل مايملك تحت رايته ولايخطو خطوة بدون أمره .. رغم الكد والتعب والاختبار تلو الاختبار .. وبين ناقم عليه مستخف بأمره .. لايقبل منه موقفاً مهما فعل .. ولايطيق له ذكراً .. حتى لو حمى عرضه و حفظ مقدساته .

 وذكر المعتزلي في شرح النهج (ج٦ص١٣٦ ) بأن قوماً جلسوا تحت منبر أمير المؤمنين عليه السلام فلما تكلم بمالم يعجبهم قاموا من عنده وهم يقولون (( لله أبوه .. ما أفصحه كاذبا )) .. وقد عشنا لنرى كيف أخذ البعض يستهزء بخطب الجمعة من صحن الحسين عليه السلام وهي تقرأ نفس كلمات علي عليه السلام .

(( فالسيستاني رسالة علوية مفادها : أن هذا الإنقسام أمر واقع لم يسلم منه حتى أمير المؤمنين عليه السلام .. ولذلك فالمرجعية تتقبل التعامل معه بهدوء )).

المقاربة الثانية :

كان أغلب الناس في زمان علي عليه السلام يفكرون بطريقة مكيافيليه .. فيقارنون بينه وبين معاوية .. فيقولون أن معاوية أدهى منه وأذكى لأنه يحسن استخدام الأرواق السياسية وجذب الأتباع واستغلال الفرص .. بينما الامام علي كان لايفعل ذلك حتى خسر الكثير من الأتباع المؤيدين .

وكانت هذه المقارنة أشد مايحز في نفس علي عليه السلام لأنها تكشف أن الناس لاتقيم وزناً لعنوانه الديني وتريده قائداً سياسياً يحقق النصر بأي وسيلة ولو بضرب المبادئ .

وتخيل .. أن علياً يضطر للقسم بالله ليفهم الناس أخلاقيته وموقعه (( والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر. ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة. ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة )) نهج البلاغة ج٢ص١٨٠

والأشد ألماً أنه كان يقول لهم حتى الأحول يرى الحيلة لشدة وضوحها (( ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ( يعتبرون الغدر ذكاء ) ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم الله قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين )) نهج البلاغة ج١ ص٩٢

 ويقال اليوم أن هذا السيد الجالس في النجف لادراية له بالسياسة .. وإلا لأخذ زمام الأمور وقضى على الجميع !! ويتناسون موقعه الديني وأنه مقيد بأوامر الله ومسؤول عن حفظ أمانة ثقيلة وهي ( مقام المرجعية ) التي يجب أن يسلمها نقية طاهرة كما وصلته .. ولايطلب النصر والقضاء على المفسدين بأي ثمن كان ولو بكلمة تؤدي لسفك الدم ووقوع الفتن .

صورة متطابقه لأصواتٌ تريد منه التحرك ولو بإشعال النار .. ولاتريد أن تسمع المواعظ والنصائح وتبدأ بالتغيير من نفسها أولاً .. وكأن علياً عليه السلام لازال ينادي (( إما ينفعكم العظة والدعاء إلى الهدى والحكمة ؟!!  وإنى لعالم بما يصلحكم ويقيم لي أودكم ولكني والله لا أصلحكم بفساد نفسي )) نهج البلاغة ج ١ص٣٠٣

(( فالسيستاني رسالة علوية مفادها : أن أشد شيئ ألماً على القيادة عندما يظن الناس أنها عاجزة .. بينما هي ورعة ))

المقاربة الثالثة :

أعداء علي عليه السلام ومبغضوه .. نظروا في كل حياته فما وجدوا شيئاً يعيرونه به .. ولامنقصة يعيبونها عليه .. فما كان منهم إلا أن نسب

 وا له المطاعن .. ولفقوا له التهم .. ثم أخذوا يرمونه بها ويرددونها حتى صدقوها !!

 قالوا أن حديث ( لايحبك ألا مؤمن ) وحديث ( أنا مدينة العلم ) وحديث ( من أحبك فقد أحبني ) وغيرها الكثير .. هذه كلها ضعيفة مزورة  .. بينما نسبوا له الجهل والفساد في الأرض بل قالوا أن آية ( لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) نزلت في حقه ثم لم يكتفوا بذلك فطعنوا في أبيه ابي طالب وقالوا مات كفراً ولم يسلم أولاده من الطعن .

 ولم يجد المتهمون  للسيد مايعيبه فألصقوا به التهم الملفقه لتكون مبرراً للطعن والتشهير .. كان المفروض أن يفهم الناس أن الرجل مستهدف إعلامياً منذ دعايات ( أن السيد قبض 200 مليون $ من رامسفيلد لتسهيل دخول الأمريكان للعراق ) ثم مسلسل التهم الرخيصه حتى وصل الحال من الهوان  .. ولم يبق غير وزيرة الصحة الحالية لتجد في إتهام المرجعية ولصق الأكاذيب بها سلعة رائجة !!.

(( فالسيستاني رسالة علوية مفادها :  الخصم لن يكف عن إعلامه المعادي بأي طريقة  .. فلتكن الناس على دراية  ))

المقاربة الرابعة :

لقد أبتلي الامام علي عليه السلام بطيف من الناس كانوا لايدركون حقيقة مايريدونه .. فيطالبونه بشدة أن يتولى الحكم من دون أن يتأكدوا هل سيتحملون حكمه وطريقته وعدله أم لا .. وكان يصر عليهم أن بقائه للنصيحة الاستشارة ( وزير ) أفضل من تصديه المباشر للحكم ( أمير ) فقال :

(( واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب. وإن تركتموني فأنا كأحدكم و لعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم. وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا )) نهج البلاغة ج ١ص١٨٢

 ولكنهم أصروا عليه حتى وصف هو المشهد بقوله (( وجئتموني راغبين إلى في امركم حتى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني فالتويت عليكم لأبلو ( أختبر )  ما عندكم فراددتموني القول مرارا وراددتكم وتكأكأتم على تكأكؤ الإبل الهيم على حياضها حرصا ) مستدرك النهج ج١ص٢٩٤

 وبالتالي قبل الامام علي بالحكم .. ولكن لم تمض حتى سنة واحدة .. إلا وبدأت المشاكل .. وأذاقوه المر .. ماسيشهد به في يوم القيامه .. ويشكو ظلمه الى ربه تعالى .

فإذا كنا لانتحمل حتى أبسط الأحكام الشرعية التي أصدرها السيد ( حرمة اطلاق النار في الهواء ) ( حرمة استلام راتب بدون دوام فعلي ) ( حرمة التجاوز على الممتلكات العامة ) ( حرمة أخذ راتبين من الدولة بشكل غير رسمي ) ( حرمة الغش ) ( حرمة تزوير الشهادات ) ( مقدار الغياب عن الدوام لايجوز أخذ ما يقابله من نسبة الراتب ) وأنت ترى المجتمع كيف يضرب بهذه الاحكام عرض الجدار .. فعن أي تصدي للمرجعية يتكلم هؤلاء ؟؟ وعن اي قائمة تضعها بشكل مباشر يتحدثون ؟!! .. وهل الأمر مجاني لنجربه ولانخسر شيئ .. أم ثمنه هيبة المرجعية وقداسة مقام الفقهاء !!.

(( فالسيستاني رسالة علوية مفادها : لاتدفعوا القيادة الى خيارات لاتعرفون انتم عواقبها ))

المقاربة الخامسة :

كان الأمام علي عليه السلام حريصاً على حفظ هيبته الظاهرية .. وهيبة الامامة التي يحملها .. فكان لايحمل جيشه أكثر من طاقتهم .. لكي لايظهر التمرد عليه بشكل علني وتنكسر شوكته .. وكم هي مؤلمة هذه الصورة عن ( همس علي )  التي يحكيها لنا إبن أبي الحديد المعتزلي :

(( وجاء عدى بن حاتم يلتمس عليا عليه السلام، ما يطأ إلا على قتيل أو قدم أو ساعد فوجده تحت رايات بكر بن وائل فقال : يا أمير المؤمنين، ألا تقوم حتى نقاتل إلى أن نموت! فقال له علي عليه السلام : ادن فدنا حتى وضع أذنه عند أنفه، فقال : ويحك .. إن عامة من معي اليوم يعصيني، وإن معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه )) شرح النهج ج ٨ ص ٧٧

فقد جاء عدي بن حاتم يمشي على جثث القتلى وأوصالهم المقطعة  حتى وصل الى علي .. وطلب منه النهوض للقتال مرة أخرى حتى الموت .. ولكن الامام لم يرفع صوته بأن الجيش لايتحمل .. بل قال له أدن مني .. وهمس في أذنه .. للحفاظ على هيبته كقائد والحفاظ على ماتبقى من معنويات جيشه .

فكيف يريد بعض الناس أن يفرط السيد السيستاني بهيبة المذهب وزعامة المذهب وبمعنويات مقاتليه على السواتر بهذه البساطة .. ويحمل الناس فوق طاقتها بإصدار فتاوى لانعرف كيف يريدون شكلها !!

هل يريدونها ضد السياسيين ؟؟ وهل يريدونها بالقوة أم بالسلم ؟؟ إن كان بالسلم فقد بح صوت المرجعية ولم يستجب أحد .. وان كان بالقوة فمن الذي سيتحمل أن المرجعية تفتي بالقتال داخل البيت الشيعي ؟؟

وهل كل من كانوا معه في قتال العدو الخارجي  .. سيكونون معه في قتال الداخل ؟ 

وهل من كان معه في القتال .. يعني أنه سيتحمله في السياسة ؟؟

ألم يكن الزبير بن العوام مع الامام علي في كل حروبه وسيفه شاهد على ذلك .. ولكن  عندما صار النزاع سياسياً كان أول المنقلبين عليه ؟!.

فالسيستاني رسالة علوية مفادها : أن تحميل الناس والجيش أكثر من طاقته يكسر هيبة القيادة في هذه الظروف الحساسة ))

 يتبع…

بقلم: ايليا امامي

 

محرر الموقع : 2016 - 08 - 28